تعهدت الحكومة السودانية بتلبية خمسة مطالب طرحها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على الرئيس عمر البشير من الخرطوم أمس لوقف العنف وإقرار السلام في دارفور والتوصل إلى اتفاق سلام شامل في جنوب البلاد قبل نهاية العام الجاري. وأعلن بلير في مؤتمر صحافي عقده في مقر السفارة البريطانية في الخرطوم بعد اجرائه محادثات مع الرئيس عمر البشير ونائبه الأول علي عثمان محمد طه، أنه طرح على القيادة السودانية خمسة مطالب تدعو إلى التوصل إلى اتفاق سلام بنهاية العام الجاري، ورفع عدد القوات الافريقية في دارفور بشكل كبير، وتوسيع مهمتها وتحديد مواقع القوات الحكومية والميليشيات المتحالفة معها، وابرام اتفاق مع متمردي دارفور لسحب قواتهم إلى مواقع محددة، وتسهيل انسياب المعونات الإنسانية. وطالب بلير الحكومة بخطوات عملية وملموسة لتنفيذ هذه المطالب، وقال إنه لا حاجة إلى فرض عقوبات على الخرطوم حالياً، لكن "يمكن التفكير فيها إذا لم تف الحكومة السودانية بتعهداتها التي قطعتها على نفسها". وقلل من شأن فكرة ارسال قوات بريطانية إلى دارفور لحفظ السلام، موضحاً أن الاتحاد الافريقي لا يرغب في ذلك في الوقت الحالي، لكنه أكد استمرار الضغوط الدولية لانهاء "الأوضاع المريعة" في دارفور، مشيراً إلى أنه يفضل التوصل إلى حل للأزمة من دون عقوبات. وتابع: "وجودي في الخرطوم مؤشر على أهمية الوضع في دارفور وخطورته". وأضاف انه "كما على الحكومة التزامات، فإن على المتمردين التزامات تتعلق بحماية المدنيين والتوصل إلى اتفاق سلام دائم عبر التفاوض وليس القوة". ووصف محادثاته مع البشير وطه بأنها كانت "صريحة ومفتوحة وبناءة". وقال بلير وهو أكبر مسؤول يزور السودان من حكومة غربية منذ تفجر الازمة انه حدث تقدم في توصيل المساعدات الانسانية لمن هم في أمس الحاجة اليها لكن المشكلة الرئيسية الان هي فرض الامن. وحذر من ان المجتمع الدولي "لن يشعر بالارتياح الى ان تنتهي اعمال العنف في دارفور ويتم التوصل الى اتفاق سلام شامل في انحاء البلاد". واوضح بعد محادثات مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير "نريد من الحكومة ان تلتزم بالتوصل الى اتفاق شامل في شمال السودان وجنوبه بحلول نهاية العام". ولم يزر بلير دارفور كما فعل الزائرون السابقون ومنهم وزير الخارجية الاميركي كولن باول والامين العام للامم المتحدة كوفي أنان وعدد من وزراء الخارجية الاوروبيين. وتوجه بلير جوا في وقت لاحق أمس، الى اثيوبيا للقاء رئيس الوزراء الاثيوبي مليس زيناوي في المساء. وأعربت الحكومة عن ارتياحها لنتائج زيارة بلير التي استمرت 12 ساعة بدلاً عن خمسة ساعات كما كان مقرراً. وقال وزير الخارجية الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل إن حكومته رحبت باقتراحات بلير واتفقت معه على زيادة القوات الافريقية في دارفور وتوسيع مهمتها والتوصل إلى حل سياسي عبر الاتحاد الافريقي ومحاصرة ميليشيات "الجنجاويد" التي تهدد أمن مواطني الاقليم ونزع أسلحتها واحترام حقوق الإنسان. ونفى اسماعيل أن يكون بلير مارس ضغطاً على الحكومة، لكنه "أعرب عن قلقه إزاء الأوضاع في دارفور ونحن نشاركه القلق". وذكر ان الحكومة طلبت من بلير توجيه رسالة واضحة إلى متمردي دارفور حتى لا يتمادوا في خرق وقف النار، والضغط عليهم من أجل التوقيع على بروتوكول الشؤون الإنسانية. واحتفت الحكومة بزيارة بلير باعتباره أول رئيس وزراء بريطاني يزور السودان منذ استقلاله عن لندن في العام 1956، لكن مستوى استقباله لم يعكس ذلك، إذ وجد في انتظاره لدى وصوله مطار الخرطوم فجراً وزير الخارجية مصطفى اسماعيل. وطاف بلير على مباني القصر الرئاسي الذي يطل على النيل الأزرق، ووقع اسمه في سجل كبار الزوار. مفاوضات نايفاشا على صعيد آخر، ينتظر ان يستأنف اليوم النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه وزعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" جون قرنق مفاوضاتهما في كينيا في شأن الترتيبات العسكرية والأمنية وسط أجواء من الحذر والاتهامات "بتعزيز القوات الحكومية في الجنوب". وسيقضي طه وقرنق ثلاثة أيام فقط في مقر المفاوضات في نايفاشا فيما ينتظر ان يواصل وفداهما اللذان يضمان القيادات العسكرية والأمنية للطرفين التفاوض. وتشمل القضايا المطروحة أمام الطرفين، وقف النار الدائم والشامل، وقوات حفظ السلام والمراقبة الدولية لوقف النار، ومصادر تمويل وتسليح "الجيش الشعبي" ومرتبات عناصره الشهرية، والقوات المشتركة في شرق السودان ومفهوم "القوات المشتركة أو المندمجة" واوضاع الميليشيات. وكان الطرفان اختلفا في شأن تلك القضايا. ويطالب قرنق بتمويل قواته من الخزانة العامة لكن الخرطوم ترفض ذلك وتقترح تمويل القوات من خزانة حكومة جنوب السودان. ويطالب قرنق أيضاً بقوات مشتركة للشرق تضم ايضاً قوات "التجمع الوطني"، وهو أمر لا تريده الخرطوم. وفي غضون ذلك، أعربت حركة قرنق عن قلقها من "تعزيزات حكومية وحشود عسكرية في الجنوب"، الا ان نائب السفير السوداني في كينيا محمد أحمد الدرديري نفى ان "تكون الخرطوم عززت قواتها في الجنوب". وقال: "اذا وجد مثل هذه الاتهامات فيفترض تبليغها الى لجنة الاتصالات المشتركة وهذا ما لم يحصل". وفي تطور آخر، بدأ مفاوضون من "الحركة الشعبية" و"حركة تحرير السودان" الناشطة في دارفور وتجمع المعارضة، اجتماعات في نيروبي بغرض التنسيق بين مسارات التفاوض في نايفاشا وأبوجا والقاهرة. ويشارك في الاجتماعات كبير مفاوضي "الحركة الشعبية" نيال دينغ وزعيم متمردي دارفور عبدالواحد محمد نور والقيادي في التجمع الشفيع خضر وآخرون.