وجه "أثينا الجميلة" شعار جديد طرحته اللجنة العليا المنظمة للدورة الأولمبية المقررة من 13 آب اغسطس المقبل في العاصمة اليونانية، بالتكافل والتضامن مع الحكومة الجديدة برئاسة كوستاس كرامنليس التي شمّرت عن سواعدها لتسريع إيقاع العمل واستلحاق ما يمكن استلحاقه من تأخير في بناء المنشآت. فلمس المتابعون ولا سيما رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الدكتور جاك روغ ورئيس لجنة التفتيش والتقويم دينيس أوزوالد انقلاباً جديداً في التعاطي، وتعديلات في بعض الخطط بنسبة مئة في المئة، وإذا كانت الغالبية لا تؤيد هذا النهج، فإن كرامنليس يؤكد ان هذه الخطوات تصب في مصلحة الألعاب وصحتها. ويبدو ان ايقاد الشعلة الرمزية الخميس الماضي في جبل الأولمب وبداية رحلتها الطويلة لتجتاز 78 ألف كيلومتر وتجول على أبرز "المدن الأولمبية" في العالم، أوقد الحماسة في صدور اليونانيين أكثر من أي وقت مضى. وهم تفاءلوا أخيراً على رغم "أطنان العراقيل" منذ ان أضيئت الشعلة سريعاً بواسطة أشعة الشمس في الاحتفال التقليدي، فكان الطقس صافياً والشمس ساطعة، على عكس ما كانت عليه الاجواء حين أجريت مراسم ايقاد شعلة دورة سيدني 2000، اذ كانت ملبدة بالغيوم. ووسط هذا الزحام من الامنيات والآراء والتوقعات تبرز في الوسط "السيدة الأنيقة" جيانا انجيلبوبولس دسكالاكي، فهذه المرأة ذات الأعصاب الفولاذية والارادة القوية تشغل منصب رئيس اللجنة المنظمة للألعاب، اي انها نقطة الارتكاز ومحور الماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة للاستعدادات، سعياً الى ان يعلن رئيس اللجنة الدولية جاك روغ حين يسلم العلم الأولمبي الى عمدة مدينة بكين مسرح دورة 2008 في اختتام الدورة المنتظرة "ان ألعاب أثينا 2004 هي الأعظم في التاريخ". شعور نرجسي ربما يدغدغ رأس السيدة دسكالاكي "لكنه مستمد من واقع الإرث والتاريخ والجغرافيا". وعلى رغم المشكلات الكثيرة، والتي لا تنكرها دسكالاكي طبعاً، فانها في نظر مواطنيها بطلة قومية إذ استطاعت في أقل من عامين ان تبعث الحياة من جديد بالورشة الضخمة. عام 2002، ارتعدت أثينا خوفاً بسبب التأخير الذي طرأ على التحضيرات للألعاب، فكان الحل بتسليم "الملف" لدسكالاكي، المحامية وزوجة البليونير، وهي التي يعود لها الفضل الأكبر في منح موطنها شرف تنظيم اكبر تظاهرة رياضية عالمية للمرة الثانية في تاريخها. ولا تخرج السيدة الجميلة عن أناقتها وتميزها، انها جيانا كما يطلقون عليها منادين إياها باسمها الأول. تبلغ دسكالاكي التاسعة والأربعين من العمر، محامية لامعة ونائبة سابقة وتعكس صورة الشخصيات الناجحة في الطبقة المخملية اليونانية العريقة، وزوجها ثيودور انجيلبوبولس، مالك سفن كبير وهي "مهنة" معهودة في بلاد الشواطئ المترامية، وتاجر فولاذ مقتدر، لذا لا غرابة ان أطلق عليها أيضاً اسم "المرأة الحديد" وهي من دون شك اسم على مسمى. أخيراً، صنفت مجلة "فوربس"، "جيانا اليونانية" بين أكثر 50 امرأة تأثيراً في العالم. وهي تغرف من هذا المخزون المعنوي لتمضي قدماً في مهمتها الدقيقة، تعمل أكثر من 16 ساعة يومياً لتزيل الحواجز التي تعترض الألعاب، وتصرّ على انها ستكون فريدة من نوعها "ولن أخيّب ظن مواطني لأن مسؤوليتنا تقضي بإعادة الألعاب الأولمبية الى موطنها الأصلي، واليونانيون يريدون تذكير العالم بالقيم الأولمبية ومُثلها وفي مقدمها السلام والتآخي، وهدفنا الجانب الانساني بالدرجة الأولى ونعطيه الأولوية على ضخامة المنشآت والتقنيات والتي ستكون متكاملة، ثقوا بكلامي". هذا التعالي والكبرياء والعنفوان في الحديث عن قيم أثينا القديمة والتراكم التاريخي لا يلغي الواقعية التي تلخصها دسكالاكي بالقول: "ان غالبية الدورات الأولمبية واجهت مشكلات الاعداد والتنظيم قبل انطلاقها، ونحن لا ننكر الوقت الكثير التي أهدر لكننا سنكون على الموعد ولن يخفت البريق بل سيتوهج". وتجابه دسكالاكي المنتقدين والمشككين ولا سيما من أركان اللجنة الأولمبية الدولية بقول لرئيسهم روغ الذي قارن التحضيرات "برقصة السيرتاكي التي تبدأ بهدوء ثم ترتفع وتيرتها شيئاً فشيئاً حتى لا يمكن اللحاق بها في النهاية". وتعلق "المرأة الحديد" "نحن اليونانيين نميل الى انجاز الأمور في اللحظة الأخيرة، لكننا كمنظمين محظوظين. اهالي أثينا يعون رصيدهم التاريخي والحضاري والرياضي تحديداً. يعرفون انه علينا ان نظهر للعالم حبنا لهذه الألعاب، فأرضنا مهدها، وقد تطوع 132 ألف شخص لإثبات ذلك"... ومن خلال الفريق المعاون لها في اللجنة المنظمة تسعى الى بثّ مفهوم جديد للعمل والاجتهاد ومعايير ذلك "الانضباط وروح الجماعة. وهذه الرسالة أرغب في نشرها من حولي على الجميع اتباعها...". عام 1990، رفضت دسكالاكي مستقبلاً سياسياً واعداً وفضلت الزواج من مالك السفن الثري، "سعيت وراء المغامرة والتجوال، راقبته كيف يعمل وقمت بخطواتي الأولى في هذا المجال، وبفضله فهمت ان التاريخ بالنسبة لليونان قيمة مضافة، وانه بامكاننا وضع استراتيجية مبنية على المعايير العصرية". وتعتبر دسكالاكي نفسها محظوظة بما ان زوجها وأولادها المقيمون في الخارج يدعمونها "هم يعرفون كم اشتاق الى الحياة العائلية، لكني بعيدة منهم لهدف نبيل"...وهي كانت أول المتطوعات في مطلع التسعينات لمشروع "أثينا 2004" الذي حلّ بدلاً من "أثينا 1996" اذ حظيت مدينة اتلانتا الاميركية بشرف تنظيم الألعاب في الذكرى المئوية لاعادة إحيائها. واليوم، يؤكد المتفائلون ان الألعاب المقبلة ستسطع في العالم بفضل دسكالاكي وأمثالها لأن لا حد لطموحاتها الفولاذية.