دينا فتاة مصرية في الثامنة عشرة من عمرها تنتمي الى أسرة ثرية جداً و"منفتحة جداً جداً"، ومنذ خطت خطواتها الاولى في عالم المراهقة، احتفظت بحقها في الحصول على تمويل سنوي من والدها للقيام برحلتين الى باريس ولندن لشراء ملابس الصيف والشتاء. ولما كانت دينا تحفظ عن ظهر قلب مواقع محلات كبار المصممين وتحمل بطاقة ائتمان، فهي لا تعود الى القاهرة إلا محملة بقدر هائل من احدث الصرعات الاوروبية. تقول دينا بفخر بالغ: "أنا أول من ارتدى الجينز المقطوع في مصر، وأول من غامر بالنزول الى الشارع ببدلة كاملة من ملابس الصاعقة Combat وليست مبالغة لو قلت إن بنات النادي ينظرن اليّ باعتباري احد أهم مؤشرات موضة الموسم الجديد". والحقيقة أن دينا تتمتع بقوام رياضي ممشوق ما يجعلها تبدو بمظهر لائق على رغم غرابة ازيائها، اضف الى ذلك أن البيئة التي تتحرك فيها معتادة الغرابة الى حد كبير. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في شيماء التي توازي دينا عمراً الا انها تنتمي الى فئة اجتماعية واقتصادية مختلفة. تسكن في حي شبرا الشعبي، ويعمل والدها موظفاً حكومياً في النهار وسائق سيارة اجرة في الليل، لكنها تهوى الموضة وشراء الملابس والاكسسوارات، وهي هواية يصعب على والدها تأمينها نظراً لكلفتها الغالية، وهو ما يضطرها الى توريطه في اقساط لشراء الملابس. المشكلة الاكبر تكمن في حجم شيماء، فهي من أصحاب الاوزان الثقيلة، او بمعنى أدق فإن توزيع كتل الدهون في جسمها لا يتناسب والموضة السائدة هذه الايام من بنطلونات الخصر المنخفض تايباس وال "تي شيرت" القصيرة وهي الملابس المفضلة لديها. تحكي والدة شيماء بتأثر شديد قصة ابنتها مع "التايباس" أو "الطيب بس" كما تطلق عليه فتقول: "فوجئت بها ذات مرة وهي عائدة من رحلة تسوق تدعوني لأتفرج على ما اشترته، ففوجئت بأربعة بنطلونات بدت لي من الوهلة الاولى ان فيها عيباً في المقاييس، وحين نبهتها الى ذلك هاجت وماجت، واتهمتني بالرجعية، وقالت لي انها احدث موضة. ثم فوجئت ببطنها الممتلئة وقد برزت من البنطلون!". وتكمل شيماء سرد القصة من وجهة نظرها: "أعلم أن جسمي ممتلئ بعض الشيء، لكن هل هناك قانون يمنع اصحاب الاجسام غير الرفيعة من اتباع الموضة؟". وتتدخل والدة شيماء مرة اخرى لتستكمل شكواها المريرة "الادهى من ذلك أنها بدأت تنزل الى الشارع بهذا الشكل المزري والقليل الادب، وكاد ابوها يضربها امام الجيران حين فوجئ بمنظرها لولا تدخلي". وتقاطع شيماء والدتها وتقول بامتعاض انها اجبرت منذ ذلك اليوم الاسود على ارتداء تي شيرت طويلة. وتهمس ل"الحياة": "فيك تكتمي السر؟ لما ابتعد عن الشارع أثني ال"تي شيرت" القبيحة التي تفسد موديل البنطلون". وبغض النظر عما إذا كان مبدأ تنميط العالم والعمل على صهره في بوتقة واحدة ظاهرة صحية أو سلبية، فهذا هو ما يحدث تحديداً. واتباع احدث الصرعات والموضات في الملابس والاكسسوارات وقصات الشعر، سمة غالباً ما ترتبط بالمراهقين والشباب، وهي رغبة منهم في التأكيد على أنهم جزء فاعل في عالمهم. كان سالفا إلفيس بريسلي وشعره المنفوش وبنطلونه الضيق جداً من اعلى والواسع جداً من اسفل، الصرعات الاكثر اتباعاً من ستينات القرن الفائت، كما كانت قصات شعر اعضاء فريق "البيتلز" ذات الخصلات الامامية، والبنطلون القصير الضيق قمة الموضة في سبعينات القرن المنصرم. ولم يختلف الامر كثيراً مع بريتني سبيرز ومادونا في تسعينات ذلك القرن وفي اوائل الالفية الثالثة، فالاقراط التي تتدلى من بعض اجزاء الجسم كانت تعد الى عهد قريب "عورات" ثم اعتمدها الشباب والشابات باعتبارها روشنة أو Cool، كذلك فعلوا مع ظهور بوادر حلق شعر احد الحاجبين. والشباب في مصر شأنهم شأن بقية شباب العالم يحبون "الروشنة" ويعشقون المظهر الذي يبرهن أن صاحبه شاب عصري، الا ان هناك اختلافات جذرية، بعضها اقتصادي، وبعضها اجتماعي، يرتدي عباءة الدين والبعض الآخر اجتماعي يرتدي عباءة العادات والتقاليد تجعل الركض وراء التقاليع والصراعات في مصر مختلف عن الغرب شكلاً وموضوعاً. لذا فإن ضحايا الموضة من الشباب والشابات المصريين مختلفون ايضاً شكلاً وموضوعاً عن زملائهم من الضحايا في الغرب، فعلى رغم ان مظهرهم يبدو منتقداً جداً في المجتمع المصري، لا سيما لو تجرأوا وانخرطوا في الاوساط الشعبية العادية، إلا أنهم مقارنة بمعتنقي الصرعات في الغرب يعتبرون "هواة" وليس "محترفين". سالم شاب في السابعة عشرة من عمره والدته فرنسية، ووالده مصري يمضي عطلة الصيف مع اهل والدته في فرنسا والعام الدراسي في مصر. حين اتم عامه الخامس عشر فوجئ والده وهو يستقبله في المطار بشيء كبير فوق رأسه، وحين اقترب الاب فوجئ بشعر ابنه المجعد، وقد كبر ونما وتشعث واصبح محطاً لانظار الجميع. وحين سأله الاب عن الفكرة من وراء هذا المشهد الذي وصفه ب"الهزلي" رد الابن بأنها "حرية شخصية". وهنا مربط الفرس، فنصيب الفرد في مصر من الحرية الشخصية محدود للغاية، لا سيما للشباب. والاهل والاقارب والاصدقاء والجيران واحياناً الدولة يتحولون بطريقة ما الى شركاء في قرار كل مصري في اختيار ملابسه.