كان توفيق الحكيم عميد المسرح العربي فناناً غريب الأطوار. اشاع عن نفسه في بداية حياته الأدبية أنه عدو للمرأة... ولم يكن الرجل عدواً للمرأة ولا كان عدواً للرجل. ان مسرحية شهرزاد تقطع بأنها تنظر الى المرأة نظرة إكبار، فقد نجحت شهرزاد في مسرحيته ان تقلب مفاهيم شهريار، وان تحوله من سفاح له كل ليلة عذراء وله في كل فجر ضحية الى رجل مختلف، كفّ شهريار عن سلوكه في القتل وتحول الى عقل يسأل عن حكمة الاشياء ومآلها. انتقل شهريار من الفعل الى الفكر، كان يريد أن يستمتع فأصبح يريد أن يعرف... وكانت شهرزاد وراء هذا الانجاز. كيف يمكن القول بعد هذا ان الحكيم كان عدواً للمرأة. في ما بعد.. سألته عن سر هذا العداء للمرأة، فقال إنها حيلة هدفها إبعاد المعجبات من طريقه وتمكيناً للمثل العربي الذي يقول "ويل للشجي من الخلي". ايضاً أشاع الحكيم عن مسرحه أنه مسرح فكري يُقرأ ولكنه لا يُمثل. وكان هذا غير صحيح، وقد شرح لي الحكيم سر هذه التسمية، فقال: ظهر مسرح الحكيم في فترة كان السوق المسرحي يضم مسرح يوسف وهبي. بما فيه من تراجيديات عنيفة، ومسرح نجيب الريحاني بما فيه من كوميديا بارزة، وكان هذان المسرحان قد استوليا على جمهور المسرح، ولم يكن امام الحكيم أي فرصة في منافستهما، ولكي يخرج الحكيم من هذا المأزق، تكلم في حديث صحافي عن إبداعه فشرح أن مسرحه لا ينتمي الى التراجيديا ولا ينتمي الى الكوميديا وانما هو مسرح فكري بحت، يمكن القارئ ان يقرأه وليس من الضروري أن يمثله الممثلون على خشبة المسرح. وراجت هذه الاشاعة الى أن اكتشف النقاد والممثلون أنه مسرح يصلح للتمثيل كما يصلح للقراءة شأنه شأن أي مسرح حقيقي. كان توفيق الحكم يزور الريف يوماً... أعجبه حمار يقع لونه بين الابيض والاسود، ويقع عمره بين الجحش والحمار. سألوه: ما الذي تنوي فعله بهذا الحمار. قال: سأشترك معه في حوار حول كثير من الأمور... من يدري... لعله يسهم في حل بعض الازمات التي يعاني منها المجتمع... وبدأ الحكيم يكتب تحت عنوان حماري قال لي... كتب في السياسة... وكتب في الفن.. وكتب في الفلسفة، وكان يشيع في كتابته تياراً من السخرية الرفيعة التي تلسع برفق بالغ أكثر مما تجرح. ومرت كتابته من الرقابة لأنها ليست رأيه هو وإنما هي رأي الحمار، والحمار إن قال رأياً فلا ينبغي ان يُلام عليه وهو رأي مهما صدم افكار الناس إلا أنه يضحكهم في البداية والنهاية، وبالتالي يتقبل الناس أفكاره مهما كانت غرابتها. لا نعرف من الذي أشاع عن الحكيم أنه بخيل، ربما يكون هو الذي أشاع الفكرة ورآها الحكيم مريحة فلم يكذبها ولم يصدقها... وعلى رغم أن الحكيم ترك خمسين كتاباً معظمها مسرحيات، إلا أنه عاش فقيراً ومات فقيراً، وقد باع في آواخر أيامه للإذاعة قصة "رصاصة في القلب"، وهي قصة تحولت الى ثلاثين حلقة اذاعية كان أجره عنها ألف جنيه أو 150 دولاراً. وكان هذا أكبر أجر حصل عليه.