ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    235 جهة حكومية تستعرض أبعاد ثروة البيانات وحوكمتها والاستفادة منها في تنمية الاقتصاد الوطني ‬    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على خلفية الطلاق بين حزب "المؤتمر الشعبي العام" الحاكم و"التجمع اليمني للإصلاح". الحسابات السياسية والمناكفات الحزبية دفعت بالحوثي الى واجهة الأحداث الدموية في اليمن
نشر في الحياة يوم 12 - 08 - 2004

منذ وقع "الطلاق" بين الحليفين، حزب "المؤتمر الشعبي العام" الحزب الحاكم في اليمن، والتجمع اليمني للإصلاح على خلفية المواجهة بينهما في الانتخابات النيابية عام 1997 وخروج "الإصلاح" من الائتلاف الحاكم الى المعارضة... بدأ الحكم يفكر جدياً في الضغط على حليفه السابق لمنعه من التقارب مع جبهة المعارضة المتمثلة في الأحزاب التي قاطعت الانتخابات وفي مقدمها الحزب الاشتراكي اليمني والحد من نفوذه وتضييق قاعدته الجماهيرية من خلال التلويح بورقة حل المعاهد العلمية الدينية الخاضعة لنفوذه وسيطرته وإلغاء موازنتها السنوية التي وصلت الى نحو 14 بليون ريال، خصوصاً ان قانون التعليم العام الذي ينص على توحيد المناهج التعليمية وإعادة ترتيب وضع التعليم في البلد ظل حبيس الأدراج منذ صدوره عام 1992 لحسابات سياسية تتعلق بطبيعة التحالف بين "الإصلاح" و"المؤتمر الشعبي" ورفض الأول اي خطوة لتنفيذ القانون على رغم ان الحكومات اليمنية التي تشكلت منذ نهاية حرب صيف عام 1994 وحتى عام 2001 كانت تشدد في برنامجها على مسألة دمج التعليم وتوحيد المناهج وفرض رقابة صارمة ومباشرة من الحكومة على التعليم الأهلي والخاص والتعليم الديني تحديداً.
وكان الحزب الحاكم خاض بين عامي 1995 -1997 مع شريكه في الحكم تجاذبات وأزمات بسبب مواقف "الإصلاح" من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الشاملة ورفضه توجهات "المؤتمر" في التعاطي مع البنك وصندوق النقد الدوليين وأي التزامات مع الدول والمنظمات المانحة يرى "الإصلاح" أنها تفرض عليه التزامات لا تتفق مع توجهاته السياسية والاقتصادية ذات الطابع الإسلامي وبرنامجه الحزبي، اضافة الى خشيته من رد فعل قواعده ومنظماته الحزبية التي تتشكل في غالبيتها من التيار المتشدد... كما ان سنوات الائتلاف الثنائي بين الحليفين سادها التوتر والتجاذب وتبادل الاتهامات حول قضايا الفساد واستغلال السلطة.
وفي ضوء هذه المعطيات تولدت القناعة لدى الحليفين بأن "الطلاق" آت لا ريب خصوصاً ان العدو المشترك الحزب الاشتراكي اليمني سقط في حرب الانفصال عام 1994، وبات على كل حليف ترتيب حساباته لمواجهة الآخر. وبالتالي لجأ "المؤتمر" الى دعم المدارس والمراكز والمعاهد الدينية الخاصة ذات الطابع المذهبي الشيعي والطابع السلفي المناوئ للإصلاح كحزب يخضع لنفوذ تيار الإخوان المسلمين في اليمن... في خطوة اندرجت في حسابات الحزب الحاكم منذ عام 1995 للحد من نفوذ المعاهد العلمية الدينية التابعة ل"الإصلاح". وأخذت تتوسع بدعم مادي وبغطاء سياسي وقانوني من "المؤتمر" تحت مبرر دفع "الإصلاح" الى عدم معارضة الحكومة - بعد خروجه للمعارضة عام 1997 - لجهة حل المعاهد العلمية التابعة له وتطبيق قانون التعليم على جميع المدارس والمعاهد والمراكز الدينية المماثلة... غير ان "الإصلاح" ظل يعارض اي خطوة في هذا الاتجاه، وتمكن من عرقلة توجه الحكومة بتدخل مباشر لقياداته ومرجعياته وفي مقدمها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لدى الرئيس علي عبدالله صالح حتى عام 2001 الذي شهد مواجهات دموية بين انصار "الإصلاح" وقوات الأمن والجيش من جهة وأنصار "المؤتمر" من جهة ثانية في اول انتخابات للمجالس المحلية مطلع عام 2001. وكان اول رد حكومي على "الإصلاح" اتخذته حكومة عبدالقادر باجمال الأولى بعد تشكيلها منتصف عام 2001 تمثل بقرارها حل المعاهد الدينية التابعة ل"الإصلاح" ودمج موازنتها - نحو 14 بليون ريال سنوياً - في موازنة وزارة التربية والتعليم وتوحيد المناهج التعليمية وفقاً لقانون التعليم الصادر عام 1992.
كان القرار بمثابة الصاعقة على قيادات الإصلاح وقواعده وأنصاره خصوصاً من الترتيبات الحكومية الأمنية والسياسية والإعلامية لتنفيذ القرار منذ الساعات الأولى لصدور القرار، فيما فشلت القيادات التنفيذية للمعاهد التي تنتمي ل"الإصلاح" في إخفاء البيانات وكشوفات رواتب المدرسين ووثائق الموازنات والسجلات والوثائق الخاصة بإدارة المعاهد على امتداد المحافظات والمناطق والمدن اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء.
وفي هذه الأثناء كانت الحكومة اليمنية قررت منذ منتصف العقد الأخير من القرن الماضي اتخاذ اجراءات صارمة لمكافحة التطرف والعنف الديني والسيطرة على التيارات الأصولية من بقايا الأفغان اليمنيين والعرب الذين توافدوا الى اليمن بوسائل مختلفة منذ نهاية الحرب في افغانستان. وخلال هذه الفترة تمكنت الحكومة اليمنية من ترحيل بضعة آلاف من العرب الأفغان من المطلوبين لدولهم او جهات اخرى بعدما شعرت بخطر بقاء هؤلاء في البلاد إثر المواجهة الدامية بين قوى الأمن في محافظة الضالع وأتباع عبدالرحمن الجزائري اواخر عام 1996. وكان الجزائري دخل اليمن للالتحاق بجامعة الإيمان التي يديرها الشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس مجلس الشورى في "الإصلاح" عام 1995 وفصل منها بعد عام تقريباً بسبب تشدده ومقارعة اساتذته في الجامعة. وبعد محاكمة الجزائري رحل من البلاد.
نجحت الحكومة اليمنية "مرحلياً" في تطبيق قانون التعليم العام بحل المعاهد الدينية، وسياسياً في ضرب نفوذ "الإصلاح"، وأمنياً في محاربة الإرهاب وتضييق الخناق على التيارات الإسلامية المتشددة وفي مقدمها عناصر تنظيم القاعدة في اليمن بعد الاعتداء على المدمرة الأميركية "كول" في عدن اواخر عام 2000 واعتداءات ايلول سبتمبر على الولايات المتحدة في 2001. غير انها استمرت في التغاضي عن ظاهرة المدارس والمعاهد والمراكز "الدينية" ذات الطابع المذهبي الزيدي - الأكثر اعتدالاً وانفتاحاً على المذاهب الإسلامية الأخرى والذي ينتمي إليه معظم ابناء المحافظات الشمالية - والمدارس الجعفرية الشيعية الإثني عشرية التي يديرها دعاة ينتمون اصلاً للمذهب الزيدي، والمراكز الإسماعيلية في بعض مناطق المحافظات الشمالية والوسطى، اضافة الى تغاضي الحكومة عن المدارس السلفية التي لا تدعو الى العنف ولا ترى فيها خطراً على امن البلد ومنها مركز الوادعي نسبة للشيخ مقبل الوادعي في محافظة صعدة الذي توفي قبل نحو عامين. والوادعي اول من انشأ مركزاً للتعليم الديني "السلفي" في محافظة صعدة بمعزل عن المعاهد الإصلاحية او الحوزات الشيعية الزيدية. وكان يتلقى دعماً من الحكومة ولكن ليس بمستوى الدعم الذي تقدمه الحكومة ل"جامعة الإيمان" في صنعاء التي يديرها الزنداني وكان ألد خصوم الوادعي حتى وفاة الأخير. وهناك مراكز ومدارس دينية تكرس في مناهجها الفقه وعلوم الشريعة الإسلامية المعتدلة، اضافة الى اللغة والتاريخ، في محافظة حضرموت شرق البلاد، وهي لا تشكل خطراً على الأمن او على جهود الحكومة في مكافحة التطرف والإرهاب. وبدأت الحكومة منذ بضع سنوات تدعم هذه المدارس التي تخضع لمراقبتها وإشرافها.
وفي هذا السياق كانت الحسابات السياسية لدى الحزب الحاكم في النيل من حليفه القديم "الإصلاح" تفرض على الحكومة التغاضي عن المراكز والمدارس الدينية السلفية والحوزات الشيعية الزيدية - والجعفرية الإثني عشرية اعتقاداً بأنها لا تشكل خطراً على الأمن وأنها تحت السيطرة، وبالتالي تؤدي الغرض السياسي نكاية ب"الإصلاح". غير ان هذه الحسابات الحكومية والتي تتم عادة بعيداً من القانون او بتغييبه سمحت في صورة غير مباشرة بإنشاء مدارس ومعاهد دينية اصولية من دون علم الحكومة خلال السنوات الماضية في عدد من المناطق النائية، خصوصاً في محافظات شبوه ومأرب والجوفوصعده وأبين ولحج وصنعاء.
ولم تكن السلطات تتوقع ما اكتشفته خلال ملاحقتها لعناصر "القاعدة" - و"الجهاد" بعد حادثة كول - واعتداءات ايلول وعدد من العمليات الإرهابية في اليمن من ان معظم هذه المدارس والمعاهد اصبحت ملجأ لعناصر "القاعدة" اليمنيين وغير اليمنيين ممن تم اعتقالهم او محاكمتهم او قتلوا في مواجهات مع القوات الحكومية في السنوات الأخيرة، وبالتالي كانت قرارات الحكومة بإغلاق هذه المدارس والمراكز على خلفية الملاحقات والمواجهات مع العناصر المتطرفة والتزامات الحكومة امام واشنطن والدول الغربية بمكافحة الارهاب وتجفيف منابع التطرف والعنف في اليمن، مبتورة كونها لم تشمل كل أنواع التعليم الديني واتجاهاته الذي لا يخضع لقانون التعليم والمناهج الدراسية العامة في وقت تخلى التجمع اليمني للإصلاح عن أي خطوة أو مراجعة تتعلق بالمعاهد المنحلة وذهب بعيداً في توطيد علاقته بأحزاب المعارضة ولعب دوراً محورياً فيها غير مبال لحسابات الحكومة والحزب الحاكم للنيل من نفوذه كحزب اسلامي خرج ذات يوم من عباءتهما.
وفي ضوء ما سبق فإن الحكومة اليمنية تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عن المواجهات الدامية بين القوات الحكومية وأتباع تنظيم "الشباب المؤمن" الذي يتزعمه حسين بدر الدين الحوثي في منطقتي جبال مران وحيدان في محافظة صعدة شمال البلاد منذ نحو شهرين والتي أسفرت عن مقتل وجرح المئات من الجانبين في اعنف مواجهات يخوضها الجيش اليمني منذ حرب الانفصال صيف عام 1994. والحوثي يعتبر نفسه الداعية المجدد والمدافع عن "المذهب الزيدي"، وهو ينتمي الى أسرة هاشمية يرجع نسبها الى الحسين بن علي بن أبي طالب رض. ويعتبر والده العلامة بدر الدين الحوثي من أبرز علماء ومرجعيات المذهب الزيدي نسبة للإمام زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب. وكانت محافظة صعدة مركزاً للدعوة الزيدية - الهادوية قبل نحو 1200 سنة على يد الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسمي الهاشمي.
ويذهب المراقبون الى تحميل الحكومة اليمنية القسط الأوفر من مسؤولية "التمرد" على القانون والنظام للحوثي والمئات وربما الآلاف من أتباعه باعتبار ان ظاهرة الحوثي لم تكن لتخرج الى السطح وتثير الفتنة الطائفية والمذهبية والسلالية في ظل التطبيق الصارم للقانون، خصوصاً قانون التعليم العام، بمنأى عن أية حسابات سياسية او مصالح حزبية للحكومة او للحزب الحاكم. ذلك ان الحوثي الذي نجح في الانتخابات النيابية عام 1993 عن دائرة في منطقة حيدان في محافظة صعدة مرشحاً ل"حزب الحق المعارض"، الحليف للحزب الاشتراكي اليمني إبان وجوده شريكاً في السلطة آنذاك وهو حزب ذو اتجاه مذهبي زيدي. يومها أراد الاشتراكي الحذو حذو شريكه المؤتمر الشعبي العام المتحالف مع التجمع اليمني للاصلاح، بالتحالف مع حزب الحق الذي بدأ بالفعل ينشط في تأسيس منظمة "الشباب المؤمن" منذ عام 1992 لمقارعة "الاصلاح" والحد من نفوذه في محافظة صعدة مركز الدعوة "الزيدية" ونفوذها العقائدي على معظم المحافظات الشمالية في ما كان يعرف باليمن الشمالي قبل الوحدة عام 1990. وفي ظل اجواء الريبة والشك واندلاع الازمات السياسية والخلافات بين شريكي الحكم و"الوحدة" المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني خلال المرحلة الانتقالية للوحدة من عام 1990 الى 1993، تمكنت الحوزات الزيدية من استعادة نشاطها في شكل غير مسبوق منذ اندلاع الثورة اليمنية عام 1992 على الحكم الامامي في شمال اليمن. وتلقى الحوثي دعماً اشتراكياً في الفوز في انتخابات عام 1993، وكان موقفه محدداً على غرار حزبه "الحق" مؤيداً للاشتراكي خلال الأزمة التي سبقت الحرب عام 1994. فيما كان شقيقه الأكبر محمد بدر الدين الحوثي هو من يدير "الشباب المؤمن" بدعم من والده العلامة بدر الدين الحوثي وذلك في جبال مران وبعض المناطق في محافظة صعدة. وفي عام 1996 استقال بدر الدين الحوثي ومعه انجاله ومنهم النائب حسين بدر الدين الحوثي من حزب الحق. وكان للمؤتمر الشعبي العام دور مهم في هذه الاستقالة التي لعب فيها عدد من قادة المؤتمر هذا الدور بهدف إنهاك حلفاء الاشتراكي والحد من نفوذهم الداخلي بعد هزيمته في الحرب الانفصالية وخروجه الى المعارضة.
ويعود تاريخ بداية انشاء ما عرف آنذاك ب"منتدى الشباب المسلم" الى عام 1991 على يد محمد بدر الدين الحوثي غير ان المنتدى بدأ نشاطه في شكل ملموس عام 1992 عندما تبنى دورات للدارسين والطلاب سرعان ما تطورت الى مراكز صيفية يتم من خلالها استقطاب المئات من التلاميذ والطلاب في هذه المراكز. وكان أول مركز في منطقة ضحيان نقل في ما بعد الى منطقة الحمزات. وكان يؤدي دوره الفقهي والمذهبي في احياء علوم المذهب الزيدي. وفي عام 1996 انتقل المركز الى منطقة بني معاذ بمديرية سحار في محافظة صعدة.
وعلى رغم ان الحوثي درس في المعاهد الدينية الخاضعة لنفوذ الاصلاح ومن قبل "الاخوان المسلمين" حيث تلقى التدريس الابتدائي والثانوي في المعهد العلمي في صعدة الذي كان يدرس علوم الشريعة والفقه الاسلامي ولا يعترف بالمذهب الزيدي، الا انه تلقى العلم على يد والده وعلماء المذهب في صعدة.
ويشهد للحوثي زملاؤه وأساتذته وأصدقاؤه بالذكاء والاستقامة والتفوق العلمي، حيث نجح في نيل شهادة الماجستير من السودان في علوم القرآن الكريم بتفوق، ويأخذون عليه تعصبه لأفكاره وتشدده في معتقداته لدرجة انه مزق شهادة الماجستير لاعتقاده بأن الشهادات الدراسية تجميد للعقول.
وكان إنشاء منتدى "الشباب المؤمن" بإيعاز من العلامة بدر الدين الحوثي وكان انجاله وأتباعه يريدون المنتدى بهدف جمع علماء المذهب الزيدي في صعدة وغيرها من مناطق اليمن تحت لوائه، وبالتالي دعم حزب الحق باعتبار ان مؤسسيه غالبيتهم من علماء ومثقفين ينتمون الى المذهب، غير ان خلافاً اندلع بين العلامة بدر الدين الحوثي والعلامة مجد الدين المؤيدي أحد أترابه في محافظة صعدة بسبب معارضة الأخير لفكر منتدى "الشاب المؤمن" ومنهجه، وتأييد الأول للقيادات الشابة في المنتدى بزعامة نجله حسين والتي رأت بأن حزب الحق غير قادر على اصلاح أوضاعه من الداخل بسبب قيادات متحكمة تحكم قبضتها على مصير الحزب وتمنع أي دور للشباب من اجل اصلاحه، خصوصاً ان هذه القيادات هي من كبار السن ولا تؤمن بروح العمل ولا تجيد أساليب العمل التنظيمي الحزبي. وتقدم الحوثي عام 1996 باستقالة جماعية معلناً انتهاء اي علاقة له بحزب الحق، والاستقلال بمنتدى "الشباب المؤمن" كحركة انفصالية عنه.
وكثيراً ما كانت قيادات تقليدية في حزب الحق تشير بأصابع الاتهام الى "المؤتمر الشعبي العام" بأنه خلف الانقسام الذي حصل وانه يدعم الحوثي ومنتدى الشباب المؤمن كحركة منشقة عن الحزب. وكثيراً ما دانت بيانات احزاب المعارضة الحليفة له ما وصفته حينها بمؤامرات الحزب الحاكم وسعيه لتفريخ الأحزاب ودعم الانشقاقات الداخلية لأحزاب المعارضة بوسائل الترغيب والترهيب.
والحقيقة ان هذه الاتهامات لم تكن بمعزل عن الواقع السياسي الذي افرزته مرحلة ما بعد حرب 1994 في اليمن، خصوصاً أن احزاب المعارضة الحليفة للاشتراكي عملت خلال الازمة قبل الحرب على إنهاك المؤتمر الشعبي سياسياً وجماهيرياً في مواجهة الحزب الاشتراكي ومنها حزب الحق الذي كانت مواقفه واضحة الى جانب الاشتراكي، كما ان خروج الحوثي وأنصاره واتباعه عام 1996 اصاب الحزب بالانهاك والارتباك كونه غير مؤسس على قاعدة جماهيرية يمكن وصفها بالمؤثرة سياسياً وشعبياً في اللعبة الديموقراطية في اليمن.
واستمر منتدى "الشباب المؤمن" في ممارسة نشاطه وتمكن من استقطاب انصاره من الشباب، وغالبيتهم ينتمون للأسر الهاشمية وللمذهب الزيدي. وتلقي حسين بدر الدين الحوثي دعماً مادياً - غير معلن - من قبل الحزب الحاكم منذ استقال من حزب الحق، ثم اصبحت له مخصصات مالية شهرية حكومية بعدما استقل بالمنتدى استقلالاً كاملاً عام 2000 هدفاً ومنهجاً وفكراً.
ويؤكد بعض القريبين من الحوثي انه جعل من إحياء مناسبة "يوم الغدير" مناسبة لجمع اتباعه واستقطاب مناصريه في محافظة صعدة وبالتالي الترويج لاهدافه من خلال جمع التبرعات ودفع الشباب والطلاب للالتحاق بالمراكز التعليمية التابعة للمنتدى والعمل على انتشارها لتتجاوز حدود محافظة صعدة، معتبراً نفسه مصلحاً ومجدداً علوم المذهب وتعاليمه، ورفع شعارات التأييد ل"حزب الله" اللبناني، معتبراً انتصاراته على اسرائيل ورفعت اعلام حزب الله في بعض المراكز التابعة للحوثي وشعارات "الموت لاسرائيل - الموت لأميركا". وخلال ست سنوات مضت تمكن الحوثي من اقامة العشرات من مراكز التعليم في الكثير من المناطق شهدت التحاق المئات وربما الألوف من الدارسين معتمداً في تمويلها أموالاً غير منظورة من تبرعات انصاره ومؤيديه. وخلال السنوات الاخيرة أحرزت مراكز "الشباب المؤمن" تقدماً ملحوظاً في نشاطها المتمثل في اقامة المعسكرات الصيفية والندوات والمحاضرات التي تضمنت آراء حسين بدر الدين الحوثي ومعتقداته وتوزيع ونشر العديد من "الملازم" والكتب التي تروج لفكره وتحرض أتباع المذهب الزيدي على اقتناء الاسلحة والذخيرة تحسباً لمواجهة الاعداء من الاميركيين واليهود واقتطاع نسبة من الزكاة لصالح المدافعين عن شرف الاسلام والمذهب.
وعلى رغم ان السلطات اليمنية بدأت تشعر بالضيق من تصرفات الحوثي ودعوته منذ نحو عامين الا انها لم توقف دعمها المالي، وحاولت اقناع الحوثي بالعدول عن توجهاته وافكاره كونها تثير الفتنة المذهبية والطائفية والسلالية وخروجاً على الدستور والقانون. وأوفدت له الوسطاء من علماء المذهب الزيدي وبعض الشخصيات الهاشمية لاقناعه خصوصاً أن مناسبة "يوم الغدير" في صعدة تحولت العام الماضي الى تجمع للقبائل واستعراض للقوة بعرض انواع وفيرة من الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة واطلاق النار بكثافة في نبرة تحد واضحة، كما ان إحياء المناسبة في محافظات اخرى لم يكن بمعزل عن الحوثي وفكره ودعوته.
وعندما شعر الحوثي ان اتباعه ومعظمهم من الشباب والطلاب تراوح اعمارهم بين 15 و25 عاماً اصبحوا يشكلون قوة مؤثرة يعتمد عليها في اظهار ثقله الديني والسياسي معاً والمضي قدماً في دعوته ونشرها دأب اتباع الحوثي على التظاهر في معظم المساجد في محافظة صعدة اثناء صلاة الجمعة وعقبها بترديد شعار "الله أكبر - الموت لأميركا - الموت لاسرائيل" تبعتها تظاهرات مماثلة في الجامع الكبير في صنعاء منذ احتلال العراق العام الماضي. ووقعت مصادمات بين الحوثيين ورجال الشرطة التي اعتقلت العشرات، غير ان التظاهرات التي نظمها "الشباب المؤمن" العام الماضي من دون ترخيص في اتجاه مبنى السفارة الاميركية والتي أدت الي اندلاع اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل وجرح 15 شخصاً من الجانبين أشعرت السلطات اليمنية بخطورة الموقف وما يشكله تنظيم "الشباب المؤمن" من خطر على الأمن خصوصاً أن تظاهرات المساجد أخذت في الاتساع لتشمل مناطق ومدناً من محافظات اخرى اضافة الى رفض المعتقلين من انصار الحوثي التعهد بعدم تكرار "أعمال الشغب" في مقابل اطلاق سراحهم وتمسكهم بأوامر الحوثي بعدم الرضوخ للسلطات لأنها خاضعة لأميركا واسرائيل وان من حقهم التنديد بالأميركيين واليهود في المساجد وفي كل مكان احتجاجاً على الجرائم التي ترتكب ضد المسلمين على ايديهم... وان من يعارضهم لا يؤمن بالله ولا تجوز له الطاعة.
كان حسين بدر الدين الحوثي قرر منذ عامين التمركز في جبال مران مسقط رأسه حيث يدير حركة "الشباب المؤمن" ويقيم التحصينات ويحرض اتباعه على اقتناء السلاح والذخيرة والاستعداد لمواجهة اي عدوان اميركي او اسرائيلي او من قبل الحكومة، وأحاط نفسه باجرءات صارمة لحمايته والانتقال بين القرى والجبال تحسباً لأي خطر يهدد حياته. وحاول الرئيس علي عبدالله صالح ان يثنيه عن هذه التصرفات ويبعث اليه وسطاء من علماء ومشايخ ونواب محافظة صعدة لكنه رفض كل الوساطات التي تدعوه الى الحضور الى صنعاء للتفاهم مع الحكومة. وقبل نحو اسبوعين من اندلاع المواجهات بين القوات الحكومية واتباع الحوثي في جبال مران اصدر عدد من كبار علماء الزيدية بياناً تبرأوا فيه من افكار الحوثي ووصفوها بالضلال ونصحوا الناس بعدم الالتفات اليها، كما دعا البيان الحوثي الى العدول عن افكاره وآرائه التي تضمنتها محاضراته حتى لا تكون فتنة.
وعلى رغم ان الحوثي ينفي ادعاءه الإمامة او تنصيب نفسه أميراً للمؤمنين او تحريض انصاره وأتباعه على التمرد على القانون والدستور في رده على اتهامات الحكومة، الا ان المعطيات التي سبقت الاحداث الجارية في صعدة تشير الى انه ليس مجرد داعية او رجل دين متعصباً او متشدداً لأفكاره وحسب. اذ ان استقطاب المئات وربما الآلاف من اتباعه من جميع المحافظات لخوض مواجهات مسلحة مع القوات الحكومية واختياره جبال مران ذات التضاريس الصعبة والمعقدة وإقامة التحصينات فيها وجلب مختلف أنواع الأسلحة وتوفير المؤن لأتباعه بهدف ضرب أي قوة عسكرية تحاول النيل منه والقضاء على دعوته، انما تدل على جاهزية عسكرية وتؤكد ان نشاطه لم يكن يقتصر على نشر دعوته لتعبئة أتباعه بأفكاره ومنهجه ولكن بإعدادهم وتدريبهم على حرب العصابات وتكريس القناعة المطلقة لديهم بطاعته وعدم الخروج عليه وبالتالي الصمود لأطول وقت ممكن بحيث يمكنه خوض مفاوضات مع الحكومة يفرض فيها شروطه ويكسر بها هيبة الحكومة والقوانين النافذة. وهذه الاستراتيجية لدى الحوثي في التعاطي مع الحكومة لا تخضع لخيارات الاستسلام أو التسليم سواء بقوة الجيش والأمن أو بالتفاوض مباشرة وعبر الوسطاء.
وخلال الأسابيع الماضية شهدت جبال مران في محافظة صعدة مواجهات طاحنة بين الحكومة وأنصار الحوثي تحمل في طياتها معطيات تثير مخاوف اليمنيين عموماً من نتائجها بكل ما تحمله من دوافع وأهداف وربما غموض غير أن المتغيرات التي شهدها التاريخ اليمني المعاصر ولدت عند أبناء اليمن قناعة مطلقة بأن العودة مستحيلة الى عصور الفتن والصراعات الدينية والمذهبية ويعتقدون بأن على الحكومة أن تخمد الفتنة وتضطلع بمسؤولياتها الوطنية والقانونية والدستورية لإبعاد البلد وأبنائه عن مخاطر الفتن وحقن دمائهم ومواكبة العصر والتحديث واقامة التنمية الشاملة في ظل استقرار شامل بعيداً من الحسابات والسياسة والمناكفات الحزبية التي تقوم على مقومات خاطئة لا تجدي نفعاً وتصيب أضرارها بلداً كاليمن أحوج من أي وقت مضى الى الوئام والأمن والاستقرار والتنمية الشاملة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.