يعكس التحذير الذي أطلقه قبل يومين مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني، وتأكيده أن "إلغاء قانون الادارة الانتقالية سيعرض مستقبل العراق كدولة موحدة للخطر"، القلق البالغ الذي يشعر به الأكراد من احتمال أن يُضحى بهم - مجدداً - لتسوية أوضاع اقليمية، أو داخلية. وزير كردي اشترط عدم ذكر اسمه قال ل"الحياة": "كل مرة تقوم فيها دولة مركزية في بغداد ويكون هناك سعي إلى قوات عسكرية وأمنية لحماية دعائم هذه الدولة، يدفع الأكراد العراقيون الثمن. لكننا حريصون على ألا يحدث ذلك مجدداً، وألا يغمط حقنا في الفيديرالية واقامة كيان كردي يحافظ على خصوصيتنا". وشكل قرار مجلس الأمن الرقم 1546 الذي أغفل تبني قانون الادارة الانتقالية، وما يتضمنه من ضمانات للطابع الفيديرالي للدولة العراقية الوليدة، صفعة لآمال الاكراد العراقيين الذين حاولوا الضغط في الساعات الأخيرة التي سبقت صدور القرار، وإن كانوا يدركون أنهم خسروا في المعادلة الحالية قدرتهم على الضغط. ويرى مراقبون أن الرسالة التي وجهها بارزاني وطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني مباشرة إلى الرئيس جورج بوش قبل خمسة ايام وهددا فيها بامتناع الاكراد عن المشاركة في الحكومة المركزية اذا ألغي قانون ادارة الدولة، تشكل بداية مرحلة جديدة من التحرك السياسي الكردي في العراق. وتبنى قرار مجلس الأمن صيغة تخص العراق "الفيديرالي" و"الموحد"، في صورة ترضي مطالب الاكراد بتأكيد الطابع الفيديرالي، وفي الوقت ذاته مطالب المرجعية الشيعية التي تمسكت بوحدة العراق محذرة من اعتماد قانون الادارة الانتقالية كجزء من نص القرار 1546. وكان نيتشروان بارزاني، رئيس "حكومة أربيل"، أكد أن الأكراد لا يطلقون "تهديدات فارغة من المضمون" وأنهم سينسحبون من التشكيلة الوزارية، ويقاطعون الانتخابات. وتقول أوساط إن الأكراد الذين شعروا بأنهم امتلكوا في الفقرة "ج" من المادة 61 من القانون ضماناً يكفل لهم منع اقرار أي دستور جديد للعراق طالما لم يحظ بموافقتهم، يشعرون الآن بأنهم حرموا من ورقة سياسية ضاغطة تشكل صمام أمان لحماية تجربتهم، ونوع الحكم الذاتي الكامل الذي تمتعوا به منذ عام 1991. واستطاع الاكراد الذين حظوا على مدى أكثر من عقد بثقة كاملة من الأميركيين، أن يعززوا موقعهم الأمني والسياسي والعسكري والاداري في المؤسسات العراقية الجديدة. لكنهم يخشون الآن أن تزول هذه الانجازات في حال غلبت النزعة الرافضة للفيديرالية، والتي أدت مطلع هذه السنة إلى شبه طلاق بينهم وبين الأحزاب الشيعية بعد 14 سنة من العمل المشترك. ويحذر محللون من سوء تقدير وضع الأكراد او قدرتهم على تعقيد المسألة، وان كان هناك اقتناع بأنهم سيلجأون الى رفع وتيرة التصعيد في شكل مدروس، لكنهم لن يفتحوا جبهة نزاع مباشر مع الاميركيين، بما يهدد الحكومة الانتقالية والكيان السياسي الجديد. ويبررون توقعاتهم بأن هناك اجماعاً دولياً على العمل لتهدئة الوضع في العراق ومنع تحوله الى بؤرة توتر تؤثر في اسواق النفط الاقليمية، او تعزز وتيرة العنف في الشرق الاوسط. كما ان اهمية الملف العراقي في الانتخابات الاميركية تقلصت الى حد كبير أي قدرة الأكراد على التصرف بطريقة تربك السباق الانتخابي في الولاياتالمتحدة، بسبب أزمة مفتوحة تؤدي إلى إنهيار الوضع في العراق وربما اندلاع حرب اهلية "تبتلع" السياسة الأميركية في الشرق الاوسط. ويدرك الأكراد أنهم في حال هددوا المصالح الاميركية في العراق سيكون ذلك انتحاراً سياسياً لهم. ويبدو الموقف الكردي مغلفاً بخيبة أمل، لأن الأميركيين قدموا وعوداً بإصدار قرار لمجلس الأمن بصيغة أكثر ملاءمة لمصالح الأكراد في مقابل انخراطهم في اللعبة السياسية بطريقة تقل عن مستوى الحكم الذاتي. لكن المعلومات التي نقلها وزير الخارجية هوشيار زيباري من الاممالمتحدة حول طريقة طبخ القرار الجديد، قرعت أجراس الانذار في كردستان "لكن الأوان فات لوقف مسيرة التوافق بين الدول العظمى، والتي لا يقام فيها وزن للوعود المعطاة للأقليات". ويتوقع محللون أن يستغل الأكراد الفترة الممتدة حتى موعد الانتخابات لإعادة صوغ تحالفاتهم وشن حملة تصعيد لإقناع الأطراف الأخرى العراقية بعدم التخلي عن دعمها منح الأكراد حقوقاً في كيان فيديرالي.