وقع عضو مجلس الحكم العراقي أحمد الجلبي ضحية الصراع بين وزارة الخارجية الأميركية وجهاز الاستخبارات المركزية من جهة ووزارة الدفاع المحسوب على صقورها من جهة ثانية. فقد اقتحمت قوات أميركية - عراقية مشتركة أمس مكتبه ومنزله وصادرت وثائق وأجهزة كومبيوتر، وأعلن الجلبي وقف تعاونه مع سلطة "التحالف"، راجع ص2 و3 وفيما استمر التوتر في كربلاء والنجف أمس بين قوات الزعيم الشيعي مقتدى الصدر والقوات الأميركية وقتل تسعة عراقيين، التقى الصدر زعماء العشائر في المدينتين ومحيطهما وتسلم منهم رسالة من محافظ النجف مفادها أن عليه حل ميليشياته وإلا اضطرت العشائر إلى اللجوء لمسلحيها لحماية "الأماكن المقدسة". وفي حين أصر الناطق باسم القوات الأميركية الجنرال مارك كيميت على أن جنوده الذين ارتكبوا مجزرة القائم "هاجموا هدفاً مشروعاً"، رفض قائد مشاة البحرية المارينز في الفلوجة الجنرال جيمس ماينس الاعتذار عن المجزرة. وقال مسؤول في الخارجية الأميركية، رافضاً الافصاح عن اسمه، ل"الحياة" إن الجهات الرسمية في واشنطن "ستحصل قريباً على تقرير عن اقتحام منزل الجلبي وستقرر موقفها. وكان حوالى 100 من الجنود الأميركيين وأفراد الشرطة العراقية ومكتب التحقيقات الفيدرالي اف بي آي ووكالة الاستخبارات المركزية سي آي اي دهموا في بغداد مكاتب الجلبي وصادروا وثائق وأجهزة كومبيوتر ومعدات أخرى. وقال مقربون من الجلبي إن القوات الأميركية كانت تبحث عن اثنين من كبار مساعديه، خصوصاً مسؤول الاستخبارات في حزب "المؤتمر الوطني". وأوضحت المصادر ل"الحياة" ان الخارجية ووكالات الاستخبارات المركزية نجحتا في اقناع مجلس الأمن القومي بضرورة وقف دفع مبلغ 340 ألف دولار شهرياً للجلبي مقابل تزويده معلومات استخبارية عن نشاط أنصار النظام العراقي السابق وتنظيمات إرهابية في العراق بحسب عقد أبرمه صيف 2002 مع وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع دي آي اي. وأعلن الجلبي، الذي كان لسنوات الحليف الرئيسي لواشنطن، بعد دهم مكاتبه قطع علاقاته مع سلطة "التحالف"، خصوصاً بعد اعادتها أعضاء حزب البعث الحاكم سابقاً إلى مواقع رئيسية في السلطة. واعتبر عملية الدهم تشكل "تحدياً" لمجلس الحكم الانتقالي قبل أسابيع قليلة من نقل السلطة المتوقع في 30 حزيران يونيو، محذراً من تعميمها على كل من يرفض "الانصياع لقوات الائتلاف". وقال الجلبي في مؤتمر صحافي: "علاقتي بسلطة الائتلاف لم تعد قائمة". وأضاف: "إذا وجدت سلطة الائتلاف أن من الضروري الاعتداء على منزلي، فهذا مثل على العلاقة بين سلطة الائتلاف والعراقيين". ورداً على سؤال عن الرسالة التي يريد أن يوجهها الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر، اكتفى الجلبي بالقول: "رسالتي هي اتركوا شعبي حراً". وقال: "نشكر الرئيس الأميركي جورج بوش لتحريره العراق، لكن آن الأوان ليدير العراقيون شأنهم بأنفسهم". وحمل على سلطة الائتلاف التي "عملت على عودة البعثيين إلى أجهزة الدولة". وقال: "جاؤوا الشرطة من دون مذكرة تفتيش ويحملون أربع مذكرات توقيف لأشخاص غير موجودين هنا". وأضاف: "مذكرات التوقيف تحمل توقيع زهير جمعة المالكي الذي عينه بريمر قاضياً". وأوضح أن المالكي، وهو بعثي سابق، أصدر مذكرة التوقيف بحق رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر ومساعده الشيخ محمد اليعقوبي بتهمة اغتيال زعيم شيعي آخر. ولفت إلى أن الحل الذي اعتمدته سلطة الائتلاف للفلوجة حولها إلى "جنة آمنة للبعثيين". وأشارت مصادر في مجلس الحكم "الحياة" أن لدى الأميركيين شكوكاً بأن هناك تعاوناً وثيقاً بين الجلبي وبعض الأطراف الإيرانية، و"قد يكون امتد إلى الجانب الأمني". ونفى ناطق باسم "المؤتمر الوطني" هذه الاتهامات، مؤكداً أن ما حدث تُسأل عن مبرراته القوات الأميركية التي اقتحمت منزل الجلبي وحطمت محتوياته، تعاونها قوة مساندة من الشرطة العراقية، كما هو مطبق في عمليات الدهم التي ينفذها الأميركيون عادة. وحاول أحد أعضاء مجلس الحكم، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، التقليل من أهمية الحادث، واصفاً اياه بأنه عملية "شد اذن" للجلبي بعدما تزايدات تصريحاته المنتقدة لواشنطن، مشيراً إلى أن المعلومات تشير إلى أن المعركة ضد الجلبي حُسمت سابقاً وتحديداً خلال زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الأخيرة لواشنطن. وأضاف يقول ل"الحياة": "ليس سراً لدى مجلس الحكم ان الملك عبدالله حمل معه ملف الجلبي إلى الرئيس بوش مطالباً باقصائه، بزعم انه مسؤول عن أخطاء قاتلة ارتكبت في العراق بصفته رئيس لجنة اجتثاث البعث، ما ساهم في تعزيز صفوف المناوئين للأميركيين وقادة الهجمات العسكرية بتيار كبير من المعارضين للوجود الأميركي من صفوف حزب البعث، وهو تيار في غالبيته الساحقة من السنّة". وأعاد إلى الاذهان تصريح العاهل الأردني قبل أيام في منتدى البحر الميت حينما انتقد، من دون أن يسميه، الجلبي باعتباره "شخصية شيعية أخطأت في قيادة اجتثاث البعث". إلى ذلك جدد بعض زعماء العشائر في النجف مساعيهم للوساطة بين الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وقوات "التحالف"، والتقوا أمس ممثلي الصدر لاقناعه بانهاء المواجهات مع قوات "التحالف". وكان زعماء العشائر التقوا الاربعاء محافظ النجف عدنان الذرفي أعلن بعدها المحافظ ان زعماء العشائر تعهدوا بممارسة ضغوط على الصدر وتسليمه رسالة تنص على "وجوب حل ميليشياته" وإلا فإن العشائر "ستتدخل لحل الأزمة". واضاف ان "هذا قد يعني ارسال مسلحين من العشائر الى وسط النجف لحماية الاضرحة والزعماء الروحيين".