"طالما أن الحكومة تتحدث عن الإصلاح ولا تنفذه، وما دام هناك من ينافق الإسلاميين، ويسعى إلى تملقهم حتى داخل المؤسسات الرسمية وبينها الأزهر، فإن مطاردة المبدعين ستستمر"، هكذا فسرت الدكتورة نوال السعداوي قرار جديد لپ"مجمع البحوث الإسلامية" بمصادرة روايتها الشهيرة "سقوط الإمام" التي نشرت للمرة الأولى قبل عشرين سنة، وطبعتها "دار المستقبل العربي" وترجمت إلى 14 لغة، وأعادت "دار الساقي" طبعها قبل سنتين. المعركة الجديدة بين الأزهر والسعداوي أعادت طرح قضية مصادرة الكتب إلى السطح بسرعة قبل أن يغلق باب الجدل على ديوان الشاعر أحمد الشهاوي "الوصايا في عشق النساء"، الذي أمر المجمع العام الماضي بمصادرته رغم احتجاج المبدعين والمفكرين والأدباء. لكن الفارق هنا أن رجال الأزهر نالوا حق "الضبطية" القضائية وليس فقط التوصية بالمصادرة. فوزير العدل المستشار فاروق سيف النصر أصدر في بداية الشهر الجاري قراراً بمنح عشرة من رجال الأزهر سلطة ملاحقة المصاحف التي توزع في الأسواق من دون موافقة أو تصريح من الأزهر وتحريك القضايا الجنائية ضد موزعيها، وأعطى القرار للشيوخ العشرة حق اتخاذ الاجراءات نفسها ضد ناشري كتب الحديث، إذا رأى مجمع البحوث أنها "تحوي ما يسيىء إلى الإسلام وتخالف أحكام القانون الرقم 103 الصادر العام 1985". ما أثار مخاوف المبدعين من أن يأتي دورهم لاحقاً ويصبح من حق هؤلاء العشرة مطاردتهم. وكان المجمع عقد اجتماعاً الاسبوع الماضي خلص إلى أن أربعة كتب تتداول في الأسواق تتضمن مخالفات صريحة للإسلام، أولها رواية السعداوي "سقوط الإمام" التي أعتبر المجمع أنها "قائمة على أحداث خيالية البطل فيها شخصية محورية، وأطلقت عليه الكاتبة صفة الإمام، وتضمنت إساءات بالغة للإسلام وتعاليمه". وضمت القائمة أيضاً كتاب "الماسونية... ديانة أم بدعة"، تأليف اسكندر شاهين والذي اعتبرت "لجنة الفحص" أنه يروج للماسونية التي تحارب كل الأديان، وفي مقدمها الإسلام، أما الكتاب الثالث فهو "نداء الضمير" لمؤلفه علي يوسف علي "الذي يهاجم من خلاله السُنة النبوية ويشكك في كتبها الصحيحة ومصادرها وفي مقدمها صحيحا البخاري ومسلم، بل أنه يدعو إلى هدم السنة ذاتها". والكتاب الأخير هو "مدينة معاجز الأئمة الأثنى عشر ودلائل الحج على البشر"، لمؤلفه سيد هاشم البحراني لكونه "أورد معجزات الأنبياء ونسبها للائمة الأثنى عشر". لم تستغرب السعداوي الحملة الجديدة ضدها، ولفتت إلى أن الرواية كان منع توزيعها في معرض القاهرة للكتاب قبل سنتين، وقالت "في كل سنة يخرجون عليّ بحملة جديدة لإلهاء الناس وتخويف المبدعين وموالاة المتطرفين تارة بالسعي إلى تطليقي من زوجي بدعوى خروجي على الإسلام، وتارة بمهاجمة موقفي من قضية ختان الإناث، وأخيراً الطعن في كتبي ورواياتي"، واعتبرت أن التيار الإسلامي "متغلغل في السلطة ومخترق للأزهر وهناك من يسعى إلى تملق الإسلاميين لأسباب ودوافع مختلفة بينها كسب أصواتهم في الانتخابات أو اتقاء شرهم وتجنب عنفهم"، ورأت السعداوي أن "المبدعين العرب صاروا الوسيلة التي تستخدمها الحكومات والجماعات الإسلامية في آن لضرب بعضهم ببعض"، وتوقعت استمرار الحملات "ضد أصحاب الفكر المتفتح ممن يسعون إلى إخراج مصر من الظلمات إلى النور"، وأشارت إلى أنها كتبت جزءاً من رواية "سقوط الإمام" داخل السجن عندما اعتقلها السادات مع سياسيين وكتاب ومفكرين في أيلول سبتمبر العام 1981، موضحة أنها قصدت بالإمام السادات نفسه اذ "كان يطلق على نفسه صفة الرئيس المؤمن ولم أكن أرى أنه بالفعل مؤمناً"، ولفتت إلى أنها قصدت "فضح سلوك الحكام الفاسدين في الرواية"، ووصفت السعداوي موقف الأزهر الجديد منها بأنه "دعوة للقتل، وتحريض ضد حياتها".