«الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على عدد من المناطق    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    الجسر الجوي الإغاثي السعودي إلى لبنان يتواصل بمغادرة الطائرة الإغاثية ال 20    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    الإعلام السعودي.. أدوار متقدمة    المريد ماذا يريد؟    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    إيلون ماسك: خطط خارقة للمستقبل    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    القبض على مخالفين ومقيم روجوا 8.6 كيلو كوكايين في جدة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    البنوك المركزية بين الاستقلالية والتدخل الحكومي    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    السينما السعودية.. شغف الماضي وأفق المستقبل    اللسان العربي في خطر    234.92 مليار ريال قيمة ترسية المشاريع    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    «متمم» يناقش التحوُّط المالي في المنشآت التجارية    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    «الجناح السعودي في اليونسكو» يتيح للعالم فرصة التعرف على ثقافة الإبل    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التعاطي مع الواقع    القابلة الأجنبية في برامج الواقع العربية    الثقة والصلاحيات    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    وزير الحرس يحضر عرضًا عسكريًا لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الكورية    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    محافظ الطائف يعقد اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمير تبوك يستقبل القنصل الإندونيسي    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غاب الشعراء عن «سوق عكاظ» وحضر ربيع العرب

غاب الشعر والشعراء هذا العام عن مهرجان «سوق عكاظ»، لكن حضر «الربيع العربي» وكذلك التكنولوجيا. فالمهرجان، الذي اختتمت دورته الخامسة قبل أيام، قرر حجب جائزة «شاعر عكاظ»، لتدني مستوى الشعراء الذين ترشحوا للجائزة، وتعويضاً لهذا توقع عدد من المثقفين السعوديين، أن يدعى شعراء بارزون إلى المهرجان، لملء الفراغ الذي سيتركه غياب «شاعر عكاظ». غير أن لائحة المدعوين خلت من أي شاعر بارز، عدا الشاعرة التونسية آمال موسى، التي شوهدت طوال أيام المهرجان، وهي ترتدي البالطو الأسود (العباية النسائية السعودية)، وفي أمسيتها الشعرية تمردت عليه، وقرأت شعرها، من دونه، في كامل أناقتها التونسية. إلى جانب آمال موسى لقي شعر العمانية بدرية الوهيبي اهتماماً ملحوظاً. وعدا هذين الاسمين النسائيين، افتقرت المشاركة الشعرية إلى شعراء يتمتعون بتجارب عميقة وحساسيات شعرية مميزة.
حجب جائزة «شاعر عكاظ» التي تقدر قيمتها ب300 ألف ريال سعودي (80 ألف دولار)، أثر بالتأكيد في المهرجان، وأربك خطوات تطوره، بخاصة أن الدورة الماضية، التي حاز الجائزة فيها الشاعر اللبناني شوقي بزيع، اعتبرت الانطلاقة الفعلية لهذا المهرجان، لذلك سعى المنظمون إلى ابتكار بدائل لكنها لم تحظ باهتمام كبير، مثل إدخال محاضرات حول «تقنية النانو» وأخرى عن التكنولوجيا، «سعياً إلى استشراف المستقبل، ونقل المفاهيم والعلوم المستقبلية لرواد السوق».
طبعاً رفض المنظمون الاعتراف بتأثير حجب الجائزة، وألقوا باللوم على الشعراء أنفسهم الذين لم يرشحوا أنفسهم للجائزة وكذلك على الجهات المسؤولة عن الترشيح. أما الشعراء السعوديون فمثّل لهم الحجب صدمة، فالبلدان العربية، فضلاً عن السعودية نفسها، يوجد فيها شعراء كبار يستحقون نيل الجائزة.
الشاعر شوقي بزيع في تعليقه على حجب جائزة «شاعر عكاظ» اعتبر نفسه فائزاً بالجائزة في سنتين متتاليتين. وأشار إلى أنه لم يأخذ كلام وزير الثقافة والإعلام الشاعر عبدالعزيز خوجة على محمل الجد، حين ذكر، في حديث صحافي على هامش الدورة الماضية من المهرجان، أنه وضع بفوزه سقفاً عالياً للمترشحين للجائزة من بعده، واعتبره مجاملة من صديق. قال: «قد تقودني نرجسية الشاعر للوهلة الأولى إلى شعور لشيء من الزهو نتيجة لحجب الجائزة هذا العام، بما يجعلني أشعر بأنني منحت الجائزة عن سنتين متتاليتين، ولكن هذا الشعور ثانوي بالنسبة إلي، لأنه سرعان ما يخلي مكانه، لأسئلة أكثر عمقاً، تتعلق بأهلية الكثيرين من الشعراء العرب، لنيل هذه الجائزة».
في لقاء جمعه بالضيوف والمثقفين، في مقدمهم وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة، قال رئيس اللجنة المشرفة على «سوق عكاظ» الأمير خالد الفيصل، إن السوق «ما كانت لتكون لولا الضيوف الذين شاركوا فيها من الأدباء والمثقفين والمفكرين والشعراء». وأضاف مخاطباً إياهم: «أنتم سوق عكاظ، أنتم بدايته ونهايته، كلما زاد اهتمامكم به زاد رفعة، وكلما زادت مشاركاتكم ومساهماتكم الثقافية فيه زاد ثراءً، فشكراً لكم من الأعماق على حضوركم ومساهمتكم».
ولئن غاب «الربيع العربي» عن عناوين المهرجان ومحاضراته، فإنه في المقابل حضر بقوة في النقاشات الجانبية بين المثقفين على هامش المناسبة، التي حضرها عدد كبير من المثقفين والمهتمين، بخاصة من السعوديين. وألح عدد من ضيوف المهرجان على ضرورة أن تتحول المهرجانات الثقافية من كونها مناسبة لجمع الأدباء وتقديم أبحاث ودراسات إلى فاعلية حيوية، تأخذ في الاعتبار التحولات التي تشهدها المنطقة. وأكدوا أن «الربيع العربي» ألقى بظلاله على كل مناحي الحياة العربية، فكيف بالجانب الثقافي، الذي لا يقل أهمية وخطورة في تشكيل الوجدانات والوعي. فالتغير الذي طرأ على المشهد الاجتماعي عربياً، وأحدث الصدمات في العقل والوعي العربي، لا بد من أن يصحبه، في رأيهم، تحول جذري في التعاطي مع الثقافة.
ولم تكن «سوق عكاظ» هذا العام للشعر فقط، إنما أيضاً قدمت تجارب في الرواية والنقد، شهدت حضوراً جيداً من المهتمين، فتحدث الناقد السعودي محمد العباس عن تجربته النقدية، فقال إن النقد بالنسبة اليه فعل حب يطل من خلاله على الإنسان، بما هو صانع تاريخ الأفكار وراسم ظلالها الجمالية، «وبموجب هذا التصور، لا أكتفي بالبحث عن المعنى في اللغة وحسب، بل أتجاوز ذلك الحيز إلى وساعات التجربة الإنسانية»، مشيراً إلى أن تموضعه الدائم قبالة النصوص، يجعله «مهجوساً بأن تكون لي وقفة من الحياة الممثلة في نص. وقفة شكاكة، وغير عابئة بالميتافيزيقي، فهذه هي طبيعة النقد، المنبثق من وجهة نظر ارتيابية، ضدية، اختلافية، تعددية، متشظية، ومعادية لحس المحافظة». وأوضح صاحب «نهاية التاريخ الشفاهي» أن طريقة سجاله ومنسوب نبرته وطبيعة عباراته وأسلوب معالجاته، تفصح عن هويته الاجتماعية التي لا يرى لها محلاً إلا خارج أقفاص الامتثال.
أما الروائي السوري نبيل سليمان فتطرق إلى الأحوال التي انبثقت خلالها رواياته، وكيف راح يكتبها. وقال إن الكتابة علمته مبكراً ما لم يتعلمه من المرأة إلا متأخراً، «إن أغمضت طقوسية أي منهما، فلا جدوى من العناد ولا التملق ولا اللجاجة ولا التذاكي. لذلك ما إن تبدأ (العصلجة) حتى أتوقف، وقد ألجأ إلى المشي، إلى ما ألفت منذ الطفولة من أخيولات وأحلام اليقظة في المشي أو قبيل النوم، وقد ألجأ إلى قراءة الشعر، أو إلى ألبومات من الفن التشكيلي...»، لافتاً إلى أن كل ذلك يكون في الكتابة الأولى، «وفيها، وفي تاليتها، ثمة طقس لا يفارق، وهو الصمت والعزلة، سواءً تحقق على بلكونة المطبخ أو بين يدي البحر أو في غرفة ضيقة من فندق». ويقول صاحب «حجر السرائر»: «في هذا الطقس تأتي الصدفة العارية، الصدفة الاستفزازية، الصدفة التي لا ترحم، فيتخلخل التصور الأولي للرواية، أو ينتقض وأنت تكتبها... وربما كان ذلك لأنني كنت مهجوساً، أو مهووساً بالاختلاف عما كتبت من قبل، بل - ويا للغرور - بالاختلاف عما كتب سواي. إنه الهاجس والهوس الممض مع كل رواية كتبت، منذ روايتي الثانية «السجن». ويوضح حول روايته «مدارات الشرق»، فيشير إلى أنه لولا «القراءة ما كانت، تماماً كما أنها ما كانت لتكون، لولا أني بلغت الأربعين متفجراً بأسئلة الانهيارات التي تطوّحني من مكتبي إلى أقاصي الكون، كأن نهاية القرن العشرين هي بدايته». فيما تحدث الدكتور محمد زكريا عناني حول تجربته في ترجمة النصوص والقصائد الأجنبية والنثر إلى العربية. واستعرض الخلافات بين الآداب المختلفة وطرق ترجمة القصائد الشعرية، ومراعاة حالتها، وعدم فقد محتواها من الرموز والمدلولات.
وقال الناقد صلاح فضل إن الأيديولوجيا سيطرت في الستينات على النقد، «إذ هيمنت تيارات بعينها، وأصبحت المذهبية سائدة في نقد الشعر، فهذا رومانسي وذاك واقعي والرابع بنيوي والآخر تقليدي»، مؤكداً أن ذلك يكشف أن المذهب كان هو المسيطر بامتياز لدى النقاد في النظر إلى الشعر والحكم عليه. ورفض تصنيف نفسه بالانتماء إلى تيار أو سواه. ويشير إلى أنه لم يكن هناك تصنيف منهجي، يضم سلالات الشعراء واتجاهاتهم، الأمر الذي دفعه إلى طرح نظريته في الشعرية، التي حاول أن يجيب من خلالها عن سؤال: ما الشعر؟ ليصل إلى أنه يتكون من بنى عدة، متداخلة هي بنية الإيقاع، والكثافة والتشتت، إلى أن انتقل إلى منهج تحليل النصوص في تحليل تحولات الشعرية العربية». وتوقف الروائي الأردني سليمان القوابعة، عند ذكرياته الأولى في قرية «الطفيلة» الأردنية، وتناول في ورقته تجربته مع الجزائر، مشيراً إلى أنه عندما عاين ما يجري في وهران وعدد من مناطق الجزائر، وتحديداً في عام 2007، استطاع أن يكتب روايته «حلم المسافات البعيدة»، والتي قال إنه مارس فيها تقنية الرسائل الرافدة للحدث.
وفي ندوة حول «الإعلام العربي وتحديات المستقبل»، اتفق رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» محمد التونسي ورئيس تحرير «الحياة» المساعد الزميل جميل الذيابي، على تعيين جملة من التحديات، اعتبراها تواجه الإعلام في الوطن العربي، في حال بقي ولم يبذل جهوداً ليطور من نفسه. وانتقد التونسي الإسراف في استخدام «الإعلام الجديد»، مشيراً إلى تعرض هذا المصطلح للخلط، معتبراً أن «الإعلام الجديد» يرتكز على «التفاعلية» بين الوسيلة الإعلامية والجمهور. وبدوره أجرى الذيابي مقارنة بين الإعلامين التقليدي والجديد، وقال: «إن الإعلام الجديد يشغلنا جميعاً بسبب الحالة التفاعلية». مضيفاً: «في هذا النوع من الإعلام شيء من الإنسان نفسه».
من ناحية أخرى، دأب المهرجان على تقديم مسرحية تستلهم حياة أحد أبرز شعراء الجاهلية، وكان شاعر هذه الدورة «زهير بن أبي سلمى»، وتمكن فريق العمل المسرحي، من أن يجعل من الجانب الإنساني في حياة الشاعر الجاهلي مدخلاً واسعاً إلى تاريخ مليء بالتعقيدات، منذ تلك اللحظة البعيدة إلى ما نشهده اليوم من حروب واعتصامات وثورات. ومن المعروف أن الشاعر، الذي ولد في عام 502 ميلادي في نواحي المدينة المنورة وعاش في نجد، واعتبر حكيم شعراء الجاهلية، وسميت قصائده بالحوليات، إذ إنه يكتب القصيدة في شهر ويبقى بشذبها طوال السنة، كتب معلقته في ظروف حرب البسوس، تلك الحرب الطاحنة والطويلة. ولئن لم تخلُ المسرحية، التي كتب نصها شادي عاشور وأخرجه رجاء العتيبي، من ترديد فكرة «المؤامرة» و «التدخل الأجنبي» في إشعال الحروب والمعارك، الفكرة الرائجة دوماً في المحيط العربي، فإن البعد الدرامي في شخصية الشاعر إضافة إلى ما مثله من رمز للسلام، جعل من المسرحية وكأنها رسالة سلام إلى العالم، ودعوة إلى التئام الصف العربي وتماسكه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.