منذ تولي الرئيس الفرنسي جاك شيراك منصبه عام 1995، يحاول الحزب الديغولي الذي يتزعمه تحسين العلاقات الفرنسية الاسرائيلية. وكان الحزب بدأ محاولته هذه في ظل التعايش بين الرئيس الراحل فرنسوا ميتران والحكومة اليمينية التي ترأسها ادوارد بالادور وتولى منصب وزير الخارجية فيها آلان جوبيه الصديق المقرّب من شيراك. لكن المحاولات المتتالية أدت دائماً الى الفشل لأن سياسة فرنسا تستند الى العدل والشرعية الدولية في ما يخص الصراع العربي الاسرائيلي. فشيراك ووزراء خارجيته، سواء كان الاشتراكي هوبير فيدرين ام الديغولي الحالي دومينيك دو فيلبان، أكدوا باستمرار ان السلام والامن لن يتحققا في الشرق الاوسط إلا عبر سلام يرتكز الى القانون الدولي واقامة دولة فلسطينية قابلة للعيش الى جانب دولة اسرائيل. وخلال المؤتمر الصحافي مع الرئيس الاسرائيلي موشي كاتساف الذي يزور بارس، قال شيراك ان زيارة الدولة هذه تهدف الى تحسين العلاقات الفرنسية الاسرائيلية. ففرنسا تريد ان يكون لها دور مع الاسرائيليين بهدف اسماع رسائلها المتعلقة بالسلام، وتريد ايضاً طمأنة جالية يهودية فرنسية مهمة على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الانتخابي، لكون فرنسا صديقة لاسرائيل. الا ان زيارة كاتساف والسجاد الاحمر الذي فرشته له فرنسا اكثر فعالية وتأثيراً على صعيد الجالية اليهودية الفرنسية، مما هي على صعيد اسماع الرسائل السياسية الفرنسية للقيادة الاسرائيلية. فالرئيس الاسرائيلي لا يملك النفوذ او السلطة التي تمكنه من اتخاذ القرارات السياسية. والعلاقات الفرنسية - الاسرائيلية تتسم دائماً بالتشكيك من الجانب الاسرائيلي، نظراً الى عدم استعداده للاستماع الى موقف عادل محق بالنسبة الى الصراع في الشرق الاوسط. الحكومات الاسرائيلية المتتالية افتعلت جميعها مشاكل وتوترات مع الرئيس الفرنسي. فعندما قام شيراك بزيارته الشهيرة الى القدس، في عهد حكومة بنيامين نتانياهو تعمدت القوات الاسرائيلية استفزازه، بعملها على محاصرته خلال سيره في شوارع المدينة في محاولة لإذلاله وانتهت زيارته بذكرى مريرة لاستقبال اسرائيلي بعيد كل البعد عن اللياقة. وجاءت بعد ذلك المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي رعتها وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبرايت في مقر السفارة الاميركية في باريس، ولم تتوصل الى نتيجة. فشن رئيس الحكومة الاسرائيلية في حينه، ايهود باراك، حملة على شيراك واتهمه بأنه وراء افشال محادثاته مع عرفات برعاية اولبرايت. وعمل وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم اخيراً، على شن حملة دعمتها الصحافة الاسرائيلية، وصف فيها شيراك بأنه معادٍ للسامية، مما جعل الرئيس الفرنسي يعدل عن استقبال شالوم ورئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون ما لم تعتذر السلطات الاسرائيلية على اتهامها المغرض. ولسوء الحظ فإن اسرائيل لا تريد الاصغاء الى فرنسا ولا التجاوب مع سياسة فرنسية تدعو الى تفكيك المستوطنات وتعتبر ان الخط المعتمد للجدار الامني غير شرعي وتطالب كما فعل شيراك خلال لقائه كاتساف بتطبيق خريطة الطريق. ويدرك شيراك جيداً ان الوضع في المناطق الفلسطينية قلق وخطير وان سياسة شارون الامنية لا تؤدي الا الى مزيد من التدهور. كان دو فيلبان ابلغ وزير الخارجية الاميركي كولن باول، بضرورة وقف خطوات شارون الاحادية والعودة الى خريطة الطريق، الا ان الجانب الاميركي داعم لخطوات الحكومة الاسرائيلية خصوصاً في الظروف الانتخابية الحالية. والادارة الاميركية اغفلت حتى ذكر الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي في مبادرتها من اجل الشرق الاوسط الكبير، كما لو ان الاراضي الفلسطينية تبدو في انظار صانعي السياسة في الادارة الاميركية وكأنها مُحيت من الوجود أو لم تعد على "الخريطة". فرنسا قلقة من المستقبل ومن ابتعاد الوضع عن استحقاق الدولة الفلسطينية الذي كان الرئيس الاميركي جورج بوش حدد له موعداً في السنة 2005. ولذا فإن التوقعات الفرنسية متشائمة، وترى ان الوضع يتجه نحو المزيد من العنف والحروب، وتحسين العلاقات مع اسرائيل الصماء، لا يجدي الا على صعيد الجبهة الفرنسية الداخلية، حيث لاصدقاء اسرائيل وزن كبير على صعيد الاعلام وعلى صعيد الحياة السياسية للبلاد.