وسط "غابات" اللوحات الإعلانية التي تزين بيروت هذا الصيف، ثمة اضافة جديدة: انها لوحات اعلانية لعارضات ازياء، يعرضن ازياءً شرعية اسلامية. والأرجح ان العارضات لسن لبنانيات، فملامحهن قريبة الى حد كبير من ملامح العارضات الأوروبيات. انهن تركيات، كما يقول احد اصحاب محال بيع الملابس الشرعية في ضاحية بيروت الجنوبية. ظهرن في الصور وهن يضعن نظارات شمسية، فيما الحجاب غير محكم على رؤوسهن. اما الوان تلك الأثواب التي ارتدينها فأقل هدوءاً من تلك التي تعتمدها المحجبات عادة، كما انها اكثر رسماً للجسم وأشد انعطافاً. ويبدو ان المحجبات في لبنان كما سافراته، منقادات الى عالم الموضة، ومتماهيات مع تلك الموجات المتلاحقة من التغييرات التي يبتدعها مصممو الأزياء. انه لبنان الذي لن يتمكن زي ثابت ومنمط فيه من الصمود امام الأهواء والأعاصير التي تهبّ في رؤوس ساكنيه. فالعارضات الأجنبيات اللواتي وقفن في صور عملاقة انتشرت على الطرق، وكأنهن يقترحن على المحجبات اللبنانيات التقدم خطوة باتجاه الزي الغربي، لم يحدثن ثورة، بل تغييراً طفيفاً ولكن جوهرياً يمكن ان يمر من دون احتجاجات تذكر. الزي الاسلامي النسائي في لبنان لم يعد واحداً، كما يؤكد احد مصممي الأزياء الاسلامية. اذ ضرب وحدته تكاثر الأمزجة واحتكاكها بالأزياء الغربية، ويقول: "المحجبة تطالب بالجديد ايضاً ونحاول ان نبتكر لها اضافة من هنا واضافة من هناك". ولعل مقارنة صغيرة بين زيين شرعيين، واحد صمم قبل عشر سنين وآخر اليوم، تظهر حجم تغير هائلٍ في ازياء المحجبات. اذ صار الثوب ضيقاً اكثر وتخللت بعض الموديلات عمليات "التخصير"، فيما اعتمد مصممون جريئون قمصاناً فضفاضة، تحتها سراويل ضيقة. المسألة كما يقول صاحب مصنع للألبسة الشرعية على مقدار من الصعوبة، ويضيف: "ليس لدينا ارشيف ولا مجلات، ولا مصممون عالميون. نسرق فكرة ياقة من هنا وجيب من هناك. نحن ملزمون بذلك، والسوق تطلب منا ان نواكب الموضة". الألوان الثابتة لم تعد مطلوبة، ولا بأس في اضافة قبعة فوق الحجاب تكون امتداداً للثوب. العارضات المعلقة صورهن في المتاجر، لسن محجبات في الأصل. انهن عارضات "عصريات" كما يقول صاحب المتجر. وفي المتجر صار في إمكانك ملاحظة وجود اجيال من المحجبات، فالأم التي تصطحب فتياتها لشراء الثياب، يعكس خلافها معهن على التصاميم الجريئة، نوعاً من التفاوت في الاختيارات، في حين تقف فتاة اخرى غير محجبة في زاوية من المتجر تراقب الأم والفتيات وتُدهش بوجود اعتبارات جمالية وجسمانية دقيقة وراء اختيار الشابات لأثوابهن الشرعية. ولكن ما اشار اليه مصمم الأزياء حول اختلاف الأمزجة الذي ادى الى ضرب وحدة الزي النسائي الاسلامي، غير ناجم فقط عن اختلاف الأذواق الخاصة والفردية، بل ايضاً عن اختلاف نوع الالتزام الديني. ويقول احد اصحاب المحال التجارية ان المحجبات المنتميات الى "حزب الله" اقل جرأة من المحجبات في حركة "امل" في الاقبال على التصميمات الحديثة للزي. وهناك فروق "مناطقية"، اذ يقول التاجر ان محجبات مدينة صور الجنوبية اكثر جرأة من غيرهن من المحجبات اللبنانيات. ويشير الى تجاذب واضح بين الأمزجة الفردية التي راحت تتكاثر في اوساط المحجبات وقوى تقاوم هذه الميول، لافتاً الى ان خطباء من "حزب الله" كانوا هاجموا مصممي الأزياء النسائية الاسلامية بدعوى انهم يبالغون في الابتعاد عن التصميم الأول لهذه الازياء. ويضيف: "نحن مضطرون للاستماع الى توجيهات الحزب، فهو جزء اساس من سوقنا، لكنّ ضغط الطلب على التغيير والتحديث في اوساط المحجبات اقوى من توجيهات الحزب، فكان الحل ان ننتج لمحجبات الحزب اثواباً اكثر التزاماً، وان نلبي ايضاً أذواق المحجبات الأخريات".