تنطوي تجربة أديب الفتال على فضاء بصري خاص، سرعان ما يقود المتلقي الى عوالم منسية ومدفونة في دهاليز الذاكرة، فهذا التشكيلي السوري مشغول الى أقصى حالاته بنبش فضاء الطفولة، وكأنه لم يغادر حكايا الجدات وقصص "القصر المسحور"، و"سباق الأرنب والسلحفاة"، فهذه الحكايات التي بدا أنها انتهت الى الأبد أمام طغيان الصورة التلفزيونية، هي الأكثر سطوة على خيال أديب الفتال، وهو في معرضه الجديد "نمت فحلمت ان الحياة جميلة" الذي استضافته "غاليري نصير شورى" في دمشق أخيراً، لا يغادر هذه الفضاءات، إنما يقوم بتعزيزها، لتتحول الحياة برمتها الى حلم أو منام، أقرب ما يكون الى منامات "أليس في بلاد العجائب" حيث تتجاور حكايات متنافرة في نسيج واحد، عن طيور وأسماك وجمال وحمير وأشجار، ضمن بعد بصري واحد، إذ يلغي بقصدية واضحة الأبعاد الثلاثة للوحة، لتصير مجرد سطح أو مرآة تعكس تصورات اللحظة ونمو الحكاية أو انبثاقها من عمق الذاكرة النائمة على كم هائل من التصورات. والحال أن أديب الفتال يروي حكايات، أكثر من أنه يرسمها، خصوصاً أنه يستعمل أقلام الفلوماستر في خطوطه وألوانه، وهكذا فإن لوحة "ركب الدراجات في الخريف"، تأتي في سياق تذكارات بصرية عن طفولة بدا أنه لم يغادرها فعلاً، فالمنظور غائب تماماً هنا، وتالياً فإن تدفق الصورة التشكيلية يحضر كإجابة عن سؤال حائر: هل الحياة مجرد حلم، أم ان "أليس" ستستيقظ فجأة، وتكتشف ان الوقائع المسحورة لا تحدث إلا في المنام؟ أديب الفتال المولود في واشنطن من أبوين عربيين، أحدهما فلسطيني، ظل أسير القرى الفلسطينية، فهو يرسمها كترجيع لحكايات سمعها في طفولته، لذا لم يشوهها بالدمار والخراب، إنما أضاف اليها بريقاً سحرياً بألوانه المدهشة التي لم يخضعها للانسجام اللوني المعتاد، إنما بحسب ما تمليه عليه ذاكرته الطفولية والحاحها اللحظوي، فليس مستغرباً أن ترى لوحة عن قرية بالأبيض والأسود، أو بحراً بالأبيض، تسبح فيه الأسماك والطيور الملونة، ولا يمنع أن ترى جملاً أو حماراً يسوقه فلاح فوق جدار احدى البنايات الهرمية، حيث تتحول القرية بأكملها الى دائرة! وإذا كان الرسم الحديث يذهب باتجاه التجريد، فإن تجربة أديب الفتال تخضع لمنطق آخر هو مهارة البساطة لا مهارة التعقيد.