التراخي قبل "الانقضاض" لإنجاز العمل، دليل عزم كبير وتصميم أكيد من شعب "يعشق" انجاز الأمور في اللحظة الأخيرة. ولا عجب في ذلك لأن جينات اليونانيين "تفرز هذه العادة السيئة كما ينظر اليها بعضهم". هذا ما كشفت عنه الأيام الأخيرة، اذ تبدلت النظرة الى أثينا التي ستحتضن الدورة الأولمبية الصيفية الثامنة والعشرين بدءاً من اليوم، حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري. فهي تبدو على الموعد متجملة جاهزة للاحتفال الكبير، مستوحية من تاريخ 13 آب اغسطس محطة مع الحظ السعيد والأيام الرغيدة. والعاصمة اليونانية التي انتظرت 108 سنوات طويلة لتعود الألعاب الى مهدها، تحتضنها بثمنٍ غالٍ، اقتصادياً وأمنياً. لكن، وكما يؤكد أبناؤها وعلى لسان الكاتب ألكسيس ستاماتيس، فإن "الألعاب هبة من السماء، وفرصة فريدة لتبدل المدينة وجهها الرمادي وجوّها الملوث، وترتدي ثوباً مشعاً يؤهلها أكثر لتكون حاضرة أوروبية مميزة. وسيلمس زائر أثينا التغيير الذي طاول المباني المكدسة بفوضى كبيرة من خلال المشاريع التنموية الكثيرة، وطبعاً هذه احدى ايجابيات الألعاب الأولمبية". بعد معاناة كبيرة مع التأخير والتأجيل، وتلقي "انذارات" شديدة اللهجة من اللجنة الأولمبية الدولية، والإنفاق الذي تعدى الموازنة المحددة ليفوق أربعة بلايين يورو لأسباب بيروقراطية وسياسية في بلد يتغنى بأنه مهد الديموقراطية، لكنه لم يمارسها في العصر الحديث إلا منذ سنوات قليلة... تفرد اليونان ذراعيها لأضخم حدث رياضي - ثقافي جامع. حالتها الحاضرة تشبه تراجيديا اغريقية مع فسحات واسعة للحلم والخيال، تختصرها حفلة الافتتاح التي ستروي للعالم قصة قديمة جداً بتقنيات حديثة "من خلال استعراض بصري لا مثيل له، يعتمد على الماء والنار عنصرين قال فلاسفة يونانيون انهما مصدر الحياة، إذ يُتوقع أن يسقط مذنب وسط مياه بعد إغراق الاستاد بالماء، كما تشتعل النار في الدوائر الممثلة لقارات العالم بالعلم الأولمبي وسط بحيرة عملاقة"، بحضور 77 ألف متفرج، يتقدمهم عدد من قادة العالم، بينما سيتمكن أربعة بلايين شخص من مشاهدة الافتتاح عبر الشاشة الصغيرة، ويشارك فيه 9 آلاف شخص. ويؤشر الافتتاح رسمياً لانطلاق المنافسات التي بدأت عملياً الأربعاء الماضي، بمباريات كرة القدم، ووسط اجراءات أمنية هي الأضخم من نوعها، استهلكت جانباً مهماً من موازنة الدورة بلغ نحو 2،1 بليون يورو، وبمشاركة متعددة الجنسية. ويتنافس في الألعاب حوالى 10500 رياضية ورياضي من مئتي بلد وبلدين. الاثنين الماضي، أعلنت رئيسة اللجنة المنظمة جيانا انجيلوبولوس دسكالاكي التي تلقت سهاماً كثيرة وواجهت التحدي بإصرار لافت، في حضرة رئيس اللجنة الدولية جاك روغ: "نحن مستعدون، أماكننا جاهزة وشعبنا جاهز". ويحق لدسكالاكي ان تزهو بعد هذا الجهد الاستثنائي، والأولمبياد في عهدة ثاني أصغر دولة تستضيف الألعاب في مهدها مجدداً، ووجدت فيه منفذاً الى رحاب العصر. وجاء إعلان دسكالاكي بعد سنوات من الانتقادات والشكوك بإمكان أثينا استكمال استعداداتها، تحديداً بعد أشهر قليلة على نيل شرف التنظيم عام 1997... ويبدو انها لم تتنفس الصعداء إلا على ايقاع تصريح روغ الذي أكد أن المنظمين نجحوا أخيراً في الوفاء بوعودهم. الورشة الأولمبية لم تشمل فقط المرافق الرياضية وعددها 35، بل مشاريع جديدة، منها المطار والترام والمترو والجادات والطرقات الدائرية وقرية الرياضيين المؤلفة من 366 مبنى، ستوزع شققها بعد الألعاب على 2500 عائلة. ويشارك السكان المنظمين فرحتهم وزهوهم، إلى درجة معينة من الغرور، وإن كان كثيرون منهم غادروا أثينا الى مناطق أخرى، تحاشياً للازدحام الأولمبي والتعقيدات الأمنية. وهذا البلد الصغير المثقل بالتاريخ والحضارة والأساطير، طموحه ان يحظى بإعجاب لا متناه عند اختتام الألعاب وبدهشة الجميع، كما حصل حين أحرز منتخبه لكرة القدم في 4 تموز يوليو الماضي لقب كأس اوروبا للمرة الأولى، محققاً مفاجأة مدوية، علماً ان ترجيحات فوزه كانت شبه معدومة، فتكون سنة 2004 سنة اليونان... اليوم يبدأ الامتحان.