وصف الكاتب الفرنسي موريس كاري في كتابه الذي صدر صيف 2003 في عنوان "جرائم البيت الأبيض" الحرب على العراق بأنها "حرب الجبناء والكاذبين". ويشاطره الرأي الكثير من المحللين السياسيين في العالم، اذ اثبتت الاحداث ان الاسباب التي حاولت الادارة الاميركية ان تبرر بها غزو العراق حجج واهية لا تمت الى الواقع بصلة، وأن قرار احتلال العراق اتخذ مباشرة غداة احداث 11 أيلول سبتمبر 2001. والحال ان لا شأن للنظام العراقي السابق بهذه الهجمات، كما تأكد ان لا علاقة بينه وبين الارهاب وتنظيم "القاعدة"، واخيراً اتضح انه خلافاً لمزاعم الرئيس جورج بوش ونصيره الدائم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، فإن العراق لا يملك اسلحة الدمار الشامل. وبعدما شعر الرجلان بالحرج الشديد اثر ثبوت عدم صحة ادعاءاتهما وما اثاره ذلك من ضجة وانتقادات لاذعة في انحاء العالم طلعا ببدعتين لا تقل احداهما غرابة عن الاخرى، وهما الحرب الوقائية وتحرير العراق وإقرار الديموقراطية فيه. اذ صرح وزير الدفاع الاميركي في 31 كانون الأول ديسمبر 2002 ان الدفاع عن الولاياتالمتحدة يقتضي الوقاية والدفاع الذاتي وأحياناً اتخاذ المبادرة، وان الدفاع ضد الارهاب قد يقتضي محاربة العدو في عقر داره. ومفهوم الحرب الوقائية بدعة خطرة لأنها تعني معاقبة شخص قبل ارتكاب اي جريمة. ولا وجود لهذا المفهوم في القوانين والاعراف الدولية، بل انه يشكل خرقاً لها. اما القول ان الغاية من احتلال العراق تحريره وغرس الديموقراطية واحترام حقوق الانسان، فمردود لأسباب عدة: اولها ان الولاياتالمتحدة ليست وصية على الشعب العراقي، وثانيها ان هذا يشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة كانت ذات سيادة، وثالثها ان الادارة الاميركية كانت وما زالت حليفة لأنظمة ديكتاتورية عدة لا تحترم حقوق الانسان، ومع ذلك تقدم لها المساعدات الكبيرة بانتظام، فلماذا لا تفرض الديموقراطية على دول فقيرة؟ ولا شك في ان اختيار العراق بالذات لم يكن اعتباطياً، بل كان مدروساً ومخططاً لغايات معروفة. ونستخلص مما سبق ان الحرب على العراق احتلال استعماري وغير شرعي وفيه خرق صارخ لميثاق الاممالمتحدة الذي اقر بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، كما ان مجلس الامن لم يتخذ أي قرار يجيز استعمال القوة ضد العراق الذي لم يشكل أي تهديد للسلم العالمي وان الولاياتالمتحدة لم تكن في حال دفاع شرعي طبقاً للمادة 51 من الميثاق الأممي وانها بشن حرب غير شرعية اصبحت قوة محتلة، وهذا ما نستشفه من قرار مجلس الامن 1483 الذي تضمن عبارة القوة المحتلة. ولما كان الامر كذلك اصبحت القوات الاميركية ملزمة احترام القانون الدولي الانساني وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة. غير ان المتتبع للاحداث في العراق منذ بدء احتلاله في 20 آذار مارس 2003 يلاحظ ان قوات الاحتلال خرقت الاتفاقية التي تفرض حماية المدنيين وتحجر الاعتداء على حياتهم وسلامتهم البدنية والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب، كما اقرت حق الاشخاص المحميين في الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم وضرورة معاملتهم انسانياً. ولا شك في ان تصرفات القوات الاميركية في العراق مخالفة لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة مثل مداهمات المنازل ليلاً بدعوى البحث عن رجال المقاومة وهدم او تدمير بعض المساكن الخاصة وهو مخالف للمادة 53 من الاتفاقية التي حجرت صراحة تدمير الممتلكات الخاصة وسوء معاملة المدنيين. ولا جدال في ان محاصرة مدينة الفلوجة مثلاً ومنع سكانها من الدخول اليها وكذلك قتل الكثير من المدنيين العراقيين، بمن فيهم الاطفال والنساء مخالف لمبادئ القانون الانساني، اذ ان الادارة الاميركية لم تتخذ أي اجراء لتتبع الجنود القتلة وفتح تحقيقات لهذا الغرض. وعرضت وسائل الاعلام العالمية صوراً عن سوء معاملة المعتقلين العراقيين وإهانتهم في سجن ابو غريب وإقدام قوات الاحتلال على ممارسات مخلة بالشرف والكرامة وانتهاك الحرمة الجسدية وفي ذلك خرق واضح للمادة 37 من اتفاقية جنيف التي تنص على انه "يجب ان يعامل الاشخاص المحميون الذين يكونون في الحبس الاحتياطي او يقضون عقوبة سالبة للحرية معاملة انسانية اثناء مدة احتجازهم". وغني عن البيان ان ما اقدمت عليه قوات الاحتلال يشكل جرائم الحرب التي وقع التنصيص عليها في المادة الثامنة من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي اعتبرت الانتهاكات الخطرة لاتفاقيات جنيف تشكل جرائم حرب ومنها المعاملة اللاإنسانية والقتل المتعمد ومهاجمة المدنيين او الاعتداء على الممتلكات وبخاصة قصف المدن والقرى والمساكن والمباني التي لا تمثل اهدافاً عسكرية بالقنابل الى غير ذلك من الافعال المنصوص عليها في هذه المادة والتي اقترفت القوات الاميركية عدداً كبيراً منها ومع ذلك لم تجر محاكمة أي جندي او ضابط اميركي. وما اعلن من عقوبات تأديبية ضد العسكريين لا يكفي، اذ ان ما اقترفه بعض الجنود والضباط يمثل جرائم حرب تستلزم محاكمتهم وتسليط عقوبات صارمة عليهم، فهل يبقى مجال للمسؤولين الاميركيين للادعاء أن واشنطن شنت حربها الجائرة على العراق لتحرير شعبه وإرساء الديموقراطية واحترام حقوق الانسان؟ ان ما تقترفه القوات الاميركية انتهاك لحقوق الانسان وليس فرض احترامها كما يزعم القادة الاميركيون. وما يزيد الامر غرابة ان الاميركيين منحوا انفسهم حصانة مطلقة وأباحوا لأنفسهم انتهاك حقوق الانسان وخرق القانون الدولي الانساني من دون أي تتبع او عقاب، اذ لا ننسى ان الولاياتالمتحدة مثل اسرائيل لم توقع على النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية بعدما سعت الى عرقلة تأسيسها ثم استصدرت من مجلس الامن قراراً في 12 حزيران يونيو 2003 يقضي بإعفاء مواطنيها لمدة عام من المثول امام هذه المحكمة، وأبرمت مع دول عدة معاهدات ثنائية تقضي بتعهد تلك الدول عدم تسليم مواطنين اميركيين لمقاضاتهم من طرف المحكمة الجنائية الدولية. ومارست السلطات الاميركية ضغوطاً كبيرة على هذه الدول لحملها على توقيع هذه المعاهدات. ان غزو العراق هو اعتداء بمفهومه في القانون الدولي طبقاً لما عرفته اللائحة الرقم 3314 الصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 14 كانون الاول ديسمبر 1974 وجاء فيها ان الاعتداء هو استعمال القوة المسلحة من دولة ضد سيادة دولة اخرى وسلامتها الترابية. ولا شك في ان هذا التعريف ينطبق على ما قامت به قوات التحالف على العراق، كما ان هذا الغزو يمثل جريمة ضد السلم. ولما كان الامر كذلك، فإن من الطبيعي ان يدافع العراقيون عن وطنهم بشتى الوسائل لإجبار القوات المحتلة على الانسحاب من اراضيهم. فالدفاع عن الوطن واجب على كل مواطن وقد اقرته جل الدساتير في العالم، ما يجعل الاعمال التي تقوم بها المقاومة العراقية شرعية. * استاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية - تونس.