تنطلق في الأيام المقبلة حملة يقودها مئات المحامين العرب والأجانب للحصول على حق التوكل عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وفق الأصول القانونية المتبعة في العراق. وفيما بوشر في توجيه التهم إلى الدفعة الأولى من المتهمين من لائحة ال55 المشهورة، وهم صدام حسين و11 من أركان نظامه السابق، لتأكيد أن انتقال السيادة إلى الحكومة العراقية الانتقالية يترافق مع تسليمها كبار المعتقلين من العهد البعثي المنصرم، تجهد محكمة الجنايات الخاصة التي شكلها مجلس الحكم المنحل قبل نحو سبعة شهور للنظر في ملفات مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية لاكمال طاقمها القضائي والاداري، بعدما أنجز القانون الذي يحكم عملها واستكملت الدورات المتخصصة في القوانين الجنائية الدولية التي خضع لها الحقوقيون المرشحون للعمل فيها. يشعر المسؤولون العراقيون في محكمة الجنايات الخاصة بقدر عالٍ من الاحباط بسبب اللغط الدائر حول المحاكمات المتوقعة والتفاصيل الاجرائية التي ترافقها، في ظل اكتفاء المحللين والاعلاميين بتقديم آراء سياسية تخص مدلول المحاكمة أكثر من استنادهم إلى فهم دقيق لقانون تشكيل المحكمة واجراءاتها وضوابطها. ويقول أحد المسؤولين الذين تابعوا تشكيلها منذ البداية: "نطالع في كثير من الفضائيات ووسائل الاعلام، على سبيل المثال، من يصف سالم الجلبي بالقاضي ورئيس محكمة الجنايات الخاصة، في حين أنه المدير العام للدائرة الادارية فيها، ويسمى المدير العام الاداري. وهو ليس قاضياً بل المسؤول عن خدمات المحكمة وترتيباتها الادارية". وتتكون محكمة الجنايات الخاصة التي ستتولى محاكمة صدام حسين وأركان نظام الحكم السابق من "ثلاث محاكم جنايات - تنفيذية - ابتداء تتألف هيئة كل محكمة منها من خمسة أعضاء عراقيين هم الرئيس وأربعة أعضاء. وهم إما قضاة أو محامون يعينون بصفة قضاة أو قضاة متقاعدون يعاودون الخدمة بناء على طلبهم". كما تتألف محكمة الجنايات الخاصة من "الهيئة التمييزية التي تتألف من تسعة قضاة في الخدمة ليس بينهم أي محام. وهم قضاة من الصنف الأول يتولون النظر في القرارات التي تصدرها محكمة الجنايات للتحقق مما إذا كانت القرارات مطابقة للقانون أم أن فيها خطأ قانونياً. وفي حال كان فيها خطأ ما يلغى القرار ويعاد إلى المحكمة التنفيذية لاعادة النظر به". وفي قانون السلطة القضائية في العراق، فإن تعيين القاضي يكون ابتداء في الصنف الرابع. وبعد مضي خمس سنوات يقدم بحثاً إلى "مجلس القضاء العراقي" الذي عليه أن يقتنع بالطابع الأكاديمي الحقوقي لاجازته. وفي هذه الحال يرقّى القاضي إلى الصنف الثالث. وهكذا بعد خمس سنوات أخرى يقدم بحثاً أعلى، فإذا أُجيز يرفع إلى الصنف الثاني. وكذلك الحال بعد خمس سنوات يقدم بحثاً ثالثاً يسمح بترفيع القاضي إلى الصنف الأول بعد إجازة بحثه. ويعني ذلك أن أعضاء الهيئة التمييزية هم قضاة عراقيون محترفون زاولوا العمل القضائي في منصبهم منذ 15 سنة على الأقل. كما تضم المحكمة 20 قاضي تحقيق و20 مدعياً عاماً، مع هيئة احتياط مؤلفة من عشرة قضاة تحقيق وعشرة مدّعين عامين. وقضاة التحقيق يمكن أن يكونوا قضاة في الخدمة أو محامين مضت عليهم فترة طويلة في المحاماة ويعينون كقضاة أيضاً. ومن المنتظر أن يرتفع عدد المحاكم التنفيذية إلى عشر محاكم، "بحسب نوع العمل وكثافته" على أن تترافق هذه الزيادة في عدد المحاكم مع زيادة مرادفة في عدد قضاة التحقيق والمدّعين العامين للتعامل مع الزيادة في عدد الدعاوى التي يتعين النظر فيها. إلا أن العدد الذي عيّن في شكل رسمي حتى الآن هو أربعة قضاة تحقيق وثلاثة مدعين عامين. إعداد القضاة والمدًّعين يقول أحد المشاركين في هيئة المحكمة ل"الحياة": "خضعنا على مدى الشهور الستة الماضية لدورات مكثفة كان هدفها تطوير خبراتنا. وكانت مدة كل دورة 20 يوماً، وهي كانت تجرى في قصر المؤتمرات في المنطقة الخضراء في بغداد. وكان المحاضرون فيها من كبار فقهاء القانون في الولاياتالمتحدة، واتاحت لنا الدورات الاطلاع على القوانين الدولية وكيفية محاكمة مجرمي الحرب، كما حدث في رواندا والبوسنة والهرسك. كذلك اطلعنا على كيفية محاكمة مرتكبي الجرائم ضد الانسانية والجرائم ضد البيئة، لأن القضاء العراقي لا يمتلك خبرة سابقة في معالجة هذه الجرائم أو الجرائم الجماعية". ويضيف: "كان التأكيد المستمر علينا على ضرورة أن تكون المحاكمة عادلة وأن تكون نموذجية لأن العالم سيتابع كل تفاصيلها وهي لن تحتمل أي خطأ قانوني. وأذكر أن أحد المحاضرين الأميركيين خاطبنا في إحدى الدورات قائلاً: غداً يمكن أن تصبحوا قضاة تحاكمون صدام وأركان نظامه. وما أطلبه منكم هو أن تعودوا لسلفكم منذ هذه اللحظة على أن صدام أو أياً من مساعديه المعتقلين ليس مجرماً أو قاتلاً أو أنه آذى الناس. بل انظروا اليه على أساس أنه متهم يحال إلى القضاء بعيداً من أي مؤثر آخر". وتتولى "الهيئة التمييزية" في المحكمة التمييز في الدعاوى. وفي القانون العراقي يصدر أولاً قرار محكمة الجنايات ثم يليه القرار التمييزي، لكن ليس هناك قرار استئنافي. ولا يطبق القرار الاستئنافي إلا في الدعاوى الحقوقية من بيع وشراء وتنازع على أصول الملكية. وكان لغط ساد في الأسابيع الأخيرة حول النصوص القانونية المستخدمة في المحكمة. وذكر محللون أن القانون البريطاني هو المستخدم، في حين قال آخرون إن القانون الأميركي هو المتبع، علماً أن أياً من المحللين لم يطلع على القانون أو القوانين التي ستحكم في القضية. وقال مصدر مطلع في المحكمة إن القوانين التي ستطبق في المحكمة هي الآتية: 1- قانون العقوبات البغدادي الصادر سنة 1917 عند دخول القوات البريطانية إلى العراق عامذاك. وسمي بالبغدادي لأنه عند تطبيقه اقتصر تطبيقه على بغداد فقط ولم يشمل المناطق الأخرى إلا لاحقاً. وبقي هذا القانون نافذاً حتى كانون الأول ديسمبر 1969، أي طوال المدة التي تبعت استلام حكومة البعث السلطة في 14 تموز يوليو 1968 والبالغة زهاء 17 شهراً. ويطبق هذا القانون على الجرائم والجنايات التي تنظر فيها المحكمة والتي حدثت خلال المدة من تموز 1968 وحتى كانون الاول 1969. 2- قانون العقوبات العراقي، أو القانون الرقم 117 الذي حل محل القانون السابق بعد الغائه. ولا يزال هذا القانون نافذاً حتى الساعة. وكان اشتراعه مبعثه تغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعادات السائدة في العراق. وصدر هذا القرار ووقعه الرئيس آنذاك أحمد حسن البكر ومعه نائبه صدام حسين، ونشر في جريدة "الوقائع العراقية" الرسمية التي تنشر فيها القوانين المشتركة. وسيطبق هذا القانون على كل الجنايات والجرائم التي تنظر فيها "محكمة الجنايات المختصة" من كانون الأول 1969 وحتى الساعة. 3- القانون الرقم 7 لسنة 1958 الذي يدعى "قانون محاكمة المتآمرين ومفسدي النظام" والذي بموجبه شكلت المحكمة العسكرية العليا الخاصة التي حاكمت رجال العهد الملكي بعد ثورة 14 تموز 1958. وهذا القانون لا يزال نافذاًً أيضاً ولم يُلغَ. وفيه مواد عدة عن الافساد السياسي، وعن التآمر على البلدان العربية، لا سيما المادة الثانية التي حوكم رئيس الوزراء السابق في العهد الملكي محمد فاضل الجمالي وبقية رؤساء وزراء العهد الملكي كلهم بموجبها، ليصدر عليهم حكم بالاعدام، لم يُنفذ بعدما أصدر عبد الكريم قاسم عفواً رئاسياً وأخرجهم من السجن عام 1961. 4- للمحكمة الحق في الاستدلال بقرارات المحاكم الدولية. وهو ما يشكل ضماناً اضافياً للمتهمين. والمحاكم المعينة هي محكمة العدل الدولية في لاهاي، والمحكمة الجنائية الدولية التي حاكمت الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسفيتش، ومحكمة جرائم رواندا الدولية، ومحكمة حقوق الانسان الأوروبية. علانية الجلسات وأوجب قانون المحكمة، الصادر عن مجلس الحكم المنحل في كانون الأول الماضي، على المحكمة نفسها أن تكون جلساتها علنية وتحضرها الفضائيات ووسائل الاعلام كلها التي يتعين دعوتها اليها. كذلك أوجب قانون تشكيل المحكمة في ما لو كان المتهم، أي متهم، لم يوكل محامياً أن تعمل المحكمة على توكيل محامٍ له. كما أن لأي متهم مطلق الحرية في الاجتماع مع المحامين الذين يوكلهم في صورة منفردة مطلقة. إضافة إلى ذلك للمتهم الحق في أن يوكل محامين من أي بقعة من بقاع العالم شرط أن يكون مع المحامي المعين محامٍ عراقي. والسبب في ذلك قانون المحاماة العراقي الصادر عام 1965، والمادة الثالثة منه، التي تنص على أنه في حال وجود محام غير عراقي لا يجوز له التوكل إلا بموافقة النقابة ومعه محام عراقي، وذلك على أساس تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل. إذ لا يسمح، على سبيل المثال، قانون المحاماة في الأردن أو مصر أو لبنان أو تونس أو غيرها من الدول العربية، ما عدا قانون المحاماة السوري الذي يجيز التوكل من دون أن يكون معه محامٍ سوري. وقال المصدر: "لهذا السبب يمكن لمحامٍ سوري أن يتوكل في العراق للدفاع عن أي متهم، من دون أن يكون معه في الوكالة محام عراقي أو إذنٍ من النقابة، على أساس تطبيق المعاملة بالمثل. وكذلك الحال بالنسبة إلى الفلسطينيين لأنهم موجودون في العراق، وليس لهم دولة تستطيع أن تعامل بالمثل لذلك يسمح لهم بالتوكل في أي دعوى. والكثير من المحامين الفلسطينيين يعمل في العراق وهم مسجلون في نقابة المحامين العراقيين وأعدادهم كبيرة". محامو عائلة صدام وأضاف معلقاً على تأكيد بعض المحامين الأردنيين امتلاكه وكالة من عائلة صدام وأن له الحق بأن يترافع عن صدام قائلاً: "الوكالة الجزائية يجب أن توقع، كما يشترط القانون، من قبل المتهم نفسه، ولا يحق لزوجته أو ابنته أو ابنه أو أبيه أن يدفع عنه لأنها وكالة شخصية، وبالتالي لا يمكن أن يدعي أي محامٍ أنه وكيل عن صدام حتى يوقع وكالته الشخصية". وتابع: "قد يكون من حق أي محام أن يقول إن في نيته التوكل عن صدام حسين، لكن الأصول المرعية تقول إن عليه أن يتقدم أولاً بطلب إلى نقابة المحامين العراقية، فإذا أعطت له الإذن بالتوكل، وبشرط أن يدرج معه، منذ بداية تقديم طلب الحصول على توكيل، اسم محام عراقي وفق قاعدة المعاملة بالمثل. فإذا استحصل على هذه الموافقة حينها يسمح له بالاجتماع بالمتهم ليستحصل منه موافقة على الوكالة. ثم يصدق قاضي التحقيق على تلك الوكالة. وفي هذه الوكالة فقط تصبح وكالة المحامي قانونية مستوفية للشروط، وفي امكان المحامي أن يخرج إلى أي وسيلة إعلام ليقول أنا وكيل عن فلان". اجراءات المحكمة وحقوق المتهم يعتبر القائمون على المحكمة أن الاجراءات القانونية تحمل قدراً كبيراً من الحماية للمتهمين في كل مراحل المحاكمة إذ تنص المادة 19 من قانون تشكيل المحكمة في باب حقوق المتهم على ما يأتي: - ينبغي ابلاغه فوراً وفي شكل تفصيلي بطبيعة التهمة الموجهة اليه وسببها ومضمونها. - يكون للمتهم الوقت والتسهيلات الكافية لاعداد دفاعه والالتقاء بمحاميه وفي شكل سري. ويمكن للمتهم أن يوكل محامياً غير عراقي طالما كان المحامي الرئيس للمتهم عراقياً. - يحاكم حضورياً ويدافع عن نفسه شخصياً أو من خلال محاميه. ويتم اعلامه، فإذا لم يكن له محام توكل المحكمة له محامياً، من دون مقابل منه. وفي البند الرابع من المادة نفسها تنص الفقرة ز: "لا يجوز اجبار المتهم على الشهادة ضد نفسه أو الإقرار بذنبه وله الحق بالسكوت من دون اعتبار هذا السكوت دليلاً على الإدانة أو البراءة". ووفق المادة 19 أُبلغ صدام حسين وأركان نظامه ال11 بأنهم انتقلوا إلى السلطة القانونية العراقية يوم الاربعاء، ليجرى في اليوم التالي إبلاغهم بطبيعة التهم واسباب الاعتقال وفق مواد القانون العراقي. وتشمل المرحلة المقبلة اجراء عمليات التحقيق، وهذا مرتبط بتسريع تعيين قضاة التحقيق. وتتمثل خطوات التحقيق في استلام الشكاوى وأخذ افادات اصحاب الدعاوى ضد كل متهم. وتدوّن أقوالهم أولاً. وفي حال كان هناك شهود تدوّن أقوالهم كشهود اثبات لما عاينوه بأنفسهم. وكذلك تفحص الوثائق الموجودة التي تحمل تواقيع المتهم وأوامره. وعندما يكتمل جمع المعلومات والافادات والوثائق يقرر قاضي التحقيق إحالة الملف إلى محكمة الجنايات التي تحدد موعداً لاجراء المحاكمة. وعندما ترى المحكمة أن الاوراق والمستندات كاملة تحدد موعداً، وإلا فإنها في حال وجدت نقصاً ما تعيد الملف إلى قاضي التحقيق وتطلب منه سد النقص في نقاط القصور من أجل إكمالها. وأكد المصدر أن "من حق المحامين أن يطلعوا على كل الوثائق ولو كان للمتهم 200 محام فلهم الحق في أن يقفوا على كل كبيرة أو صغيرة، من بداية التحقيق وحتى احالته إلى المحكمة". وتتوقع المصادر المطلعة أن تبدأ خلال الصيف محاكمة علي حسن المجيد ابن عم صدام، الملقب ب"علي الكيماوي"، الذي بدأ حياته برتبة عريف بعدما امتهن النجارة. ثم منح رتبة فريق أول ركن وعين وزيراً للدفاع ووزيراً للداخلية ووزيراً للحكم الذاتي، وكان عضواً في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث، وهو الذي امر بقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية، كما تولى قيادة حملة "الانفال" عام 1983 التي قتل 180 ألف كردي فيها، والتي كان يجرى خلالها رمي السكان من طائرات الهليكوبتر فوق بيوتهم، علاوة على قتله الكثير من أبناء جنوبالعراق، والجرائم التي ارتكبها ابان احتلال الكويت. وذكرت المصادر أن خطة المحكمة تقوم على الاستعانة بمحاكمة أنصار صدام حسين وأركانه أولاً لتكون محاكمتهم والمعلومات التي تبرز فيها شهادة ضد صدام، وليصار بعدها إلى تقديم الأخير للمحاكمة بعد تعرية نظامه وكشف الجرائم التي كان على اطلاع عليها. وأكدت أن عقوبة الإعدام في حال إنزالها ستنفذ شنقاً حتى الموت وفقاً لقانون العقوبات العراقي، ولن تنفذ رمياً بالرصاص كما اقترح بعض المحللين.