زار وزير الخارجية الفرنسي الجديد ميشال بارنييه مصر والأردن مزوداً بعزم وتمنٍ قويين، بالمساعدة على تحريك المسار التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكلما تولى وزير جديد في فرنسا هذا المنصب، فإنه يسعى إلى الدفع لايجاد حل لهذا الصراع الذي وصفه بارنييه بأنه"يولد الاحباط والاهانة". وبالإضافة إلى عزم فرنسا على لعب دور في هذه المنطقة، فإن ولع الوزير بأوروبا يجعله يولي اهتماماً كبيراً لاعطائها دور لا بد منه بنظره في المنطقة. ولدى بارنييه قناعة بأن أوروبا موحدة في ما يتعلق بالنزاع في الشرق الأوسط، على رغم انقساماتها ازاء الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق. ويرى أنه ليس ممكناً بناء أوروبا سياسية ودفاعية من دون بريطانيا، وأنه من الصعب تصور سياسة أوروبية في الشرق الأوسط من دون بريطانيا على رغم اختلافها مع فرنسا حول العراق. ولدى بارنييه همة واندفاع حيال لعب مصر لدور تفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهو توجه إلى المنطقة ليستمع إلى الصعوبات الضخمة التي تعيق مسيرة السلام والتي يعرفها رئيسه جاك شيراك معرفة عميقة، كونه يتابع بدقة ومنذ سنوات تفاصيل أحداث المنطقة. وبارنييه الأوروبي من أقرب المقربين من رئيس الحكومة الفرنسي جان بيار رافاران، وهو راغب أيضاً بالنجاح في مهمة تنفيذ سياسة شيراك، ويتكلم بفخر عن جذور عائلته التي عاشت في منطقة الشرق الأوسط، ففاجأ بعضهم عندما قال خلال مؤتمره الصحافي في القاهرة ان جده عمل طبيباً في مصر لمدة 15 سنة، وان والدته أقامت فيها. ولم يخف لبعض الصحافيين الذين رافقوه أن جدته أقامت في سورية، وانه كان عضواً نشيطاً في مجلس إدارة جامعة القديس يوسف في لبنان الذي كان يزوره مرتين في السنة. فبارنييه أوروبي وإنما يوجد في شخصيته الولع الشرق أوسطي الذي ميّز أكثر من وزير خارجية فرنسي. ولديه، إلى جانب ذلك، عزم على تحريك مسيرة السلام ينطلق من كونه في بداية مهمته وخبرته في التصدي لسياسة رئيس الحكومة الإسرائيلي ارييل شارون. أراد شارون عرقلة زيارة الوزير للمنطقة، وهو يعرف جيداً أن سياسة شيراك وأوروبا تعتبر أن المحاور باسم الشعب الفلسطيني هو رئيس السلطة الفلسطينية، وأن أي زيارة لمسؤول فرنسي رفيع للمناطق الفلسطينية ستكون أولاً لياسر عرفات. وبارنييه سيلتقي عرفات في رام الله في 29 حزيران يونيو الجاري، على رغم شروط شارون. وكان الفريق الإسرائيلي المفاوض مع فرنسا للإعداد لزيارة بارنييه لإسرائيل والمناطق الفلسطينية، أكد أن شارون لن يستقبله طالما هو مصرّ على لقاء عرفات. وعلى رغم ذلك، أصرت الديبلوماسية الفرنسية على زيارة عرفات والقول إن بارنييه سيتوجه لاحقاً إلى إسرائيل. والعرقلة إذن بدأت قبل وصول الوزير الفرنسي إلى المنطقة. وإذا أرادت فرنسا لعب دور في مسيرة السلام، فإن العرقلة الشارونية ستستمر، كون شارون أظهر للعالم عدم رغبته بسياسة متوازنة مثل السياسة الفرنسية. فهو يعمل باستمرار على إثارة المشاكل مع فرنسا، سواء عبر حملات لحض اليهود الفرنسيين على الهجرة إلى إسرائيل أو عبر السماح لبعض وزرائه بنعت فرنسا بالعداء للسامية. وهل يمكن لأحد أن ينسى زيارة شيراك للقدس في عهد بنيامين نتانياهو، حيث اساءت القوات الإسرائيلية التعامل مع الرئيس الفرنسي بحجة حمايته؟ وعلى رغم كل شيء، تريد فرنسا السعي للعب دور وتحريك الأمور على الصعيد الفلسطيني - الإسرائيلي، لأن خطورة هذه الأزمة امتدت إلى الساحة الداخلية الفرنسية، حيث الجالية العربية الأصل مشحونة بالغضب من جراء التصرف الإسرائيلي. وبارنييه توجه إلى الشرق الأوسط باندفاع وعزم، ولكن السؤال هو إذا كان سبب ذلك هو أن خبرته في الشرق الأوسط ما زالت ناشئة.