بعد انتهاء احتفالات الذكرى ال60 لعملية انزال الحلفاء في النورماندي ومغادرة الرئيس الاميركي جورج بوش فرنسا امس، وبعد عشاء عمل مع الرئيس جاك شيراك في قصر الاليزيه ومؤتمر صحافي مشترك مساء السبت، اجمعت مصادر فرنسية في حديثها ل"الحياة" على ان الجلسة الموسعة التي جمعت الرئيس بحضور وزرائهما ومستشاريهما وسفرائهما اكدت رغبة الجانبين في تهدئة الخلافات التي كانت تسببت ببرودة العلاقات بينهما منذ رفضت فرنسا الدخول الى جانب الولاياتالمتحدة في الحرب على العراق. وكان الجانب الفرنسي مرتاحاً الى مضمون مشروع قرار مجلس الامن بشأن العراق، اذ حصلت باريس على معظم التحسينات التي كانت طالبت بها للنص. لكنها لا تزال راغبة في معالجة مزيد من التفاصيل المتعلقة بالترتيبات الامنية المستقبلية في العراق. ونقل الجانب الاميركي الى الرئيس الفرنسي مضمون الرسائل المتبادلة بين قوى "التحالف" ورئيس الحكومة العراقية أياد علاوي بشأن الترتيبات الامنية التي تحدد اجراءات تدخل قوات "التحالف" حتى 30 حزيران يونيو وبعده. وقالت المصادر ان الجانب الفرنسي سيدرس مضمون هذه الرسائل ليرى اذا كانت تلبي اهتمامات فرنسا بأن تكون للحكومة العراقية كلمة في الاجراءات الامنية. واضافت المصادر انه باستثناء هذا الموضوع تعتبر باريس ان نص القرار قريب جداً للمضمون الذي تتمناه لذا توقع شيراك في مؤتمره الصحافي ان يتم قريباً الاتفاق على قرار مجلس الامن. واكدت المصادر مجدداً ان تأييد القرار لا يعني بأي شكل ان فرنسا سترسل قوات الى العراق. واكدت ان بوش لم يطلب ذلك لكنها اوضحت في المقابل ان الرئيس الاميركي طالب نظيره الفرنسي ببذل جهد اكبر من اجل الغاء الديون العراقية ورد شيراك بأنه وعد وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر بإلغاء 50 في المئة من تلك الديون المقدّرة بنحو 5 بلايين دولار. وشرح الرئيس الفرنسي انه يصعب تقديم المزيد لاسباب ليست فقط مالية وانما ايضاً سياسية تجاه دول اكثر فقراً واكبر مديونية. اذ ان الغاء 50 في المئة من الديون العراقيةلفرنسا يساوي على الصعيد المالي مجمل اجراءات الغاء ديون 37 دولة في اطار الجهود القائمة من اجل ذلك. لذلك، قال شيراك: "لا يمكن سياسياً بذل جهد اكبر تجاه العراق خصوصاً ان العراق دولة ذات موارد، وهي ثاني دولة نفطية، وعلى رغم صعوباتها الحالية فان وضعها المالي على المدى الطويل سيكون افضل من اوضاع الدول الاكثر فقرا". وقال مصدر فرنسي رفيع المستوى ان بوش لم يحدد المستوى الذي يتمناه من الغاء الديون العراقيةلفرنسا، لكنه لمح الى جهد ضخم ليس مئة في المئة ولكن تقريباً ازالة الديون. وتوقعت المصادر الفرنسية ان يمارس الرئيس الاميركي المزيد من الضغوط لازالة الديون العراقية خلال قمة الدول الثماني في سي ايلاند الاسبوع الجاري. وبين المواضيع التي سجل تقارب في وجهات النظر بشأنها موضوع لبنان، اذ رغب الرئيس الاميركي في فتح الموضوع بنفسه. قال لشيراك ان الولاياتالمتحدة اتخذت مواقف واضحة وعلنية بشأن لبنان وسيادته واستقلاله. وتابع: "وافقنا على ما قلتم لنا بأن استقلال لبنان مهم وقد اوضحنا ذلك مرات عدة". ورد شيراك بأن استقلال لبنان مهم وانه اذا كانت الولاياتالمتحدة تريد بسط الديموقراطية على مجمل المنطقة فينبغي تعزيزها وتمكينها اينما توجد حتى ولو كانت هشة ومهددة مثلما هي في لبنان. واشار بوش الى تصريحات مستشارته للامن القومي كوندوليزا رايس عن لبنان. ولم يتطرق الرئيسان الى موضوع سورية طويلاً، وأصرّ شيراك على ضرورة الاهتمام بالمسار السوري الاسرائيلي، على ان يبقى كل من لبنان وسورية موضع اهتمام في اطار مسيرة السلام مع اسرائيل. ولاحظت المصادر الفرنسية ان الخلاف على الصراع العربي الاسرائيلي لا يزال عميقاً بين الجانبين، لكنهما لم يتطرقا اليه بتوتر، اذ عبّر بوش عن اقتناعه بأن رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون يريد التوصل الى حل بالتفاوض الى انشاء دولة فلسطينية قابلة للعيش لكنه يضع عدداً من الشروط الامنية المسبقة التي اذا وجد محاورون فلسطينيون لتناولها فانه مستعد عندئذ للعودة الى المسار التفاوضي مع الفلسطينيين. لكن بوش اعترف لنظيره الفرنسي بأنه يوافق على التقويم الفرنسي بأن غياب التقدم في مسيرة السلام له نتائج سلبية وخطيرة على المنطقة. اما الرئيس الفرنسي فأكد ان رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات هو المحاور الفلسطيني كونه يمثل شعبه. واعرب عن تشاؤمه بالنسبة الى عودة شارون الى التفاوض. وبالنسبة الى موضوع الاصلاح في "الشرق الاوسط الاوسع" حرص الرئيس الاميركي جورج بوش على ارضاء الجانب الفرنسي، اذ علّق قائلاً: "هذا الموضوع اثار قلقاً كبيراً لدى فرنسا كونها اعتقدت اننا سنفرض الديموقراطية بالقوة في العالم العربي، ليس هذا ما نريده ولا نريد تحويل العالم العربي الى غرب على صورتنا. نحن مدركون لخصائص ووقائع كل بلد وتاريخه، لكن في الوقت نفسه لا يمكننا ترك الامور. هناك اصلاحيون في هذه الدول ومسؤوليتنا ان نساعدهم". حضر القمة الاميركية الفرنسية وزير الخارجية كولن باول ومستشارة الامن القومي رايس وكارول روف، ومن الجانب الفرنسي وزير الخارجية ميشيل بارنييه ومستشار الرئيس موريس غوردو مونتاني ومساعده اندريه باران والناطقة الرسمية كاثرين كولونا وسفير فرنسا لدى الولاياتالمتحدة جان دافيد ليفيت والسفير الاميركي لدى فرنسا هاورد ليش.