أطلّ صدام حسين مجدداً على شعبه امس، ولكن من وراء قفص الاتهام، في جلسة استماع عقدتها المحكمة الجنائية الخاصة العراقية قرب احد قصوره، لتمهد من خلالها لما يُعتبر محاكمة طويلة لنظام "البعث". وفوجئ العراقيون كغيرهم، عرباً واجانب، بأن الرئيس المخلوع الذي أصر على ترداد عبارة "انا رئيس جمهورية العراق" استغل الجلسة ليحوّلها منبراً لخطاب سياسي في اتجاهين: احدهما ضد الرئيس الاميركي جورج بوش الذي وصفه بأنه "سافل ومجرم"، والثاني باتجاه الكويت التي نجح صدام في "استدراجها" الى الرد على ما اعتبرته "بذاءة" و"افتراءات" حين وصف مواطنيها بأنهم "كلاب". واثارت اطلالة صدام من قفص الاتهام، في الجلسة التي تابعها العراقيون عبر شاشات التلفزيون ردود فعل متباينة، ففي حين خيّم الوجوم على تكريت مسقط رأس الرئيس السابق، سادت مشاعر ارتياح في مناطق اخرى عراقية، عانت الكثير خلال عهد صدام. راجع ص3 و4 وفيما اعرب البيت الابيض عن سعادة بوش بمثول صدام امام المحكمة، اعتبرت القاهرة المحاكمة مسألة "ثانوية". الرئيس السابق الذي وصف الجلسة بأنها "مسرحية"، رافضاً توقيع الوثائق القانونية، طلب حضور محاميه، وعلّق على اتهامه بغزو الكويت قائلاً: "الكويت عراقية ولم أغزها. دخلت الى الكويت لأن الكويتيين كانوا يشترون النساء العراقيات بعشرة دنانير". وشدد على ان تمسكه بتعريف نفسه كرئيس هو "احترام لإرادة الشعب العراقي". وسئل هل لديه اقوال بعد توجيه الاتهامات اليه خلال الجلسة التي استغرقت نصف ساعة فأجاب: "بوش سافل، هذه كلها مسرحية هدفها انتخابات بوش". وذكر ان المحتلين لا يمكنهم تجريده من منصبه كرئيس. وعندما سمع اتهامه بأنه أمر بقتل الآلاف من الأكراد في هجوم بالغازات السامة على بلدة حلبجة عام 1988، اكتفى صدام بالقول: "نعم، سمعت عن ذلك". وتولى جنديان عراقيان حراسة الرئيس المخلوع الى داخل قاعة المحكمة، وفككت السلاسل الحديد عنه قبل وصوله الى القاعة، بينما فككت قيود يديه داخل القاعة. واقيمت قاعدة المحكمة الخاصة قرب قصر وسط بحيرة اصطناعية، على المشارف الجنوبية الغربية للعاصمة، حيث اعتاد افراد الدائرة المقربة من صدام الصيد والقنص. وأبلغ القاضي صدام خلال الجلسة ان المحكمة ستؤمن مستشاراً قانونياً له اذا احتاج، فردّ بأن الاميركيين والجميع يقولون ان لديه ملايين من الدولارات في جنيف. وتساءل متهكماً عما يمكن ان يحول دون توكيله احد المحامين. وقالت كريستيان امانبور مراسلة شبكة "سي ان ان" التي كانت ضمن مجموعة صحافيين سمح لهم بحضور الجلسة، نيابة عن كل وسائل الاعلام، ان صدام "بدا في اوقات مكتئباً وفي اوقات اخرى متحدياً". ووجه قاضي التحقيق الى الرئيس المخلوع تهمة ارتكاب "جرائم ضد الانسانية" في سبع قضايا هي: استخدام الغازات السامة ضد الاكراد، وقمع التمرد الشيعي، والمقابر الجماعية، والحرب ضد ايران، وغزو الكويت، وقتل رجال دين شيعة، وقتل عشيرة بارزاني. ووجهت في الجلسة ذاتها اتهامات الى 11 مسؤولاً سابقاً. وعلمت "الحياة" ان المرحلة المقبلة لن تتيح ظهور صدام مرة ثانية الى العلن، حتى محاكمته العام المقبل، على اقل تقدير. وعلم ايضاً ان "المحكمة ستنظر في المرحلة الاولى في اوضاع المتهمين الواردة اسماؤهم على لائحة ال55، بالاضافة الى آخرين ادرجت اسماؤهم في قوائم اخرى". وتتألف محكمة الجنايات الخاصة من ثلاث محاكم جنائية فقط، تضم كل منها خمسة قضاة، ومن هيئة تمييزية تضم تسعة قضاة، بالاضافة الى 20 قاضي تحقيق و20 مدعياً عاماً. ولم تكمل المحكمة اجراءات التعيين الرسمي لأكثر من اربعة قضاة تحقيق وثلاثة مدعين عامين، على ان يكتمل تعيين الهيئة التمييزية الاحد المقبل. ومن حق المحامين ولو كان عددهم بالمئات لكل متهم، الاختلاء بموكلهم، والادلاء بتصريحات الى الصحافة، ما يعد بجعل ملف المحاكمة ساخناً وساحة لمعركة اعلامية حافلة بالمفاجآت. واكدت مصادر مطلعة ان علي حسن المجيد، ابن عم الرئيس السابق الذي كان يرتعد اول من امس في غرفة المحكمة، سيكون اول متهم من اركان النظام السابق يقدم للمحاكمة. وسيمثل المتهمون العشرة الآخرون تباعاً امام المحكمة التي قررت اعطاء وقت كاف لانهاء التحقيقات الخاصة بصدام، على ان تستغل الفترة التي تسبق محاكمته من اجل جمع شهادات المتهمين الاحد عشر لتستخدمها كوثائق تؤكد مسؤولية صدام عن الجرائم المتهم بارتكابها. ورد مسؤولون كويتيون بغضب على اقوال صدام منددين ب"بذاءته وافتراءاته"، وقالوا ل"الحياة" ان كلامه "اساءة الى المرأة والشعب في العراق قبل ان يكون اساءة الى الكويت". وشددوا على ان "اكثر من اعتدى على شرف العراقيات هو صدام ونجلاه عدي وقصي وقادته واجهزة استخباراته". وفي تصريح الى وكالة "فرانس برس" اعتبر وزير الاعلام محمد ابو الحسن ان صدام "مجرم حرب" وعليه ان يواجه عقوبة الاعدام على الفظائع التي ارتكبها بحق العراقيينوالكويتيين". واللافت ان وزير الخارجية المصري احمد ماهر اعتبر ان محاكمة الرئيس العراقي المخلوع "مسألة ثانوية"، داعياً الى التركيز على مستقبل العراقيين. في واشنطن اكد مسؤول في الادارة الاميركية امس ان الرئيس بوش شاهد تسجيلاً للجلسة التي تليت خلالها لائحة الاتهام بحق صدام، فيما رفض البيت الابيض وصف الاخير الرئيس الاميركي بأنه "المجرم الحقيقي". وقال المسؤول إن بوش ابدى ارتياحاً الى بدء اجراءات المحاكمة "نحو تحقيق العدالة لمئات الآلاف من ضحايا صدام حسين من خلال محاكمته في محكمة عراقية وبإسم الشعب العراقي". وامتنع المسؤول الذي تحدث الى "الحياة" عن التعليق على الخلاف حول حق الرئيس السابق في تعيين محامين من خارج بلده، بمن فيهم مئات من المحامين العرب والاجانب الذين تطوعوا للدفاع عنه. واوضح ان "من صلاحيات المحكمة العراقية اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً منسجماً مع القوانين التي تحكمها". وشدد على ان الدور الاميركي "سيقتصر على تقديم الخبرة القانونية التي قد تحتاجها المحكمة لمحاكمة صدام بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة". ورفض اتهامات بأن المحكمة لا تحظى بشرعية، في حين قال ناطق باسم الصليب الاحمر إنه لم يعد يحق للحكومة الاميركية محاكمة صدام بعد نقل السلطة والسيادة الى حكومة عراقية، ما اضطر واشنطن الى تسليمه الى الحكومة الانتقالية التي حظيت بإعتراف المجتمع الدولي من خلال قرار لمجلس الامن. وقال سكوت مكليلان، الناطق بإسم البيت الابيض ان المهم في محاكمة صدام "انه واركان نظامه سيواجهون العدالة من الشعب العراقي وامام محكمة عراقية. هذه خطوة مهمة ستساعد الشعب على طي صفحة سوداء من الماضي كانت تمثلها ديكتاتورية صدام الدموية". وفي مؤتمر صحافي عقده في عمان، كشف وكيل الدفاع عن الرئيس العراقي السابق، المحامي الاردني محمد الرشدان ان لجان التحقيق الاميركية أعدت نحو 24 طناً من الوثائق ضد صدام "لكن هيئة الدفاع لم تطلع عليها، ما ينسف شرعية المحاكمة". واحتج محامون اردنيون وأجانب قالوا انهم كُلّفوا تمثيل صدام، على مشاهد بُثت من جلسة الاستماع معتبرين ان من المفترض ان يكونوا الى جانب صدام. غارة على الفلوجة ميدانياً، قصفت القوات الاميركية ليل الاربعاء - الخميس منزلاً في الفلوجة وصفته بأنه أحد مخابئ ابي مصعب الزرقاوي الذي رفعت الولاياتالمتحدة قيمة مكافأة عرضتها لاعتقاله من 10 الى 25 مليون دولار، اي المبلغ ذاته المعروض لاعتقال زعيم "القاعدة" اسامة بن لادن. وتضاربت الأنباء عن حصيلة الهجوم، اذ ذكرت مصادر في مستشفى الفلوجة ان سبعة اشخاص قتلوا وجرح 17 آخرون في الغارة الاميركية، فيما تحدث مساعد قائد عمليات القوة المتعددة الجنسية الجنرال الاميركي مارك كيميت عن سقوط 15 مقاتلاً. وقتل عنصر من "المارينز" في محافظة الانبار وكذلك مدير التفتيش المالي في وزارة المال احسان كريم. ترافق ذلك مع تسليم قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ريكاردو سانشيز منصبه الى الجنرال جورج كيسي الذي تولى قيادة القوات المتعددة الجنسية. مناورات في الوقت ذاته أ ب افادت "وكالة الجمهورية الاسلامية" للانباء الايرانية ان الجيش الايراني بدأ مناورات قرب الحدود مع العراق، يشارك فيها حوالي 20 ألف جندي وطائرات حربية. واشارت الى ان المناورات التي أُطلق عليها "البرق" ستستمر ثلاثة ايام، وتنفّذ على مساحة 20 ألف كيلومتر مربع قرب مدينة العمارة، جنوب غربي العراق، حيث تتمركز قوات بريطانية. وستنفّذ المناورات في الموقع الذي احتجزت فيه البحرية الايرانية ثلاثة زوارق بريطانية وثمانية بحارة كانوا على متنها الشهر الماضي.