أستطيع أن أضيع مع القارئ في متاهات من الحيثيات والمعطيات والاشكاليات، إلا أنني اختار البساطة وأقول ان الأردن نجح في استضافة المؤتمر الاستثنائي للمنتدى الاقتصادي العالمي، تنظيماً وضيافة، فكان هناك حشد عربي وعالمي من أركان السياسة ورجال المال والأعمال. وبذل الملك عبدالله جهده، واستعمل رصيده الكبير من الشعبية حول العالم لاجتذاب أرفع مستوى ممكن من المشاركة، وعملت الملكة رانيا الى جانبه كالعادة، فكان النجاح مشتركاً، واستفاد الأردن وأفاد. اكتب عن موضوع أعرفه جيداً، فأنا أشارك في مؤتمرات المنتدى في دافوس، وفي بعض اجتماعاته في جنيف منذ 15 سنة أو أكثر، وأستطيع أن أقول بثقة ان ادارة المؤتمر في الشونة على البحر الميت لم تقل عن مستوى ادارته في دافوس، على رغم ما يبدو من فارق بين بلدة ناعسة في الأردن، ومنتجع سياحي عريق في سويسرا. الزملاء في "الحياة" نقلوا اخبار المؤتمر الى القراء بشكل كافٍ ووافٍ، واختار اليوم ان أزيد هوامش شخصية. وهكذا: - لم يكن المؤتمر سياسة واقتصاداً كله، فقد شهد اليوم الأول حفلة موسيقية كلاسيكية راقية في مدرج يطل على البحر الميت، واستضافت الملكة رانيا في اليوم التالي حفلة عشاء كبرى لمساعدة أطفال العراق تميزت ببرنامج ترفيهي عالمي، وأنا أكتب هذه السطور في اليوم الثالث الأخير أو ليل الاثنين - الثلثاء، وهناك حفلة راقصة حول مسبح الفندق تصل أصواتها الى غرفتي، إلا أنني جالس للكتابة بعيداً من الرقص والغناء تضامناً مع شعب العراق. - الحفلة الموسيقية كانت لأوركسترا الكونسرفاتوار الوطني الأردني بقيادة المايسترو الأميركي ديفيد ستيرن، وكان عازف الكمان الأول ايفري غيليس، ومعه عازف الكمان الفلسطيني عبود أشقر. وكانت مفاجأة سارة أن يلقي الشاعر الفلسطيني الصديق محمود درويش بعضاً من قصائده عن السلام، وان يتبعه الكاتب البرازيلي باولو كويلو في الموضوع نفسه، غير أنني أعترف بأن مزاجي تعكر لكثرة الاسرائيليين في الحفلة، ولأنوار المستوطنات الاسرائيلية والمواقع في الأراضي المحتلة عبر البحر الميت على الجانب الآخر. - الحفلة التي استضافتها الملكة رانيا، ومعها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كانت لغرض نبيل جداً هو مساعدة أطفال العراق، وفهمت ان الحاضرين تبرعوا بسخاء، وهم استمعوا إلى غناء إلهام مدفعي وشيرلي باسي، وبينهما كلمات من الممثلة يسرى والممثل تيرنس ستامب. وكنت رأيت الملكة رانيا في جناحها في الفندق، وشعرت بإشفاق عليها فهي وصلت الليل بالنهار لإنجاح المؤتمر وكوفئت على جهدها كما نتمنى جميعاً لها. - "حرارة" الضيافة الأردنية كانت الى حد الإيلام، فالبحر الميت مشتى وليس مصيفاً، وعندما رأيت رئيس الوزراء علي أبو الراغب يخلع الكرافات ثم الجاكيت ويتبعه وزير الإعلام الدكتور محمد العدوان، تحررت من بعض ملابسي أيضاً بحضور الحكومة الأردنية الرياضية. مع ذلك أسجل للضيافة الأردنية ان المشاركين في المؤتمر جميعاً أكلوا مجاناً، وكنا في سويسرياً ندفع ثمن الغداء أو العشاء سلفاً، وبالنقد النادر، إذا أردنا المشاركة في المناقشات. ولا أتصور أن أردنياً يقبل ان تدفع ثمن طعام وأنت في ضيافته، كما لا أتصور ان سويسرياً يدعو أحداً الى طعام. - ربما عدت الى السياسة غداً، أما اليوم فأكتفي منها بشيء لفتني في كلام بول بريمر، المسؤول المدني الأميركي عن ادارة العراق، فهو قال ان شعب العراق شعب متعلم، وانه أعجب بقدرة العراقيين في دوائر الدولة، كما تحدث عن ثلاثين سنة من الديكتاتورية والاضطهاد. ألم يكسب العراقيون هذا التعليم وتلك القدرة خلال ثلاثين سنة من الديكتاتورية والاضطهاد؟ - لو أردت أن أسجل أسماء الأصدقاء الذين جمعني معهم المؤتمر لضاقت عنها الصفحة كلها، ولن أفعل، ولكن أكتفي ببعض النساء فهن أحلى اذا تساوت القدرة مع الرجال، وكانت هناك الأخت العزيزة فايزة أبو النجا، وزيرة الدولة في وزارة الخارجية المصرية، والبروفسورة فلورنس عيد، أستاذة الاقتصاد المساعدة في الجامعة الأميركية في بيروت وقد درست فيها سنوات، وكان شكل الأستاذة مختلفاً في أيامي. وأزيد الشابة هند بهوان، وهي سيدة أعمال من عُمان البلد الذي عرفته يوماً وليس فيه ماء أو كهرباء، وأصبحت بناته ينافسن في ميدان التكنولوجيا المتقدمة. وأخيراً، كنت في المؤتمر لأسباب بينها عضويتي في فريق القادة المئة، والواقع ان القيادة معقودة للأمير تركي الفيصل واللورد كاري، كبير أساقفة كانتربري السابق. وجلست بين الأمير تركي والسيد عبدالله غول، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية التركي، وسمعت الأمير يرحب به بالتركية فسألته ان كان يجيدها، وقال انه استعمل كل ما يعرف في الترحيب بالوزير. قلت للسيد غول ان يكتب لي اسمه بالعربية فكتب عبدالله جول، وقال ان هناك من يكتبه كول أو قول، إلا أنه يفضل الأول. وهكذا فأنا عندي مستند بخط الوزير، وأرجو أن نكتب جميعاً اسمه كما يريد عبدالله جول، لا غول الذي هو أخو العنقاء والخل الوفي، أو غل بمعنى حقد والعياذ بالله، فاسم أسرة الوزير بالتركية يعني وردة.