الأخت الفاضلة خالدة سعيدة، قرأت باستمتاع بحثك التربوي القيم، "منزلة العربية عند اهلها هي المشكل"، ولا اكاد اخالفك الرأي في ما ذهبت إليه من استنتاجات حول دور السنن التربوية في مآل ثمرات التعليم عندنا. لكنني اود ان اضيف عنصرين مهمين لعل ذلك يمكن من استكمال الصورة. العنصر الأول سلبي، ويشير الى ان المدرسة الغربية هي بدورها بنت السنن نفسها التي يمكن ان بقيت فيها مربعة، ولم تقتصر على السنتين اللتين اشرت إليهما في تحليلك، كما هو الشأن في مدرستنا التي سيطرت عليها الإيديولوجيا الغالبة على أصوليتينا: الدينية والعلمانية الأصوليتين اللتين كادتا تقصران دور المدرسة على دور الأداة في المعركة الإيديولوجية الدائرة بينهما. ولعل ضعف تأثير هاتين السنتين عندنا ما يعلل الفارق بين مخرجات النظامين العربي والغربي. اقصد بالسنتين الأخريين، السنة اليونانية التي تركز على دور الفكر الفلسفي ذي المنهجية المنطقية والنقدية في آن، والسنة النابوليونية التي اسست للمدارس المختصة والتي صارت بديلاً من التعليم العام في انتخاب المشرفين على المصالح الرئيسة للدولة الحديثة. سنتا انتاج مقومات الدولة الحديثة، مادياً وإدارياً، وإنتاج الإنسان بعامة هما ما ينقص المدرسة العربية الإسلامية. اما العنصر الثاني فهو منزلة اللغة العربية عند اهلها. هل رأيت بربك بلداً واحداً من بلدان الغرب يمكن رأس الدولة فيها ان يكون اجهل القوم بلسان القوم؟ طبعاً لم اضرب هذا المثال لأقول ان علم اللغة شرط في الأهلية السياسية، لكني اقول انه علامة دالة على منزلة اللسان القومي في الضمير الجمعي. منذ الجنرال ديغول كل رؤساء فرنسا كتّاب كبار، فضلاً عن استحياء اي رئيس او ملك او امير او شيخ من حكام الغرب، من ان يقض مضجع سيبويه قومه في مرقده الأخير. امة تعاصر غباراً في قلبها يحيي لغة صارت رميماً فتتلاعب بلسانها، هل يمكن مدرستها ان تنتج شيئاً؟ انظري الى من يسمون انفسهم مبدعين، كيف ذهب بهم الفكر الساذج الى ان من شروط واقعية القص ان يكون بالعامية، متناسين ان اكبر لغات الإبداع في العالم لا تخلو من ظاهرة الفارق بين العامي والفصيح، وأن مبدعيها بإبداعهم قللوا بالتدريج من الشقة بين الشكلين، فباتت الألمانية والفرنسية لغة الأدب في الحضارتين. وكلنا يعلم ان لكل من هاتين اللغتين من اللهجات ما لا يكاد يحصى. ذلك ما أردت ان انوه إليه راجياً المعذرة عن التعليق في مجال تربوي ليس هو مجال اختصاصي، والسلام. أبو يعرب المرزوقي كاتب تونسي، استاذ في الجامعة الإسلامية بماليزيا [email protected]