ميوشيا برادا اسطورة ايطالية حية وصلت حقائبها وأحذيتها وفساتينها الى أقاصي الأرض. منذ 1988 عندما بدأت برادا توقع ازياءها النسائية برهنت عن قدرتها على ابتكار تقاليع مثيرة للجدل وبالتالي للرواج، علماً أن حكايتها ولدت من تصميم حقيبة يد لا أكثر ولا أقل. وهذا العام استوحت برادا تصاميمها من عالم الكومبيوتر والخط الدقيق الفاصل بين ما هو واقعي محسوس وبين المتخيل الالكتروني. أمضت ساعات طويلة أمام الشاشة الصغيرة تتفرّج على الألعاب والشخصيات الممكنة، متأملة طرق تحريكها، ثم استعملت تقنية الطباعة المتطورة لتحويل التجربة الى أزياء. وتقول برادا: "مع انني أكره كلمة "موضة" لكنها في النهاية واقع مهنتنا، فهي تعني الزيّ المطوب ترويجه تجارياً. وهنا سبب عذابي، فأنا أواجه ثلاثة أسئلة: هل أحب هذه الملابس؟ هل ستلقى اقبالاً؟ هل هي جديدة؟ وكل واحد من هذه الأسئلة يختلف تماماً عن الآخر. لكن عليّ العثور على أجوبة مناسبة من دون السقوط في العادي والمكرر، أي ان أوفّق بين ما أريده وبين ما تريد قوة السوق الحصول عليه. تعمل برادا بأسلوب يختلف عن كل المصممين المعروفين. لديها فابيو زامبرناردي، مديراً للقسم الفني والتصاميم، يدها اليمنى وكل أصابعها في يديه، فهي لا ترسم ولا تمسك مقصاً ولا تشك أبرة، فقط تتكلم، تصف، تضع صوراً وأفكاراً وألواناً وأنواع أقمشة، وزامبرناردي يرسم ويعكس مخيلتها، أحذية وشالات وملابس وحقائب، طبعاً إلا أن فابيو ليس الة تنفيذ وحسب. "أحياناً"، تضيف برادا، "نختلف في وجهات النظر. أنا أحب الأقمشة الثقيلة، بمعنى الغنية والمكثفة، أما هو فيحب الصفاء والرقة... نختلف لكننا نلتقي في الحل الوسط". هدف برادا ليس جسم المرأة بل عقلها. لذلك فهي لا تبتكر ملابس وقحة في شكل عدائي مثل دوناتيللا فيرساتشي، ولا تهتم بإعادة خلق الكلاسيكيات مثل آرماني، إضافة الى انها لا تصمم "الكواشف" مثل جون غاليانو أو طوم فورد. بل ربما يعتبرها بعضهم غريبة، وأحياناً باعترافها، غير جذابة. "عندما لا تكون الملابس كاشفة تمنحك الحرية لكشف افكارك"، تقول برادا وتضيف: "لا أريد لنسائي أن يبدون مثل كاريكاتير. يقال انه على الملابس أن تكون مثيرة. نعم، على ما أظن. لكن هدفي هو الاثارة المختلفة. وذلك ليس سهلاً. والواقع ان ما يهمني هو البحث عن الأصالة، وتأكيد الفارق بين الأصيل والمزيف". عام 1913 افتتح جدها، ماريو، محلاً لبيع المصنوعات الجلدية في ميلانو. وبعد خمس سنوات انتدبته العائلة الملكية لتصنيع حقائبها وصناديقها من انواع الجلود والأقمشة الثمينة كافة. وحافظت ميوشيا على ذلك المحل الذي يضم اليوم إرث العائلة وتباع فيه أثريات حرفية باهظة الثمن. وتقول برادا ان طفولتها كانت مضجرة، إذ كان والداها صارمين فوق العادة. وحينما بلغت الخامسة عشرة في الستينات بدأت تثور وتتمرد لأن والديها اراداها ان ترتدي ملابس جدية: "أما أنا فكنت أحلم باللون الوردي، ورديّ من الأحذية الى الملابس الداخلية الى كل شيء. وهكذا بدأت أبتكر ملابسي بنفسي، أو أشكّل من مبتكرات سان لوران وبيار كاردان، اضافة الى بعض الأزياء الانكليزية. كنت دائماً أطلب الأولوية. وكنت أعشق البزات. يمكنك أن تتخفى في البزة. وأنا أحب الاختباء وراء الشكليات". بعدما انهت دراستها الثانوية دخلت الجامعة في ميلانو حيث درست العلوم السياسية، ثم انخرطت في الحزب الشيوعي، ففي الستينات كان الحزب في ايطاليا "مما لا بد منه" لمعظم الجيل الصاعد خصوصاً أبناء الطبقة المتوسطة. مع ذلك فخلال التظاهرات كانت تخرج بكامل أناقتها رافضة ارتداء "الجينز" على غرار أترابها. "كنت أكره الذين يرتدون الجينز وهم يعلمون انه لا يليق بهم. وأنا لم أملك في حياتي سوى جينز واحد صممه فيوروتشي". حصلت برادا على دكتوراه في العلوم السياسية، إلا أنها بدأت تتدرب في "بيكولو تياترو" على التمثيل الإيمائي: "في تلك السنوات كنا نحب كل غريب. وعلى رغم جسارتي الخارجية كنت فتاة خجولة وجدت في الفن الايمائي طريقة للتعبير عن نفسي. أحببت تلك التجربة كثيراً وبقيت ضمن إطارها لخمس أو ست سنوات. إلا أن أهلي منعوني من الاستمرار في العمل المسرحي، فتركته على مضض". في تلك الأثناء كانت الثورة النسوية في أوجها وبات دور المرأة في المجتمع هاجساً كبيراً نسبة الى برادا. في البداية اعتبرت مهنة الأزياء غير لائقة بأفكارها التقدمية، لكنها شعرت بالحاجة الى العمل ولم يكن أمامها سوى محل العائلة: "لم أكن أحب عملي هناك، نظرياً. لكنني في الواقع كنت أجد لذة عملية في ممارسته، وحتى اليوم لست ممتنة من نفسي مئة في المئة، لذلك تراني أقوم بكل هذه الأشياء، هرباً من الرتابة". عام 1978 التقت برادا في معرض تجاري في ميلانو، فابريزيو بيرتيللي الذي كان يملك معمل جلد في توسكانا وكان يصدّر ما اعتبرته آنذاك حقائب يد رخيصة. هكذا دخلا في نقاش حاد كان أبعد ما يكون عن الرومانسية. مع ذلك اشتعلت الشرارة بينهما. وكانت برادا في تلك الأثناء أصبحت مديرة لمتجر العائلة. في المرحلة اللاحقة أخذ بيرتيللي على عاتقه تصنيع المبتكرات الجلدية لبرادا. في السنوات العشر اللاحقة ما انفك بيرتيللي يدفع برادا نحو المغامرة، ففي الأصل لم تكن مهتمة بأكثر من تصميم الحقائب. إلا انه أصرّ عليها ان تتجه نحو الأحذية فلما رفضت قال لها: "أوكي، سوف أجد شخصاً آخر في المؤسسة"، مدركاً انها لا تطيق المنافسة، مما أدى الى التزامها العمل، وهكذا حدث نسبة الى الملابس الرياضية، ثم الفساتين. وتقول برادا: "منذ عشر سنوات لم نكن نعرف الكثير عن الفن التشكيلي. إلا اننا كنا محاطين بأولئك الفنانين الرائعين الذين لا يلهجون بشيء آخر ولا يعيشون إلا للفن. رويداً رويداً تورطنا في عالمهم الى أن بدأنا نفهم قليلاً". وفي العام 1995 أطلق الزوجان "فوندازيوني برادا"، وهي فضاء تشكيلي لعرض اللوحات الحديثة في ميلانو: "مرة أخرى، حدث ذلك بمحض المصادفة. أحد أصدقائنا الرسامين جاء بالفكرة فانطلقنا بها مثل طابة الى آخر الملعب. صحيح ان المعرفة الفنية من شأنها اثراء النظرة الى الابداع عموماً، لكن بعضهم يضحكني إذ يعتبر ابتكار الأزياء فناً. تلك سخافة، فعندما أشتري قطعة فنية أريدها على حدة، بعيداً من التأثير في عملي. نحن حرفيون، لا أكثر"، تقول برادا. وبرادا اليوم في الثالثة والخمسين من عمرها، لها صبيان، وتعيش في عمارة في وسط ميلانو، هي أيضاً من إرث العائلة، ويقطنها افراد العائلة، بمن فيهم أمها البالغة من العمر 85 سنة.