تنفذ حزمة مشاريع تطويرية لخدمات بيئية بمحافظة جدة    أكثر من 4659 زيارة منزلية لمرضى الدرن خلال 2024م    مركز الملك سلمان للإغاثة يحصد 5 جوائز دولية خلال عام 2024    استشهاد فلسطينيين وسط قطاع غزة    اليوم في الرياض اجتماع وزاري بشأن سوريا    وزراء خارجية جمهورية العراق وتركيا يصلون إلى الرياض    جدل بين النساء والرجال والسبب.. نجاح الزوجة مالياً يغضب الأزواج    5 طرق لضبط مخاطر مرض السكري    40 شاعراً وأديباً من 15 دولة يشاركون في «فرسان الشعري»    كلاسيكو الأرض.. ذهب يضيء في «الجوهرة»    خبير أرصاد: بدأنا موسم «الرياح الماكرة»    «سلمان للإغاثة»: تنفيذ مشروع تشغيل بنك الدم الوطني في الصومال    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    تجمعات مياه السيول في شوارع شرق مكة تنتظر التدخل    نجوم لبنان يتنفّسون الصعداء ويحتفلون بانتخاب الرئيس    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    الزعيم العالمي خماسية وصدارة.. الفيحاء يفرمل العميد.. السكري يسدد فاتورة الكأس    خادم الحرمين يتلقى رسالة من رئيس السنغال    تحية لسالم الدوسري    وفاة والدة فهده بنت فهد آل سعود    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    تبرعوا بالأقراص وشاركوها    30 يومًا لهوية مقيم للخروج النهائي    أضواء الحميدان في ذمة الله    منع مرور الشاحنات من طريق السيل الكبير    برامج لذوي الإعاقة    شرطة للنظافة في «الدار البيضاء»    حساب المواطن: 3.1 مليارات ريال لمستفيدي دفعة يناير    «جوجل» تتيح إنشاء بودكاست شخصي    يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 60 عامًا.. السيارات القديمة تثري فعاليات مهرجان «حرفة»    «مجيد».. ليلة من تفرد الغناء    ثنائية نوال ورابح صقر.. الطرب في أعماق جدة    الهوية ودورة الحياة للمكون البصري    من بلاغة سورة الكهف    «الصخر الشاهد» .. رفع الوعي بالثروات الطبيعية    اعتداء على فنان في سورية يستفز ممثلة داعمة للثورة.. لا نريد شبيحة جدداً    المرأة الثرية تؤثر على نفسية زوجها    الأدوار في الحياة    في ختام الجولة ال 16 من دوري" يلو".. الطائي يستضيف أبها.. والعين يواجه الفيصلي    «الغذاء والدواء»: احذروا «ببروني»    فصيلة دم «o» أقل عرضة لأمراض القلب    مواطن مستبصر    عودة الأمل اللبناني    متى نقترب من النسبة الصفرية للبطالة ؟    جوارديولا: ووكر طلب الرحيل عن مانشستر سيتي    هل أشرقت شمس النصر الجديد؟    ماتياس والرئيس    الذكاء البشري في مأزق    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحبة السمو الملكي الأميرة فهده بنت فهد بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    نائب أمير حائل يستقبل رئيس "مُحكم لتعليم القرآن"    خطيب المسجد الحرام: امتثلوا للأوامر واجتنبوا الكبائر    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأوضاع الراهنة لحقوق الإنسان في العراق
نشر في الحياة يوم 08 - 02 - 2004

من مقاصد الأمم المتحدة كما جاء في المادة الأولى من الميثاق الصادر في 26 حزيران يونيو 1945 في سان فرانسيسكو في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيئة الدولية: 1 حفظ السلم والأمن الدوليين. 2 إنماء العلاقات الوديّة بين الأمم على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيره. ثم جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، وكلها تؤكد بأن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها.
بدأت الحرب على العراق في 20 آذار مارس 2003 وسقط النظام الشمولي بسقوط بغداد يوم 9 نيسان إبريل 2003 وصدر قرار الأمم المتحدة 1483 في 22 أيار مايو 2003 يسلّم بالصلاحيات والمسؤوليات والالتزامات المحددة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك بصفة خاصة اتفاقات جنيف لعام 1949، وقواعد لاهاي لعام 1907، للولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة بوصفهما دولتين قائمتين بالاحتلال. كما يؤيد القرار قيام شعب العراق، بمساعدة دولتي الاحتلال وبالعمل مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بتكوين إدارة عراقية موقتة بوصفها إدارة انتقالية يسيّرها العراقيون، الى أن ينشئ شعب العراق حكومة ممثلة له معترفاً بها دولياً، وتتولى مسؤوليات السلطة.
العراق الحديث دولة ذات سيادة منذ العام 1932، وقد تخلص من الانتداب البريطاني واعتُرف به كعضو في عصبة الأمم في ذلك العام. وبدخول الجيش الأميركي بغداد يوم 9 نيسان 2003 وانهيار النظام جمّدت سيادة العراق. تسمّى الإدارة المدنية لدولتي الاحتلال "السلطة الائتلافية الموقتة"، وقد عينت هذه السلطة مجلس حكم موقتاً، ولن تعاد السيادة الى العراق إلاّ بعد انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور دائم. وعلى ضوء هذا الدستور تجرى انتخابات مجلس نيابي وتقوم حكومة تنال ثقة المجلس، ثم يُعترف بها دولياً. وعندها يستعيد العراق سيادته.
لنلقِ نظرة الى بعض قرارات السلطة الائتلافية الموقتة لنرى إن كانت تنسجم مع كونها موقتة أو تنسجم مع القانون الدولي واتفاقات جنيف لعام 1949 وقواعد لاهاي لعام 1907 واتفاقات حقوق الإنسان.
في 16 أيار مايو 2003 أصدر الحاكم الأميركي بريمر اللائحة التنظيمية الرقم 1، وجاء في الفقرة الثانية من الجزء الأول: "يعهد الى السلطة الائتلافية الموقتة ممارسة كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية اللازمة لتحقيق أهدافها ويتولى المدير الإداري للسلطة الائتلافية الموقتة ممارسة تلك السلطات...". وفي الفقرة الثالثة: "يقوم قائد القوات المركزية الأميركية بصفته قائد قوات الائتلاف بتقديم الدعم المباشر الى السلطة الائتلافية الموقتة ويساهم بشكل عام في تنفيذ سياسة الائتلاف".
وتشير الفقرة 1 من الجزء 3 الى ان اللوائح التنظيمية هي الأداة المستخدمة لتحديد مؤسسات وسلطات السلطة الائتلافية الموقتة والتعريف بها. أما الأوامر الصادرة عن السلطة الائتلافية الموقتة فهي تعليمات ملزمة. كما تشير الفقرة الثانية الى نشر الأوامر واللوائح التنفيذية باللغات ذات الصلة، ويتم توزيع كل ما ينشر منها على أوسع نطاق ممكن. وفي حالة نشوء أي اختلاف بين مضمون النص المكتوب باللغة الانكليزية والنص المكتوب بأي من اللغات الأخرى، يؤخذ بالنص المكتوب باللغة الانكليزية ويُعتد به. ولا أدري لماذا هذا التمييز للغة الانكليزية مع العلم أن هذه الأوامر واللوائح موجهة الى العراقيين، وأن اللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية الست في الأمم المتحدة.
واللائحة التنظيمية الرقم 2 تخص صندوق تنمية العراق، وجاء في الفقرة 2 من الجزء 2: "يتولى المدير الإداري للسلطة الائتلافية الموقتة الإشراف والسيطرة على تأسيس وإدارة واستخدام الصندوق لصالح الشعب العراقي وبالنيابة عنه، ويأمر بصرف الأموال من الصندوق لتلك الأغراض التي يحددها هو كأغراض تعود بالفائدة على الشعب العراقي".
وتخص اللائحة التنظيمية الرقم 3 مجلس مراجعة البرامج، وجاء في الفقرة 1 من القسم 2: "يشرف المدير الإداري للسلطة الائتلافية الموقتة ويسيطر على تشكيل المجلس وعملياته من أجل الشعب العراقي ونيابة عنه، ويتخذ القرار النهائي في ما يتعلق بالميزانيات التي يقترحها المجلس وفقاً لما يرى أنه مفيد للشعب العراقي". ويتعلق القسم 4 بعضوية المجلس.
لقد أصدر المدير الإداري للسلطة الائتلافية الموقتة الأمر الرقم 1، وعنوانه "تطهير المجتمع العراقي من حزب البعث". وجاء في الفقرة الثالثة من هذا الأمر "تجري المقابلات الشخصية مع الأفراد العاملين في المناصب المصنفة في الطبقات الثلاث الإدارية العليا في كل وزارة من وزارات الحكومة الوطنية وفي المؤسسات الحكومية الأخرى مثل الجامعات والمستشفيات لغرض التعرف الى أي صلات محتملة بين هؤلاء الأفراد وبين حزب البعث. وسيخضع هؤلاء الأفراد للتحريات للتأكد من عدم ارتكابهم لأعمال إجرامية، وعدم تشكيلهم أي خطر على الأمن. وسيتم إقصاء جميع من يتبين أنهم كانوا يتمتعون بعضوية كاملة في حزب البعث عن مناصبهم".
وقد أكد أحمد الجلبي، عضو مجلس الحكم الانتقالي، رئيس اللجنة الوطنية العليا لاجتثاث البعث، أن لجان الاجتثاث طردت 28 ألف موظف من دوائرهم بسبب انتمائهم الى الحزب المنحل، وأن هناك عدداً آخر يماثل هذا أو يزيد من البعثيين سيتم طردهم من وظائفهم أيضاً. وأكد أن هذا الإجراء اتخذ بسبب ما عرف عن حزب البعث من إيغال في الجريمة، ونسي أن إقصاء هذا العدد الكبير من موظفي الإدارة العليا، وبعضهم من الكوادر الفنية الكفوءة، يعرقل أعمال البناء والإعمار.
إن العقوبات الجماعية هي انتهاك للقانون الإنساني الدولي، كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يؤكد في مادته 15 أنه "لا يُدان أي فرد بأية جريمة بسبب فعل أو امتناع عن فعل لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة بمقتضى القانون الوطني أو الدولي". والسؤال المهم: هل جرت محاكمة عادلة لهذا العدد الكبير بموجب المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؟
والامر الثاني الصادر في 23 أيار مايو 2003 عن المدير الإداري للسلطة الائتلافية الموقتة يتعلق بحل كيانات عراقية ومن ضمنها وزارة الإعلام، الجيش، السلاح الجوي، البحرية، قوة الدفاع الجوي، الاستخبارات العسكرية وغيرها. وهنا تستخدم العقوبات الجماعية مرة أخرى على مؤسسات لا يمكن أن يقوم بلد بدونها. إن من حق حكومة عراقية شرعية منتخبة بموجب دستور مصادق عليه من جمعية تأسيسية منتخبة بصورة مباشرة أن تطهر كل هذه الأجهزة من أي عناصر فاسدة موجودة في هذه الأجهزة. أما قرار بريمر فنقل العراق من نظام قمعي شمولي دموي الى فوضى شاملة. وانتشرت عصابات السلب والنهب والقتل والاختطاف في كل أنحاء العراق، كما زادت نسبة البطالة من 35 في المئة قبل الاحتلال الى 70 في المئة نتيجة هذه الاجراءات غير الحكيمة والمخالفة لاتفاقات جنيف.
والأمر الرابع الصادر عن المدير الإداري للسلطة الائتلافية الموقتة في 25 أيار مايو 2003 يتعلق بإدارة ممتلكات وأموال حزب البعث العراقي، على اساس انها تشكل أموالاً وممتلكات تعود للدولة.
ويتحدث العراقيون، كذلك المراقبون الأجانب، عن تجمعات وأحزاب قريبة من سلطة الاحتلال سيطرت على بعض ممتلكات الحزب المنقولة وغير المنقولة، بالإضافة الى النوادي الإجتماعية والرياضية والممتلكات الخاصة. ويتساءل الناس عن هذه الأموال والأملاك التي أعيدت والتي بقيت تستخدم من جانب هذه الجماعات والميليشيات. إن الشفافية والمحاسبة هي أساس الحكم الصالح، والمدير الإداري للسلطة الائتلافية الموقتة يردد دائماً "عملاً بالنيابة عن الشعب العراقي ومن أجل مصلحته". ومن مصلحة الشعب العراقي المحاسبة والشفافية ومعرفة ما استعيد للدولة وما بقي في أيدي بعض الجماعات المدعومة.
وأصدر بريمر إخطاراً عاماً حول سياسة تحرير التجارة في 7 حزيران يونيو 2003، يقول فيه "تواصل السلطة الائتلافية جهودها في العمل مع المسؤولين العراقيين من جميع المؤسسات العراقية ومع القطاع الخاص كذلك من أجل: 1 استحداث الظروف المرجوة الكفيلة بتمكين الشعب العراقي من إعادة بناء بلاده بسرعة. 2 تعزيز البيئة القانونية والتنظيمية المطلوبة من أجل دعم ومساندة نظام اقتصادي يتسم بالشفافية ويعتمد على اقتصاد السوق المفتوح. 3 تسهيل الاستثمار المباشر وتوفير الخدمات في العراق من قبل رؤوس الأموال الأجنبية".
إن دراسة الانتقال الى اقتصاد السوق المفتوح بحاجة الى درس معمق، والى تأهيل الصناعة العراقية لتستطيع المنافسة. ويجب تأمين الأمن والاستقرار قبل الحديث عن تسهيل الاستثمار الأجنبي. وأصدر بريمر ايضاً الأمر الرقم 20 بتاريخ 17 تموز يوليو 2003 بإنشاء بنك التجارة العراقي، وهو بنك حكومي مستقل يقدم الخدمات المالية والخدمات ذات الصلة لتيسير استيراد السلع والخدمات الى العراق وتصديرها من العراق من أجل منفعة الاقتصاد العراقي. ولا أدري لماذا تنشئ سلطة احتلال موقتة بنكاً حكومياً، علماً بأن هناك بنكاً حكومياً تجارياً هو بنك الرافدين، وقد مضى على تأسيسه أكثر من نصف قرن. ويقوم عدد كبير من التجار والقطاع العام بالاستيراد والتصدير عن طريق بنك الرافدين.
الأمر الرقم 22 الصادر عن المدير الإداري لسلطة الائتلاف الموقتة بتاريخ 8/8/2003 يتعلق بتشكيل جيش عراقي جديد. وكان المدير الإداري بريمر نفسه حل الجيش العراقي، الذي مضى على تشكيله 81 عاماً، بتاريخ 23 أيار مايو 2003. هل يستطيع بريمر إقناع الشعب العراقي بأن الجيش الجديد سيكون أكفأ من جيشهم القديم؟!
الأمر الرقم 39 يتعلق بالاستثمار الأجنبي، والأمر الرقم 40 يتعلق بقانون المصارف، والأمران صادران عن المدير الإداري لسلطة الائتلاف الموقتة. ويقول المدير الإداري في ديباجة الأمرين: "اعترافاً منا برغبة مجلس الحكم في إحداث تغيير كبير في النظام الاقتصادي"، ويقول: "اصراراً منا على تحسين ظروف المعيشة لجميع العراقيين..."، و"إدراكاً منا لالتزام سلطة الائتلاف الموقتة بتوفير إدارة فعالة للعراق وضمان خير ورفاهية الشعب العراقي وتمكينه من القيام بالوظائف الاجتماعية والمعاملات العادية في الحياة اليومية".
سلطة الاحتلال لا يحق لها إجراء أي تغيير كبير في النظام الاقتصادي لأنها سلطة موقتة. لا شك في أن العراق بحاجة الى استثمارات أجنبية في ظروفه الحالية والى تحديث قانون المصارف، ولكن حكومة منتخبة هي التي بإمكانها أن تقرر شروط وحدود هذا الاستثمار والسلع والخدمات التي يحتاجها العراق بناء على دراسات ميدانية ونقاشات معقمة في البرلمان ولجانه المختصة. وعلى سلطة الاحتلال التركيز على حفظ الأمن والنظام وتأمين الخدمات الأساسية التي ازدادت سوءاً بعد الاحتلال، وترك أي تغيير مهم في النظام الاقتصادي العراقي لمجلس نيابي منتخب وحكومة شرعية منبثقة عنه.
ولا بد من الإشارة هنا الى ما تقوم به قوات الاحتلال من حملات اعتقال تعسفية بتهم الاشتراك في المقاومة واعتقال أسر المطلوبين وبضمنهم النساء، إذا لم يجدوا المطلوبين، ومعاملة من يلقى القبض عليه بقسوة وإذلال. كما دمرت منازل البعض. وتعرض الكثير منهم بعد نقلهم الى محلات اعتقالهم للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية. لقد بدأت قوات الاحتلال بإطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت التهم ضدهم، ولكن اشترط عليهم أن يجدوا كفلاء لضمان عدم قيامهم بأي عمل ضد سلطة الاحتلال على أن يكون الكفيل رجل دين أو شيخ عشيرة.
إن هذه التصرفات تعتبر انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني ومخالفة لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. اعتمدت هذه الاتفاقية من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1983 ودخلت حيز التنفيذ في 26 حزيران يونيو 1987.
* * *
المحاكمة العادلة: تؤكد المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن من حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية أو مدنية موجهة اليه أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من جانب محكمة مختصة مستقلة وحيادية وأن يحاكم دون تأخير لا مبرر له. ويدور نقاش داخل العراق وخارجه حول محاكمة أقطاب النظام السابق، وفي مقدمهم رئيسه صدام حسين. إن انتهاكات النظام السابق لحقوق الإنسان قد نوقشت في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وفي لجانه الفرعية في عدة دورات. كما نشرت في التقارير السنوية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية واللجنة الدولية للحقوقيين.
وتقديري أن الشعب العراقي يريد أن تكون المحاكمة في العراق، ومن قضاة عراقيين وبشفافية تامة، وبحضور مراقبين عن الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي والجامعة العربية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية. ويريد الشعب العراقي أن يعرف كيف استطاع صدام حسين أن يصل الى الحكم، ومن هي الجهة الأجنبية التي ساعدته على ذلك عام 1968، وكيف وصل إلى مجلس قيادة الثورة ثم الى رئاسته، وكيف خوّل هذا المجلس كل صلاحياته لرئيسه الجديد. ومن واجب المحكمة أن تدرس كل قرارات مجلس قيادة الثورة وبعضها قرارات تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، وأغلبها مضحك مبكي، لتطلع المحكمة وليطلع الشعب كم كانت هذه الإدارة بعيدة عن روح العصر .
ويريد الشعب العراقي أن يعرف ماذا كانت مهمة رامسفيلد وزير الدفاع الاميركي الحالي في زيارتيه للعراق عامي 1983 و1984. كما يريد أن يعرف من هي الشركات الأجنبية التي جهزته بأسلحة الدمار الشامل. ويريد الشعب أن يعرف عن الأشخاص الذين اغتيلوا من افراد عائلاته ومن مدنه ومن احزابه ومن المثلث السني الذي يشاع بأنه يؤيده، ومن ضباط الجيش وجنوده من مختلف أنحاء العراق، ومن رجال الدين الأفاضل ابتداءً بالشيخ عبد العزيز البدري، وصولاً الى السادة آل الصدر والحكيم وبحر العلوم ومذبحة حلبجة والأنفال، ولماذا اقفلت المدارس الدينية في النجف الأشرف؟
* * *
لقد مرّ العراق بتجارب صعبة منذ استقلاله عام 1932، ولا سيما فترة ال 35 عاماً الأخيرة. ولنتذكر دائماً ذلك النظام الشمولي الدموي ولنضع كل الضمانات في الدستور المقبل والنظام السياسي للحؤول دون السماح لشخص آخر أو ميليشيا وتحت أي شعار بإعادة تجربة الماضي القريب المرة. وعلينا أن نستفيد من تجارب الأمم.
لقد أكد المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا في حزيران يونيو 1993 أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي حقوق يكتسبها جميع البشر بالولادة ، وأن حمايتها وتعزيزها يندرجان ضمن المسؤولية الأولى الملقاة على عاتق الحكومات، وأن الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضاً. وتقوم الديمقراطية على إرادة الشعب المعبر عنها بحرية في تقرير نظمه السياسية والاقتصادية والثقافية ومشاركته الكاملة في جوانب حياته.
* * *
الآن، وبعدما تأكدت دول العالم أجمع بأن لا أسلحة دمار شامل موجودة الآن في العراق، وبعدما ألقي القبض على الرئيس السابق، لم تبقَ حجة لوجود قوات أجنبية على أرض العراق. ونظراً الى الظروف الأمنية غير المستقرة السائدة الآن في العراق، فمن الضروري الاستعانة بقوات حفظ سلام دولية تحت إشراف الأمم المتحدة لتهيئة الظروف التي تمكن الشعب العراقي من أن يقرر بحرية مستقبله.
آن الأوان أن يصدر قرار من مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال واستبدال سلطة الائتلاف الموقتة بإدارة انتقالية من قبل الأمم المتحدة للإشراف على انتخابات الجمعية التأسيسية، ثم المجلس النيابي، وقيام حكومة شرعية منتخبة ممثلة لشعب العراق استناداً الى مبدأ سيادة القانون.
وليكن شعار المرحلة المقبلة المحاسبة والشفافية والتسامح، ونبذ العنف وعبادة الشخصية، والالتزام قولاً وفعلاً بتداول السلطة. ولنضع الآليات لضمان هذه الشعارات ولاختيار الأشخاص الأكثر كفاءة واستقامة لتنفيذ هذه الآليات.
ولنتذكر قول جبران خليل جبران: "ويل لأمة تحسب المستبد بطلاً، وترى الفاتح المذل رحيماً".
* وزير عراقي سابق والرئيس السابق للمنظمة العربية لحقوق الانسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.