اتسعت دائرة الضغوط الدولية على السودان أمس في شكل لافت لمعالجة الأزمة الانسانية والحرب في ولاية دارفور غرب البلاد. ووصل وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى نيويورك للاجتماع مع الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان والبحث في الازمة واحتمالات التدخل الدولي، فيما كان انان أقر الاربعاء بأن نوعية التدخل الدولي في العراق "تزيد من صعوبة" احتمال التدخل في السودان. الى ذلك، اعتبر البابا يوحنا بولس الثاني أزمة دارفور "مصدر قلق كبير" وأوفد مبعوثاً شخصياً الى السودان. كما يصل إليه أيضاً وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه الثلثاء في زيارة تقوده إلى دارفور. وفي لندن، لم يستبعد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ارسال قوات الى السودان للمساعدة في مواجهة الأزمة الانسانية. ورد وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل عليه بحدة من باريس، مشيراً الى ان القوات البريطانية في حال جاءت الى دارفور سينظر اليها السكان كقوات محتلة. وطالب بالمزيد من الوقت عملاً بالاتفاق الذي جرى مع أنان. وفي الوقت نفسه، اعترفت الخرطوم بأن ميليشيات الجنجاويد ما زالت تروع السكان في دارفور وأعلنت محاكمة 17 شخصاً من عناصرها ودانتهم بتهم عدة. اعترفت السلطات السودانية بأن ميليشيا الجنجاويد المتهمة بارتكاب انتهاكات في دارفور لا تزال تروع المدنيين وأعلنت محاكمة 17 منهم بالاعدام والصلب وقطع الأيدي والأرجل. وقال مدير شرطة ولاية جنوب دارفور اللواء عمر الفكي في مؤتمر صحافي عقد في نيالا غرب السودان أمس، ان الشرطة دخلت في مواجهات عسكرية مع الميليشيات، خصوصاً الجنجاويد رغم تفوقهم في التسلح وامتلاكهم أسلحة حديثة لا توجد لدى الشرطة. وأوضح ان خطوات بدأت لنزع أسلحة الميليشيات لكنه أقر بأن صعوبات تواجه الشرطة بسبب التسلح ووعورة المنطقة. وأضاف الفكي ان الشرطة اعتقلت أكثر من مئة من عناصر الجنجاويد والمجموعات الأخرى ولا تزال تلاحقهم في مواقع عدة واعترف بصعوبة مهمتهم، وقال انها تحتاج الى كثير من المال والتدريب والتسليح. إلى ذلك، أعلن رئيس محكمة نيالا الخاصة القاضي مختار آدم عبدالله أن محكمته أصدرت عقوبات في حق 17 من عناصر الجنجاويد تراوح بين الإعدام والصلب وقطع الأيدي والأرجل والسجن والغرامة، وان 24 آخرين في انتظار المحاكمة و20 رهن التحقيق. موضحاً ان الخطوة جاءت لتنفيذ اتفاق الحكومة مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. بلير وفي لندن، قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في مؤتمر صحافي أمس، ان بلاده لا تستبعد ارسال قوات الى السودان للمساعدة في مواجهة الازمة الانسانية المتنامية هناك. موضحاً: "لا نستبعد أي شيء لكننا لم نصل الى هذه المرحلة بعد... بعض العناوين في الصحف سابقة لاوانها بعض الشيء". وكانت صحيفة "ذي غارديان" أفادت أمس ان بلير يدرس امكان ارسال قوات الى دارفور، ونقلت عن مسؤول في الحكومة ان "رئيس الوزراء طلب درس كل الخيارات بما فيها العسكرية من اجل انقاذ ارواح بشرية". وأوردت ان بلير يدرس ثلاثة خيارات هي، ارسال عسكريين فقط من اجل تقديم المساعدة او ارسال دعم لوجستي لقوة من الاتحاد الافريقي او نشر قوات بريطانية لحماية مخيمات اللاجئين. والخيار الثالث والأكثر خطورة يتطلب موافقة حكومة الخرطوم، بحسب الصحيفة. اسماعيل وفي لهجة غلب عليها طابع التحدي علق وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل على الذي يزور باريس تصريح بلير قائلاً: "اذا كان جدياً فليبعث الينا برسالة رسمية في هذا الشأن، ونحن على استعداد لسحب قواتنا من دارفور لافساح المجال له بالحفاظ على الامن هناك... هل تعلمون ماذا سيحدث؟ خلال شهر او شهرين سينظر السكان إلى القوات البريطانية على انها قوات محتلة. ما حدث لكم في العراق سيتكرر في دارفور. لنكن واقعيين". واضاف: "ان الوحيدين الذين يمكنهم القيام بهذا الدور هم رجال الامن السودانيون، وهو ما نقوم به اليوم". وكان اسماعيل يتحدث في مؤتمر صحافي أمس في باريس بدعوة من نادي الصحافة العربية. وكان التقى نظيره الفرنسي ميشال بارنييه الذي سيزور دارفور الثلثاء المقبل. وأعلن الوزير السوداني ان أي عقوبات يتخذها مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي ستعقد حل الأزمة في منطقة دارفور، وطالب بالمزيد من الوقت عملاً بالاتفاق الذي جرى مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان وتنتهي مدته في الثالث من تشرين الأول اكتوبر المقبل. وشدد على أن "أجندة" واشنطنولندن ليست انسانية بل تخفي مآرب سياسية جلية للعيان، مشيراً الى أن "الدافع هو الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الولاياتالمتحدة بعد أشهر، وأن لندن تفكر بأن السودان ما زال مستعمرة بريطانية". وعن السعي الأميركي والبريطاني لإقرار عقوبات في مجلس الأمن قال اسماعيل: "لا نريد أي قرارات بل نريد وقتاً لتنفيذ الاتفاق مع كوفي انان الذي وقعناه في الثالث من تموز يوليو، ان أي قرارات من مجلس الأمن ستعقد الأمور"، ودعا واشنطنولندن "لقبول العمل داخل الأممالمتحدة لحل أزمة دارفور وذلك بالتعاون مع الاتحاد الافريقي الذي لديه قوة مراقبة لوقف النار وقضايا حقوق الانسان في دارفور. والمراقبون اليوم هم ثمانون شخصاً بعضهم من الولاياتالمتحدة وفرنسا وغيرهما". وتساءل عن غاية الاستعجال الأميركي والبريطاني فيما يعالج الاتحاد الافريقي هذه المسألة. باول وانان ووصل وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى نيويورك أمس للاجتماع مع الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان للبحث في قضية دارفور. وكان انان أقر الاربعاء ان نوعية التدخل الدولي في العراق "تزيد من صعوبة" احتمال التدخل في السودان بسبب الأزمة في دارفور. وقال: "أي اقتراح للتدخل في السودان ستنظر فيه الحكومات بكل حذر". لكنه هدد الحكومة السودانية من اجراءات دولية إذا لم تنفذ التزاماتها في دارفور، وحمّلها المسؤولية، وقال ان في حال عدم اتخاذ الخرطوم الاجراءات اللازمة "على الأسرة الدولية ان تتخذ الاجراءات". وشدد أنان على الخطوة العاجلة الضرورية المتمثلة في ايفاد ستة آلاف رجل شرطة الى دارفور لحماية الناس "كبداية حسنة"، يجب أن "يليها تجريد ميليشيات الجنجاويد من السلاح". وأوضح انان انه لم يتفق مع الحكومة السودانية على جدول زمني لتنفيذ التزاماتها، ولم يحدد موعد نهائي. مبعوث البابا الى ذلك، بعث البابا يوحنا بولس الثاني الى السودان أمس، موفدا شخصيا هو الاسقف الالماني المونسينيور بول كورديس. وجاء في الرسالة التي وجهها الى كودريس ان "الوضع الانساني الكارثي في دارفور مصدر قلق كبير للبابا يوحنا بولس الثاني". وان "الحبر الاعظم يرغب بواسطتكم توجيه تحية الى الطائفة الكاثوليكية والشعب السوداني المحروم خصوصاً في منطقة دارفور وتأكيد تضامنه معه ورفعه الصلوات لا سيما للاجئين". اجتماع في جنيف وفي جنيف أ ب، استضاف "مركز الحوار الانساني" أمس اجتماعاً لممثلين عن لجنة الوساطة التابعة للاتحاد الافريقي وممثلين عن حركتي التمرد في دارفور حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. وقال الناطق باسم "المركز" آندي أندريا ان الوسطاء يأملون في اقناع حركتي التمرد باستئناف المفاوضات مع الحكومة السودانية، والتي كانت تعثرت الاسبوع الماضي بعد ثلاثة ايام من المناقشات برعاية الاتحاد الافريقي في اديس ابابا.