على مرأى ومسمع من العالم المتفرج بين صديق مخدوع، وعامي تائه، وحارس مخدر بسحر الاعلام المضلل، تم التوقيع، تحت الاكراه، على شيكات الانفصال المؤجل الدفع المؤرخ له بالصرف او الاستحقاق بعد ست سنوات من تاريخ صدور الشيك، او الاعتماد المؤجل الدفع ضد المستندات المبينة في العقد، وهي عدم وفاء الطرف الاول بالشروط ورغبة الطرف الثاني التي يستحق بها الشرط الجزائي كذلك. هذه المبايعة ضمن الصفقة الخاسرة والتجارة البائرة اشترى بها النظام السوداني المتطرف سلامة رموزه الحاكمة، ويتم الدفع من حساب الشعب المكره، فباع النظام وحدة البلاد، واستخدم سحره ليفرق بين المرء وزوجه، واخوة السودان بين شماله وجنوبه، ليسدد بذلك فاتورة أفعاله خلال خمسة عشر عاماً، والتي يعلم انها لا تغتفر من قبل الشعب اذا انتصر. ذلك الوضع غير قانوني، وبيعته تمت تحت الضغط المتواصل والابتزاز المتواتر الذي اضطر النظام ليبيع البلد وشعبه لارضاء من يبتزه بجرائره. والنظام فعل من الافاعيل ما لا يجعل له اي فرصة في البقاء اذا نجح الشعب في مساعيه لاسقاطه، وأيقن ان نوعية الجرائم التي ارتكبها في حق افراد الشعب لا تغتفر، وليس له الحق في ان يتنازل عنها لأنها حق افراد، ولا تسقط حقوقهم بالتقادم. ولهذا لن يجد النظام اي فرصة للتعايش مع الشعب مستقبلاً في اي نظام جديد، فأصبح أمره "أكون او لا أكون"، اي إما السلطة أو الهلاك، مما اضطره للتنازل عن بعض الوطن، بل باع الوطن والمواطن لتبقى رموزه. واما بعض الجهات الانتهازية فقبلت ببقائه في السلطة مقابل ان يعمل لصالحها هي، وليس للشعب السوداني، ولينفذ رغباتها التي منها فصل الجنوب عن السودان الموحد. اما الاخوة في الجنوب، وخصوصاً "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، فأصبحوا بين مشاعر الابوة للمربين والرعاة، وهم ضمن الوسطاء، وبين الضغوط والوعيد، فرضوا بالانفصال الذي ظلوا يرفضونه اربعة عشر عاماً. فقد وافق الطرفان على الانفصال لأجل البقاء على حساب غيرهما، وكل منهما يعلم يقيناً ان علاقتهما زواج متعة اتفق الطرفان على انهائها، وأن آخر المطاف هو الانفصال. لكنهما يتكتمان عليه حتى لا يعترض الشعب، او تعترض مصر والدول العربية وغيرها من اصدقاء الشعب السوداني وشركائه في المصالح والمصير. فالهروب من اعلان عبارة الانفصال لا يجعلها وحدة في الصمت، كما ان تسمية الخمر خلاً لا تغير في حكمها. فإن حق تقرير المصير بعد ست سنوات هو في الاصل سعى اليه بعض الوسطاء منذ عام 1955 قبل الاستقلال بعام، ثم فرضوه عليهم اخيراً لما ساعدت الظروف على ذلك. واستخدمت عبارة تقرير المصير بدلاً من الانفصال اللفظ المخيف. والتوقيع عليه بمثابة خطاب اعتماد مؤجل الدفع ضد المستندات. واما المستندات والوثائق المطلوبة لصرف الاعتماد فهي شهادة بحدوث خرق من النظام تكفي لصرف الاعتماد. وقد يساعد بعضهم في الاعداد لذلك الانفصال باغراق الجنوب بالمساعدات، في المدة الانتقالية، ثم يقول: ماذا تريدون؟ هذه الحياة سنواصلها معكم إن اخترتم، أم تريدون قمع النظام. والأكيد انهم سيختارون اليد اللينة والحياة الهنيئة، واما من رفض منهم الانفصال سيقطع عنه الدعم، بل يقطع عنه الوتين، وما منكم من احد عنه حاجزين غير الله المعين حتى يكون على يقين، اما الانفصال او يكون من الهالكين. هذا ان ترك السيناريو على ما اعد له الانفصاليون ومن وراء الكواليس. لكن اذا بقيت في العالم عدالة، وتحرك الشعب في عجالة، وتضامنت معه قوات الشعب المسلحة في بسالة، سيبقى السودان موحداً وينتهي مسلسل العمالة. وإن تحركت عدالة العالم، على الأقل العربي والمحيط، يمكنها ان تشهد على ثلاث مسائل تجعل الاتفاق غير شرعي: 1- ان الموقعين على الاتفاق بهم علل تجعل الاتفاق غير شرعي، منها انهم لا يمثلون الشعب حقيقة لأنه غير راض، وفي أموره المصيرية يجب ان يستفتى على مستوى القطر والافراد في ظل نظام ديموقراطي خال من التهديد والوعيد، بما في ذلك اخواننا في الجنوب، فإننا نعلم ان معظمهم مع الوحدة اذا رفعت عنهم الضغوط. 2- ان التوقيع من الطرفين انتزع تحت الاكراه والابتزاز والتهديد بالاوراق التي تمسك عليهم. 3- عدم عدالة من يمثلون السودان في أموره المصيرية، بل في سفاهة احلامهم، وهو أمر يمنع حتى من التصرف في المال فضلاً عن الارض. فالله تعالى يقول ولا تعطوا السفهاء أموالكم، وقال تعالى فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل، وانظروا الى العدالة التي يشير الله لها في من يوقع. كيف يكون سلام وشعب البلاد مهمش مغيب، سواء بتجاهل النظام او حتى الوسطاء الذين قصدوا الانفراد بالمضطردين الضعفاء. أين السلام، ولمَ تحاور معظم الفصائل التي تحمل السلاح، وهي القوى في الشمال عند مركز الحكم، امثال عشائر البجا، اول من حمل السلاح في الشمال، وشعبه هو المهمش اكثر من الجنوب في بعض الصحارى والادغال؟ وأين قوات التحالف، والتحالف الفيديرالي والأسود الحرة، ورموز اخرى؟ وغرب السودان المسلح بأكمله، وفصيل الوطنيين الاحرار يعد نفسه للنزال في تحالف جديد يجمع قوى لم يسبق لها المشاركة في السابق؟ أين السلام في حين ان المعركة تنتقل كل يوم نحو الشمال ويدخل ساحة المواجهة كل يوم مزيد من الأبطال، والكل لم تشملهم وساطة الوسطاء؟ والوسطاء ماذا قدموا للشعب؟ هل أعطوه حقه في السلطة؟ هل ردوا عليه ما سلب من ممتلكاته، ام ارضوه على ما انتهك من حرماته؟ أم يريدون ان يمكنوا النظام اكثر على استعماره حتى يجد بعض الوسطاء حصتهم من خدماته وثمناً سياسياً لا يخص الشعب في حاجاته؟ هذا هو الواقع الذي يتحاشى ذكره كثر ممن يعرفه. ما هو العائد على الشعب من السلطة في هذا السلام المزعوم، اذا كانت القسمة الضيزى، والمشاركة السياسية مقسومة بين الحركة والنظام؟ وهم ذكروا جهة الشراكة صراحة، وقالوا "المؤتمر الوطني"، وهو الحزب الحاكم، ولم يقولوا: بين الشمال والجنوب، وشعب الشمال خارج القسمة وخارج الاتفاق. واما ما يكون من حصة الحكومة من الثروة فحكمه على الاصل، اذ ان الشعب لم يكن اصلاً له نصيب من الثروة مع النظام حتى قبل ان تقاسمه الحركة، منذ خمسة عشر عاماً عاشها الشعب في ضنك وجوع يشهد له العالم اجمع. واما السلطة فهي سلبت من الشعب بالانقلاب العسكري؟ وطرد منها، فأين السلام؟ فكيف يعطيه من سلبه حقه في السلطة؟ ان من يسمي ذلك الاتفاق سلاماً، فهو عدو واضح لشعب السودان، ويرى الشعب مشرداً جائعاً محبوساً مروعاً ومقتولاً ، وهو يقول له انت في سلام. عثمان حسن بابكر رئيس تجمع الوطنيين الاحرار السوداني [email protected]