نيابة عن خادم الحرمين.. وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح النسخة الرابعة من مؤتمر التعدين الدولي    أمير القصيم يترأس اجتماع اللجنة العليا للسلامة المرورية    سمو أمير نجران يشهد توقيع 5 مذكرات تفاهم للهلال الأحمر لتطوير الخدمات    لوحة "م ك ه 2025" في جناح وزارة الداخلية بمؤتمر ومعرض الحج .. هوية برؤية عصرية    رئيس الهيئات يتفقد فرع الرئاسة العامة بمنطقة القصيم ويستقبل المراجعين    تشغيل 4 محطات جديدة لتنقية مياه الشرب في حي الشعلة بالدمام    رئيس وزراء سنغافورة يستقبل وزير الخارجية    «مجموعة خدمات الطعام» تُعزز ريادتها في قطاع الإعاشة بمشاركة إستراتيجية في مؤتمر ومعرض الحج الرابع    برعاية أمير الرياض ..الجمعية السعودية لطب الأسنان بجامعة الملك سعود تنظم المؤتمر الاقليمي للاتحاد العالمي لطب الأسنان    اختيار معلم سعودي ضمن أفضل 50 معلماً على مستوى العالم    إضافة أكثر من 3000 موقع جديد لسجل التراث العمراني    اعتقال رئيس كوريا الجنوبية.. وبدء استجوابه    ارتفاع أسعار الذهب مع ترقب بيانات تضخم أمريكية    "الخلاص" و "السكري" يتصدران إنتاج السعودية من التمور بأكثر من مليون طن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال11 لمساعدة الشعب السوري الشقيق    الأقل بين دول ال20.. التضخم السنوي في السعودية يتباطأ إلى 1.9%    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة    «إثراء الضيافة القابضة» تدشن هويتها الجديدة بحضور وزير الحج والعمرة    شبح الإيقاف يطارد الدوسري    حج آمن    سعود بن بندر يستقبل مدير الالتزام البيئي ورئيس «رياضة الأساتذة»    المتحدث الأمني لوزارة الداخلية يؤكد أهمية تكامل الجهود الإعلامية بمنظومة الحج    أمير الشرقية يتسلم تقرير الملتقى العلمي    المملكة والسَّعي لِرفع العقوبات عن سورية    "سلامة الأغذية" بالرس يحصل على "الأيزو"    فيصل بن بندر يطلع على أعمال أمن المنشآت    الشباب ينهي عقد كويلار    الاتحاد يتخلى عن صدارته    رونالدو وبنزيما يهددان ميتروفيتش بخطف صدارة هدافي «روشن»    أمير القصيم يدشن مشروعات محافظة أبانات    البروتين البديل    سعود بن خالد يشهد اتفاقية «الفاحص الذكي»    مستشفى المذنب يُجري 1539 عملية جراحية    «أمن الدولة»: انتقلنا من مرحلة توفير الأمن إلى صناعته    مفتي الطائفة العلوية ل«عكاظ»: السعودية محل ثقة.. ودورها محوري في سورية    مدير الجوازات: أجهزة ذكية لقياس مدة بقاء الحجاج في «الكاونتر»    صراع «الفاشنيستا» تديره فَيّ فؤاد    أمريكا والتربية    ولي العهد يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية    مجلس الوزراء: تشكيل لجنة مركزية دائمة للجهات الأمنية في المنافذ الجمركية    من أعلام جازان.. الشيخ الجليل ناصر بن خلوقة طياش مباركي    بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب وهافانا ترحب    مفوض الإفتاء في جازان يحذر من خطر الجماعات المنحرفة خلال كلمته بالكلية التقنية بالعيدابي    زمن السيارات الصينية    برينتفورد يفرض التعادل على مانشستر سيتي بالدوري الإنجليزي    يا رجال الفتح: كونوا في الموعد    الآثار المدمرة بسبب تعاطي المخدرات    «الغذاء والدواء»: الجنسنغ بجرعات عالية مضر بالصحة    أفكار قبل يوم التأسيس!    انطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين" غدًا في جازان    ألمانيا.. بين دعم السلام والأسلحة الفتاكة!    الدكتور علي مرزوق إلى رتبة أستاذ مشارك بجامعة الملك خالد    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لانجازات واعمال فرع وزارة التجارة    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة السماري    إنجاز علمي جديد.. «محمية الملك عبدالعزيز الملكية» تنضم للقائمة الخضراء الدولية    أمير الجوف يشيد بدور "حقوق الإنسان"    «اجتماعات الرياض» تبحث إعادة بناء سوريا وتحقيق أمنها    برعاية الأمير فيصل بن خالد.. إطلاق جائزة الملك خالد لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مئوية بابلو نيرودا ."تعالوا لتروا الدم في الشوارع"
نشر في الحياة يوم 28 - 06 - 2004

قبل مئة عام ولد رجل: "له وجه مدهش، كغجري مصقول. ومن يدري، لعله ابن أميرة أراوكانيّة، ومصارع ثيران من رندة".
هذه كلمات غارثيا لوركا في وصف بابلو نيرودا، شاعر شيلي العظيم، الذي رحل عن عالمنا عام 1973، بعد الانقلاب العسكري على حكومة الليندي الاشتراكية، والذي حصل على جائزة نوبل للأدب قبل رحيله بعامين 1971. ورندة مدينة في جنوب اسبانيا، ذات طابع اندلسي خالص، ما زالت تحتفظ به، وإليها يُنسب عدد من شعراء الأندلس العرب، وتشتهر بالموسيقى والرقص والفرسان والغجر.
ترك نيرودا نخبة باهرة من الدواوين الشعرية، منها: أغاني الشفق، طفولة وشعر، الرامي بالمقلاع هل كان يتنبأ بثورة أطفال الحجارة في فلسطين؟، القمر في التيه، أغاني العناصر، عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة، الإقامة في الأرض، اسبانيا في القلب، محاولة الرجل غير المحدود، النشيد العام، سيف اللهب، وقدّم كتباً نثرية، منها: صفحات من اناتول فرانس، المواطن وأمله، خواتم، لكن أهمها جميعاً كانت سيرته الذاتية "أشهد أنني قد عشتُ".
يرى لويس عوض أن بابلو نيرودا هو أعظم شاعر في الاسبانية منذ لوركا، وهو من جيله تقريباً، فلوركا ولد عام 1898 العام الذي ولد فيه طه حسين ونيرودا ولد بعده بست سنوات، عام 1904 العام الذي مات فيه محمود سامي البارودي. وكلاهما ينتمي الى اليسار الناطق بالاسبانية، مع فرق واحد، هو أن لوركا قتله الفاشست الاسبان رميا بالرصاص في الحرب الاهلية الاسبانية عام 1936، أي وهو دون الاربعين، بينما نيرودا عمّر حتى ناهز السبعين. ويبدو ايضاً انه مات مقتولاً، فقد وجدوه في داره ميتاً، بعد اسابيع قليلة من الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام الرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي، ووجدوا أثاث بيته مهشماً، مما يوحي بأنه كان القنيصة الكبيرة الثانية بعد مصرع الرئيس الليندي، لانه كان البديل الطبيعي لرئاسة جمهورية شيلي بعد الليندي، ولأنه كان الرجل الثاني في الحزب الاشتراكي الشيلي.
بدأ نيرودا عمله الديبلوماسي مبكراً، قنصلاً لبلاده في اقطار آسيوية عدة، ثم زار اسبانيا التي هي في القلب، وكانت نقطة التحول في حياته هي الحرب الاهلية الاسبانية وانقضاض الفاشيين على الجمهوريين والشيوعيين وإعدام صديقه لوركا. منذ ذلك التاريخ انحاز نيرودا الى الجمهوريين، وفقد عمله في السلك القنصلي موقتاً، وانتقل الى باريس حيث اسس جماعة "الأمريكان الأسبان" التي بسطت رعايتها على جيلين من كتاب أميركا اللاتينية. وهذه هي الفترة التي كتب فيها ديوانيه "الإقامة في الأرض" و"اسبانيا في القلب": "تسألون: لماذا في شعره/ لا يتحدث عن الأحلام عن الأوراق
عن البراكين العظيمة في وطنه الأصيل؟
تعالوا لتروا الدم في الشوارع
تعالوا لتروا الدم في الشوارع".
في نفس عام صدور "اسبانيا في القلب" تُرجم الى الفرنسية، وكتب مقدمة الترجمة الشاعر الفرنسي الكبير لويس اراغون: "لقد اخترنا هذا الديوان، ذا الصفحات القليلة، كمقدمة عملاقة لادب العالم كله. ولست اشك في ان الشبان الذين سيقرأون ترجمته الفرنسية سيحسون بالرعشة التي احس بها جيلي وهو يقرأ الشاعر أبوللينير 1880 - 1918، وكم أتمنى أن تبلغ هذه الترجمة قلوب الذين قُدّوا من صخر. ان فيه هذه القوة التي تسقط الاسوار بالغناء".
وفي عام 1938، كانت برشلونا تمثل الصخرة الصامدة في مواجهة الفاشية، وتقاوم بعنف على نحو ما كانت مدريد تقاوم قبلها، فقام الشاعر المالقي مانويل ألتوجير 1905 - 1959 وكان احد المقاومين بها، بإعادة طبع الديوان مرة اخرى، وهي طبعة فريدة في تاريخ الطباعة، يحكي لنا ألتوجير القصة بقوله: "كان الجنود في الجبهة هم الذين صنعوا الورق الذي طبع عليه الديوان، لم يستخدموا في صنعة المواد الاولية من القطن والخرق القديمة التي امدتهم بها القيادة فحسب، وانما اضافوا "الى العجينة" المستخرجة منها، ملابس الجنود الذين سقطوا دفاعاً عن المدينة، ومن فضلات الحرب، ومما غنموه من الاعداء، راياتهم، قمصان الجنود المساجين، صنعوا من كل ذلك الاوراق التي طبع عليه الديوان، وتولى الجنود جمع حروفه، وكانوا هم الذين تولوا طباعته ايضاً" دكتور طاهر مكي : نيرودا شاعر الحب والنضال.
"النشيد العام" يحفك - كما يقول لويس عوض - بأشياء غير مألوفة في شعر الشعراء الذين نقرأ لهم من اي مدرسة من مدارس الادب، فلا هو بالشعر الكلاسيكي الاتباعي، ولا هو بالشعر الرومانسي الاتباعي، ولا هو بالشعر الرمزي، ولا هو ينتمي الى تيار معروف من تيارات الادب، وصاحبه نيرودا يسميه الشعر "الواقعي"، وربما كان اقرب نوع من انواع الشعر نعرفه له في تاريخ الادب هو ما نسميه عادة بالشعر "التعليمي"، وهو مدرسة ذات تقاليد قديمة في تاريخ الادب.
على ان اهم ما نتعلمه من شعر نيرودا هو قوله انه اكتشف ان ليست هناك لغة للشعر ولغة للعلم ولغة للحياة اليومية، فكل الاسماء والمسميات تصلح خاصة للشعر، الحديد والنحاس والفحم والكوبالت والبازلت تصلح خامة للشعر تماماً مثل الزهرة والجدول والايك والفنن والطائر المغرد. وليست هناك حواجز بين الشعر والحياة اليومية.
"في سنة 1945 وقفت اخطب وألقي بعض قصائدي في اجتماع سياسي، كان عددنا يقترب من مئتي شخص، واذا بي اسمع ضجة آليات تقترب، وعلى بعد اربعة امتار او خمسة مني وقفت دبابة عسكرية، ثم اطلّ منها رشاش تصويبه نحو رأسي. وظهر قرب الرشاش ضابط متأنق، لكنه جاد وصارم الى أبعد الحدود واقتصر هذا الضابط على توجيه نظرات عينيه اليّ بينما كنت اتكلم. وكان ذلك هو كل شيء" هكذا تكلم نيرودا في مذكراته الفاتنة "اشهد أني قد عشت" ترجمة محمود صبح، وهي المذكرات التي خصها الناقد رجاء النقاش بسلسلة متتالية من المقالات في جريدة "الاهرام" قبل سنوات قليلة.
وقد انتهى النقاش في مقالاته الى أن هذه المذكرات اثبتت له حقيقتين كبيرتين: الاولى هي ان الشعر ضروري للنفوس السليمة مثل ضرورة الخبز. والثانية هي ان الشعر "قوة" قد تفوق احياناً قوة الدبابات والمسدسات والبنادق.
"آه مما أعرف/ ومما تعرّفت عليه
ومن بين كل الاشياء
فإن الخشب أفضل أصدقائي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.