لم تكن المذيعة الأميركية الشهيرة أوبرا وينفري الملقبة ب"ملكة البرامج الحوارية التلفزيونية"، لتتصور يوماً ان برنامجها المتميز سيلقى نجاحاً باهراً في السعودية ايضاً. فبالنسبة الى مجتمع يفتقد صالات السينما، لا غرابة في ان تجذب البرامج والافلام العربية اكبر شريحة ممكنة، طالما ان الفضائيات العربية ترتكز عليها في شكل رئيس. واذا ما كان هناك بعض القنوات التي تعرض أفلاماً وبرامج غربية - أميركية أو أوروبية، على رغم ان معظمها يتطلب تكاليف شهرية ليست بالقليلة، ف"لن تتجاوز نسبة مشاهديها فئة معينة من المجتمع، تلقت تعليمها خارج البلاد، او درست لغات أجنبية - الانكليزية على الأقل - في شكل مكثف في الجامعات، اذا ما استثنينا بعض المثقفين ومهووسي الفن"، بحسب ما يقول مدرس اللغة الانكليزية نور الأحمد جدة، ويؤكد كلامه قائلاً: "فالترجمة تشكل ازعاجاً للبعض، الذين يتجهون الى الاعلام العربي، بحثاً عن سهولة في تلقي المعلومة". كلام الاحمد لا ينفي وجود متابعي الانتاج الغربي في السعودية، بل والمغرمين به. لكنه، يطرح أسئلة في شأن تمتع بعض البرامج بشعبية كبيرة من دون غيرها بين جميع فئات المجتمع السعودي. المسلسل الاميركي الشهير "فريندز" او الاصدقاء كان واحداً من هذه البرامج، على رغم ان محاولة اثبات شعبيته تظل صعبة في ظل غياب الاحصاءات الميدانية. الا ان أوبرا وينفري استطاعت ان تضرب ببرنامجها، في الذكرى ال19 له، كل الاحصاءات. فاهتمام الصحف المحلية السعودية واحتلال البرنامج لاكثر من نصف شاشات التلفاز الصغيرة او الكبيرة في مقاهي مدينة جدة او الدمام مثلاً، يشير الى مدى ما حققه هذا البرنامج. "لفتت صورة وجه تلك الفتاة المحروق كلياً، والدتي السبعينية، في حين كان شقيقي يتابع برنامج أوبرا، ما دفعها الى السؤال عن قصة الفتاة - المشوهة الملامح. وبينما كان اخي يروي الحادث وكيفية وقوعه، بكت أمي كثيراً من دون ان ترفع عينيها عن التلفاز". ويضيف يوسف الحربي جدة: "منذ عرض تلك الحلقة، تتابع والدتي البرنامج يومياً، في حين يتولى احد افراد العائلة قراءة الترجمة لها، لأنها أمية". أميركا المختلفة لعل ما قاله يشير الى ان "أوبرا" حقق ما وصلت اليه قناة "الجزيرة" في بعض الدول الأوروبية وأميركا، بعيداً من المقارنة بينهما، فقد قال المخرج والكاتب الباكستاني طارق علي: "ان هوس البحث عن صورة من زاوية اخرى، أصاب بعض الغربيين الذين دفعوا اموالاً لاضافة "الجزيرة" الى لائحة القنوات التي يشاهدونها على رغم انهم لا يفهمون العربية، لتقصي الحقيقة ورؤية الآخر، في ايام الحرب الأميركية على العراق"، وربما الفكرة ذاتها - البحث عن صورة مختلفة - دفعت بعض الخليجيين، خصوصاً من لم يسافر الى دول الغرب، الى متابعة برنامج أوبرا لما يطرحه من عادات وتقاليد لم يتصور السعوديون او غيرهم يوماً ان تكون مجودة في أميركا. محمد الناصر يقول: "صدمت بموضوع حلقة استضافت فيها أوبرا فتاتين أميركيتين عانتا من قهر، بسبب عادات وتقاليد تمنع المرأة من مشاهدة التلفزيون والخروج أبعد من حدود المدينة". ويضيف: "لم أكن لأتصور ما قالته هاتان الفتاتان من انهما قد تتلقيان عقاباً يصل الى القتل بسبب ظهورهما على شاشة التلفاز، على رغم ان طائفتيهما لا تمتان الى الاسلام او العروبة بصلة، اضافة الى ان هذه الطائفة تسمح بتعدد الزوجات - الممنوع في القانون الاميركي". واذا كان الناصر صدم بتلك الطائفة الاميركية، فإن نورة الدوسري الدمام تقول بعد مشاهدتها لاحدى حلقات "أوبرا" التي تناولت موضوع ممارسة الحب والبرود بين الزوجين: "لم أكن أتصور ان النساء الأميركيات في حاجة الى ثقافة جنسية، ودروس متخصصة في كيفية التعامل مع الزوج في هذا الجانب، بل لم أتخيل يوماً ان المجتمع الأميركي يجهل تلك الامور في ظل الانفتاح الذي سمعنا عنه كثيراً". وفي حين يؤكد محمد الجعيدان الرياض ان "سر نجاح البرنامج في السعودية، محليته الاميركية، وعرضه لمشكلات واقعية وخاصة يصعب تقديمها في برامج عربية"، يقول وليد بشاوري الدمام ان "محلية البرنامج تساعد المجتمع السعودي بالتحديد، على معرفة الوجه الآخر للمجتمع الاميركي، والذي غيبه الاعلام العربي". وعلى رغم ان الكثير أكد "صعوبة انتاج برنامج عربي يضاهي اوبرا في الطرح والجرأة"، تجدر الاشارة الى محاولة المذيعة اللبنانية ريتا خوري تقديم برنامج مشابه في قناة "المستقبل"، كما يمكن اعتبار محاولة زافين قيومجيان في برنامجه "سيرة وانفتحت"، محاولة جريئة هي الاخرى لو لم تقع في فخ التكرار، بغض النظر عن القيمة الفنية للبرنامجين. واذا ما كانت معظم الصحف السعودية والخليجية أشارت الى "نجاح البرنامج وكونه درساً لمنتجي البرامج العربية والسعودية في تعليمهم ان للاعلام دوراً كبيراً في التأثير في المنجتمعات ومحاولة تغيير سلوكيات خاطئة راسخة في المجتمع بعرضها وتبيانها"، فإن هناك من هاجم البرنامج هجوماً شرساً مبرراً ان نجاحه اعتمد على معرفة "أوبرا" بمثلث الاثارة الاعلامية "الجنس والدين والسياسة"، متناسياً ان جل برامجنا العربية تعتمد على هذا المثلث من دون اي دور ايجابي.