ضمن العروض الخاصة التي قدّمها مهرجان السينما العربية في باريس في دورته السابعة هذا العام هو فيلم "كلِفْتي" للمخرج المصري محمد خان، والذي يُعد أول فيلم عربي يصوّر بتقنية الديجيتال. وقد تقاسمَ بطولته الفنان باسم سمرا، ورولا محمود، فضلاً عن الأدوار الثانوية التي لعبها أحمد كمال، ومحمد عبدالعظيم، وسناء يونس. لا يخرج هذا الفيلم عن إطار تيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية التي مثّلها المخرج كمال سليم في فيلم "العزيمة" تحديداً، وصلاح أبو سيف في "السقا مات" و"ريا وسكينة"، وخيري بشارة في "الأقدار الدامية"، و"الطوق والإسوَرة" و"رغبة متوحشة"، وعلي بدرخان في "أهل القمة" و"الجوع"، وعاطف الطيب في "سواق الاتوبيس" و"الحب تحت هضبة الهرم"، وداود عبد السيد في "الصعاليك" و"الكيت كات". كما تنبغي الإشارة هنا إلى أن تيار الواقعية الجديدة غالباً ما يرتبط باسم المخرج الإيطالي، ذائع الصيت، روبيرتو روسيلليني، وبالذات بفيلمه المشهور "روما مدينة مفتوحة" والذي أنجزه عام 1945. وقد أطلق ممثلو "الواقعية الجديدة" في ذلك الوقت شعاراً مفاده "قبل كل شيء علينا معرفة الناس كما هم". وقبل الخوض في تفاصيل فيلم "كِلفتي / klephty" نشير إلى أن محمد خان أخرج عشرين فيلماً أبرزها "طائر على الطريق" الذي فاز بجائزة التحكيم الخاصة في مهرجان نانت في فرنسا عام 1982، و"خرج ولم يعد" الذي نال جائزة التانيت الفضي في مهرجان قرطاج عام 1984، و"زوجة رجل مهم" الذي حصل على الجائزة الفضية في مهرجان دمشق علم 1987، و"أحلام هند وكاميليا" الذي فاز بالجائزة البرونزية في مهرجان فالنسيا في اسبانيا عام 1988، ناهيك عن أفلامه الأخرى التي تركت تأثيرها الواضح على المتلقي العربي مثل "ثلاثة على الطريق" و"الحريف" و"فارس المدينة" و"عودة مواطن" و"سوبر ماركت" و"يوم حار جداً" و"أيام السادات" وغيرها من الأفلام الواقعية التي غاصت في ثنايا المجتمع المصري، وعبّرت بأمانة شديدة عن الناس المهمشين، والمقصيين الذين لفظتهم مدينة القاهرة منذ الربع الأخير من القرن الماضي وحتى يومنا هذا. دلالة عنوان واقعي ينطوي عنوان الفيلم "كلفتي" على شيء من الغرابة والغموض بالنسبة الى غير المصريين، ذلك لأن كلمة "كِلفتي" مشتقة، ومحرّفة قليلاً من الكلمة، يونانية الأصل Kleptes وتعني "لص" في العربية. وتستخدم في الإنكليزية مفردةKleptomania وتعني "جنون السرقة". من هنا فإن بطل الفيلم باسم سمرا هو لص بامتياز، ومهووس بالسرقات المستمرة التي لا تتوقف عند حد معين. فمن خلال شخصيات باسم سمرا، ورولا محمود، وسناء يونس لا يدين المخرج محمد خان الواقع الاجتماعي والاقتصادي في مصر حسب، بل يتعداه إلى إدانة النظام السياسي العاجز عن إيجاد بعض الحلول المنطقية للفقر المدقع، وشظف العيش الذي يدفع بشاب يافع لأن ينغمس في السرقة إذ تصبح مرضاً عضالاً يصعب الفكاك منه، مثلما يصبح الكذب على الناس والافتراء عليهم ديدنه، الأمر الذي يفضي به إلى خسارة "حنان" الفتاة التي أحبها، ووعدها بالزواج، وعندما يدخل السجن، تتزوج من غيره. لا شك في أن المخرج محمد خان كان بارعاً في انتقاء الشخصيتين الرئيستين اللتين تناصفتا البطولة. فباسم سمرا هو ممثل ناجح بامتياز، فهو لمّاح، خفيف الظل، ويمتلك كاريزما من نوع خاص تأسر مشاهديه، حتى يتصوره البعض أنه لا يمثل، وإنما يمارس حياته اليومية الخاصة، هكذا كان أداؤه عفوياً، سلساً، لا فذلكة فيه أو تصنّع. وقد حقق طفرة متميزة عن أدواره السابقة في "المدينة" و"باب الشمس" وسواها من الأعمال السابقة. أما الفنانة رولا محمود التي جسّدت دور "حنان" ونجحت فيه لأسباب عدة، فهي ممثلة متمكنة، قادرة على جذب المتلقي، وجريئة في الوقت ذاته. وهذه الجرأة الفنية تذكرنا بدورها المميز في فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" لداوود عبد السيد، ودور "علية" في فيلم "الساحر" لرضوان الكاشف، حيث تجسد شخصية فتاة الليل التي تعيش في أحد أحياء القاهرة الفقيرة، ثم تغتني من خلال هذه المهنة المنبوذة في المجتمع العربي. كما تجاوزت هي الأخرى أدوارها القصيرة، والهامشية في فيلم "معالي الوزير" و"بحب السيما" ومسلسل "أوان الورد" وقد تألقت فعلاً في فيلم "كِلفتي". وتكفي الإشارة هنا إلى المشهد الأخاذ الذي أخذت تغني فيه مقاطع من أغنية للفنانة نانسي عجرم وهي تستحم وتتراقص تحت ماء "الدش" الذي أنهمر فوقها حتى بدأت مفاتنها تشف تحت الثوب المبتل. وربما يأتي هذا التألق نتيجة لتجليها في أداء الأغنية من كونها مغنية ناجحة تمتلك صوتاً جميلاً يضع الآخرين في دائرة التطريب. وهي بالمناسبة تستعد لإطلاق ألبومها الأول، وقد سبق لها أن سجلت بعض الأغاني منها أغنية "إسمع قلبي" و "كان الزمان" التي تقلّد فيها فيروز، كما أدت بعض الأغاني بالإنكليزية والألمانية اللتين تجيدهما رولا محمود جيداً.