الملابس التي تنتقيها من "دولابك" خزانتك صباح كل يوم هي بمثابة رسالة تحملها معك للإفصاح عن شيء ما. قد تكون اعلاناً عن مبادئ او افكار تؤمن بها. وقد تكون انعكاساً لجوانب في شخصيتك. ويحتمل ان تكون الطريقة الوحيدة التي تمكنك من اخفاء تلك الجوانب او الأفكار، او على الاقل الهرب منها امام الجميع. فقد تكون هذه التنورة البالغة القصر وسيلة تلك الفتاة للهرب من خجلها الشديد. وهذا الشاب الثري ذو البنطال المهلهل وال"تي شيرت" البالية يعبر بهما عن عدم شعوره بالانتماء الى المجتمع الذي يعيش فيه ورفضه القيم السائدة. وهذه السيدة الشابة التي تمعن في إخفاء ملامح جسدها ووجهها تؤمن بأن المرأة عورة ولو كان الامر في يدها لما برحت بيتها. وفي المجتمع المصري، خصوصاً في أوساطه الشبابية، هناك كل ما يمكن أن يتخيله الانسان من طريقة ارتداء للملابس. هناك القميص والبنطال التقليديان. وهناك البنطال الجينز البالغ الاتساع والطول إلى درجة تهدده بالسقوط عن خصر مرتديه. وهناك الجلباب الابيض القصير مع سروال من اللون نفسه. وهناك التنانير الميني والميكروجيب. وهناك البلوزات النسائية التي تكشف منطقة البطن مع اقل حركة - واحياناً من دون حركة -. وهناك الخمار والنقاب. ببساطة، الشارع المصري الشاب عرض مستمر للأزياء البالغة الحشمة، والمفرطة في التعري، والأنيقة، وتلك التي تفتقر الى الذوق، والغالية والرخيصة، والمقبولة وغير المقبولة. "الحياة" التقت عدداً من الشبان والشابات الذين يبدو من مظهرهم تكبدهم عناء فكرياً ومادياً وزمنياً في انتقاء ملابسهم. غادة محمد عبد الظاهر 19 عاماً تدرس السياحة والفنادق في احد المعاهد الخاصة، وعلى رغم ان والدها موظف حكومي ذو دخل مادي محدود، تؤكد ان حسن المظهر ليس حكراً على ابناء الطبقات الثرية. تقول عبد الظاهر - وهي تشير بأصابعها ذات الاظافر المطلية بلون بنفسجي فاقع مطابق للون "البلوزة" وأحمر الشفاه، او بالأحرى بنفسج الشفاه - ان "المظهر يحدد الطريقة التي يعاملك الآخرون بها، فإذا كنت معتنياً بملابسك، خصوصاً الفتيات، فمن المؤكد انك ستنال مقداراً اكبر من الاهتمام والاحترام". وتستطرد عبد الظاهر شارحة نظريتها عن "الاحترام المبني على المظهر"، فتقول: "انا مثلاً اخترت ان ادرس السياحة لأسباب عدة. فالعمل في هذا المجال يتطلب مظهراً وأسلوباً أنيقاً في المعاملة، ومن جهة اخرى فالمردود المادي المتوقع منه يسمح بشراء الملابس الأنيقة والتردد الى محلات تصفيف الشعر الراقية". وهي تشرح طريقة حصولها على الملابس التي تفوق مصروفها الشهري بأضعاف، بقولها: "الحمد لله اننا في مصر فطنا اخيراً الى اهمية نظام التقسيط في مختلف المجالات، فأنا اشتري ملابسي وقطع الاكسسوار وادوات التجميل، بنظام التقسيط المريح جداً. صحيح ان المبلغ المدفوع في النهاية يفوق قيمة السلعة في حال تسديد ثمنها "كاش" - اي دفعة واحدة - لكن الغاية تبرر الوسيلة، حتى مصفف الشعر ادفع له على دفعات، وهو لا يتبرم من ذلك، لانه على ثقة بأنني زبونة دائمة". هبة حسين عبد الظاهر 21 عاماً ابنة عم غادة، لكنهما على طرفي نقيض، فهي تفضل اللون الأسود، وإن كانت تعلل ذلك بأنه واجب عليها. فهي مفرطة في الحرص على عدم إظهار قيد أنملة من جسمها. تقول: "احترام الآخرين لي يبدأ من احترامي لنفسي، واحترام المرأة لنفسها يبدأ من احترامها جسدها الذي يجب اخفاؤه تماماً". وتترجم اقتناعها بهذا التعريف للاحترام بارتدائها ملابس سوداً فضفاضة تبدأ من زعلى رأسها وتنتهي بلمس الارض. وعلى رغم ذلك، فإن الفستان الذي ترتديه، تحت لباسها، لا يقل اناقة عن ذلك الذي ترتديه ابنة عمها. وتقول: "احب انتقاء الألوان والملابس الأنيقة، وأحب الاعتناء ببشرتي واظافري وشعري لسببين: أولاً إرضاءً لزوجي، وثانياً: لأني أحب الجمال والاناقة". وتوضح انها تشتري ملابسها من "البوتيكات" الأنيقة في ضاحيتي المهندسين ومصر الجديدة، خصوصاً ان زوجها لا يبخل عليها بالمال. اما ملابس "النقاب" فتشتريها من محلات بيع ملابس المحجبات التي انتشرت انتشار النار في الهشيم في كل محافظات مصر في السنوات العشر الاخيرة. هذه السنوات شهدت كذلك انتشار محلات ومراكز لبيع ملابس احدث الصرعات او طلبها بالبريد من الخارج من طريق "الكتالوغات" المخصصة لذلك. هذه المحلات وجدت لنفسها سوقاً رائجة بين شريحة متنامية من الشبان والشابات في مصر من الحرصاء على مواكبة "الموضة" الشبابية الغربية. احد أولئك هو كريم السبكي 20 عاماً الطالب في كلية التجارة، وهو يبدو للوهلة الاولى كأنه المطرب العراقي كاظم الساهر، فوجهه الطويل النحيف تعلوه شعرات منمقة على هيئة "قصة" متجهة الى الأمام، مع سالفين كأنهما مرسومان بأدوات هندسية. اما ملابسه فإن صانعيها لم يألوا جهداً في تسليط الضوء على اسمائهم ذات الصيت العالمي، وعلى رغم أنها تنتمي الى فئة "الكاجوال" الا انها غالية جداً. يقول السبكي بتفاخر: "والدي دفع في هذا ال"تي شيرت" ما يوازي 700 جنيه مصري اثناء زيارته الاخيرة لباريس، اما السروال فثمنه الضعفان تقريباً لأن ماركته، كما تلاحظين، أصلية". وعن سبب دفع تلك المبالغ الطائلة، يقول: "للأناقة ثمن، وتصنيف فئات المجتمع في مصر تعتمد اساساً على المظهر، وأنا انتمي، والحمد لله، إلى أسرة ثرية لا تبخل علي بشيء، بل ان والديَّ يشجعانني على الاهتمام بمظهري، خصوصاً انني سأسهم في ادارة اعمال والدي عقب تخرجي". عماد قاسم 28 عاماً تخرج في كلية الفنون التطبيقية ويمكن الاستنتاج من خلال مظهره العام أنه يمت إلى عالم الفن والابداع في شكل ما. يفضل الملابس "الكاجوال الانيقة". ويقول: "لا يشترط ان تكون غالية الثمن، لكنها يجب ان تكون أنيقة تبعاً لمفهومي الخاص. اما البدل، فلا اشتريها الا من محلات معينة وتكون عادة باهظة الثمن". ويشرح قاسم وجهة نظره في انتقائه ملابسه، فيقول: "أنا شخص منطلق، اعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي وشخصيتي لا تتناسب والخط الكلاسيكي". ويضيف انه لم يعمل في مجال تخصصه، وهو المنسوجات، لأنه يتطلب قيوداً لا طاقة لي عليها، بسبب وجود رئيس عمل واضطراري الى ارتداء ملابس معينة لا أحبها". وعلى رغم ذلك، فقاسم يؤكد اهمية مراعاة المجتمع المحيط في اختيار الملابس. ولعل ابرز ما يميزه في مظهره قصة شعره، وهو يسرد المراحل التي اجتازها في هذا الشأن، فيقول: "كانت قصة شعري اسبانية Spanish ثم اصبح لي ذيل حصان Pony tail والآن قصة شعر رونالدو لاعب كرة القدم البرازيلي". يقول: "وقت كان لي ذيل حصان كنت اتعرض لبعض المشكلات، فكثيراً ما كنت اواجه نظرات الاستغراب والاستهجان، صحيح انني نادراً ما كنت اسمع تعليقات سخيفة، لكن غالبية المحيطين وقتها قبل نحو ثماني سنوات كانوا يظهرون تعجبهم، ولكن الآن اصبح المجتمع اكثر انفتاحاً وتقبلاً للموضة والصرعات.