من عمان الى دمشق الى عمان، وقبلهما بيروت، وأنا أطالب بإزالة الحدود اليوم كما طالبت وأنا طالب. حضرت مع اصدقاء في اليوم الأخير من اقامتي في دمشق برنامجاً موسيقياً جميلاً في دار الأوبرا الجديدة، وسمعت من أعمال بيزيه وستراوس وبيتهوفن وتشايكوفسكي. وكانت السوبرانو لبنى قطان، ما ذكرني بالصديق الراحل ادوارد سعيد. ففي آخر مرة رأيته فيها، قبل وفاته في أيلول سبتمبر من السنة الماضية حدثني عن مغنّي أوبرا سوريين بصوت رائع قال انهما يستطيعان ان يقتحما نيويورك، وهما كِناث العظمة وماريا ارناؤوط. وكان ادوارد سعيد من أهم النقاد الموسيقيين في الولاياتالمتحدة، وسمعته كناقد موسيقي عندهم تعادل سمعته عندنا كمفكر. وتركت الأوركسترا السمفونية السورية والكورال الكبير، وانتقلت الى البحر الميت، وحضرت بحضور الملك عبدالله والملكة رانيا عشاء أردنياً للمشاركين في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي. وشمل العشاء موسيقى وغناء من صغار أردنيين وفلسطينيين وعراقيين يرتدون قمصاناً كُتب عليها سلام بالعربية والانكليزية. وتبع ذلك عرض اكروبات جميل وكان على يميني اللورد كاري، رئيس اساقفة كانتربري السابق، والليدي كاري، وعلى يميني من سورية الصديقان صائب نحاس ونبيل كزبري. كان بين آخر من رأيت في سورية الدكتور سعدالله آغه القلعة، وزير السياحة، وكان بين أول من رأيت في الأردن الأخت علياء بوران، وزيرة السياحة والآثار والبيئة. وكنت اقترحت على الدكتور سعدالله عقد برامج سياحية مشتركة مع الأردن، وربما مع لبنان. اذا كان لي ان استمر في مثل هذه المقارنة، فقد رأيت في دمشق الأخت العزيزة الدكتورة بثينة شعبان، وزيرة المغتربين، ورأيت في الأردن الدكتور مروان المعشر، وزير الخارجية وهو لو كان وزير خارجية لبنان لكان وزير المغتربين أيضاً. عندما ذهبت الى دمشق من عمان توقفت عند نقطة الحدود السورية نَصيب. وعاد سائق السيارة ليقول ان الجواز ختم، ولكن السيد العميد فيصل، قائد المركز يريد ان يراني. وسألت: خير؟ الا ان العميد كان قد وصل، وشربت قهوة في مكتبه، وتحدثنا عما كتبت عن نقل الحكم في العراق والسيد أحمد جلبي، فقد وجدته يقرأ "الحياة". ووعدته بالتوقف في طريق العودة وفعلت ووجدته يقرأ ما كتبت عما سمعت من المسؤولين السوريين. والدرس ان "الحياة" منتشرة، حتى على الحدود. لن أسجل اسماء اصدقاء قابلتهم على البحر الميت، فقد كانوا من كل بلد عربي، ومن بعض البلدان الغربية. الا انني سعدت برؤية السيدة نايلة معوض، فقد شاركت في حلقة عن النساء وحقوقهن ادارتها السيدة أنا بالاجيو، وزيرة خارجية اسبانيا السابقة. والسيدة معوض عضو في البرلمان اللبناني، كما هو معروف، ومرشحة لرئاسة الجمهورية أتمنى لها الفوز، فالعرب لم يعرفوا حاكمة عربية منذ شجرة الدر. السيدات رفعن توصيات الى القادة العرب تضم ألف طلب، وهو رقم مجازي، الا ان الطلبات كانت لا تكاد تحصى، حتى لم يبق سوى طلب الزواج. طبعاً هن يستطعن ان يطلبن هذا وأكثر من قادتنا الأشاوس، فالطلبات لا تكلف شيئاً طالما انها لن تنفذ. وأدرت جلسة موضوعها اعطاء المثل الصالح في ادارة الشركات والحكم، وكيف يمكن ان يعطي اصلاح جامعة الدول العربية مثل هذا المثل الصالح. وتحدث أحد المشاركين وهو جيرمين بروكس، رئيس مؤسسة الشفافية الدولية، واستشهد برئيس شركة انرون كنيث لاي، ورئيس بورصة نيويورك السابق ريتشارد غراسو. وقلت انني لا اعرف من كبار رجال الأعمال الأميركيين غيرهما، فالأول سقط بعد ان استضاف الرئيس عرفات في عشاء الشرق الأوسط في دافوس سنة 2001، ولا أعرف من أصاب بنحسه الآخر، اما الثاني فقد رأيته مع الأخ عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، وكان كراسو يرجو الأمين العام ان يزور البورصة مرة ثانية، فالأسعار ارتفعت 120 في المئة منذ زيارته لها قبل أربع سنوات. ولم يزر أخونا عمرو البورصة، وهي تراجعت واضطر غراسو الى الاستقالة. طبعاً اصلاح الجامعة ممكن ومطلوب ويجوز بموافقة ثلثي دول الجامعة تعديل الميثاق، وعلى الخصوص لجعل الروابط بينها أوثق، ولانشاء محكمة عدل عربية... انشاء المحكمة هذه من مشاريع الاصلاح المطروحة الآن، غير انني في الفقرة السابقة وبدءاً بكلمة "يجوز" كنت أنقل حرفياً عن المادة 19 من ميثاق الجامعة الموقَّع في 22 آذار مارس 1945. ونحن ننتظر منذ نصف قرن، مرشحة أن تمتد قرناً. وأدعو ان يعين ربنا السيد عمرو موسى على مشاكل ما كانت عنده لولا انه الأمين العام. مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس من أهم المؤتمرات الدولية في المنطقة على الاطلاق. وكانت الادارة الأردنية من أعلى مستوى، ولم تترك الضيافة زيادة لمستزيد. لكن يا خسارة "الحلو ما يكملش". سمعت وزير الخارجية الأميركي كولن باول يتحدث، ولا اعتراض شخصياً لي عليه، بل اعتقد انه من أفضل اعضاء الادارة الاميركية. وربما كانت المشكلة في تركيبة عقله العسكري، فهو بقي جندياً 35 سنة قبل ان يتحول الى السياسة، وأعتقد انه يعارض ويعترض، الا انه في النهاية ينفذ الأوامر. وهكذا فقد سمعته يقول ان أميركا التي أيّدنا مبادرتها في العراق لا تزال موجودة. ولم استطع ان أسأله متى أيدنا حربها على العراق، فهو أكمل يقول: "لا نريد السيادة على أحد... نأتي لمساعدة الآخرين... انهاء الفقر... مكافحة المرض". اما الجنود الاميركيون في العراق، فهناك ألوف منهم يبنون المدارس والمستشفيات والطرق، وعندما ينتهون من بناء العراق، ونشر الديموقراطية في ربوعه، يعودون الى بلادهم لأن الولاياتالمتحدة ليس لها أية اطماع في العراق او غيره، وإنما شنت حربها من اجل عيوننا السود فقط. أقسم بشنبي، وهو عزيز عليّ، ان هذا ما قال وزير الخارجية تقريباً لأن موضوع العيون السود من اختراعي. وكنت أعرف ان علينا ملامح غفلة، الا انني لم أتصور اننا على درجة من التغفيل ان "يستعبطنا" وزير الخارجية الأميركي الذي أصرّ مرة أخرى على انه جيد، فهو على الأقل ليس ديك تشيني أو دونالد رامسفيلد، وحنانيك بعض الشر أهون من بعض.