شهد الاقتصاد العراقي خلال عام مضى على تغيير النظام السابق في التاسع من نيسان أبريل عام 2003 الكثير من التحولات والتطورات ذات الاهمية البالغة، التي اختلف المحللون في مدى جدواها وتلبيتها للطموحات التي ينشدها المواطن العراقي بعدما ادت السياسات التي مورست في السابق الى تحول الاقتصاد العراقي من اقتصاد غني ومتنوع وشامل الى اقتصاد فقير ومتأزم يعتمد على الايرادات النفطية لتغطية نفقاته الاساسية. صدرت خلال الفترة التي تلت سقوط النظام العراقي السابق، وهي فترة وصفها المراقبون بأنها فترة التحولات الجذرية في الاقتصاد العراقي، مجموعة من القوانين لدفع عجلة الاقتصاد العراقي نحو آلية اقتصاد السوق ونحو المزيد من الانفتاح والشفافية وتوفير البيئة القانونية والتشريعية لاستيعاب معطيات التحرر الاقتصادي في شتى المجالات. ولكن هذه التحولات تثير جدلاً واسعاًً لدى العديد من العراقيين وعلى مختلف اتجاهاتهم في شأن مدى صدقية هذه التحولات والمعطيات لديهم. وسمح قانون الاستثمار الذي صدر في ايلول سبتمبر عام 2003 للمستثمر الاجنبي الاستثمار في العراق وفقاً لشروط لا تقل تفضيلاً عن تلك التي يتمتع بها المستثمر العراقي، ونص على ان مقدار المشاركة الاجنبية في مشاريع تجارية موجودة او مؤسسة حديثاً في العراق يجب الا تكون محدودة، واجاز للمستثمر الأجنبي فتح مكاتب وفروع تمثيل تجارية. كما دعا القانون الى تشجيع وحماية رفاهية ومصالح الشعب العراقي عن طريق السماح بتدفق الاستثمارات الاجنبية فضلاً عن حماية حقوق وممتلكات المستثمرين الاجانب في العراق وتنظيمها من خلال تشريعات شفافة للامور المتعلقة بالاستثمار الاجنبي. واشار قانون الاستثمار الى انه يمكن القيام بالاستثمار الاجنبي في القطاعات الاقتصادية في العراق كافة باستثناء تملك الاجنبي المباشر وغير المباشر لقطاع المصادر الطبيعية المتعلقة بالاستخراج الاولي والمعاملة الاولية لها. استغرق مشروع اصدار الدينار العراقي الجديد ثلاثة شهور، وبدأ في 15 تشرين الاول أكتوبر عام 2003 وانتهى في 15 كانون الثاني يناير الماضي، ونتج عنه طرح عملة موحدة جديدة تتألف من ست فئات هي 50 و250 و1000 و5 آلاف و10 آلاف و25 الف دينار بعد ان تم سحب الفئات النقدية القديمة كافة التي تحمل صورة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وانتشر التداول بالعملة العراقية الجديدة في كل انحاء العراق. وصدر قانون جديد للبنك المركزي العراقي وآخر للمصارف الحكومية والاهلية، استهدف الاول تحقيق استقلالية اكبر للبنك في ممارسة نشاطاته النقدية والمصرفية وعد البنك من الوكالات المستقلة التي تعمل من اجل تحقيق اهداف السياسة النقدية في الاستقرار والنمو الاقتصادي. ونص القانون على منح حركة رأس المال حرية اوسع ومرونة اكبر لنظام الصرف والتمويل الخارجي كما سمح بتحرير اسعار الفائدة وجعلها خاضعة للعرض والطلب في السوق النقدية بعد ان كانت الفائدة على الاقراض في السابق تصل الى ما بين 13 و14 في المئة وعلى الادخار بين ثمانية وتسعة في المئة. واعطى القانون البنك المركزي صلاحيات واسعة جعلت منه سلطة عليا مسؤولة عن السيطرة على نمو عرض النقد والرقابة والاشراف على النشاط المصرفي بشكل افضل من السابق وبما يؤمن الازدهار الاقتصادي ويوفر المناخ الملائم لعمليتي التمويل والاستثمار وبشكل اكثر انفتاحاً على الانظمة المصرفية في دول العالم الاخرى. وتضمن قانون المصارف العراقية رؤية جديدة حول اجازة المصارف ورؤوس اموالها وطريقة ادارتها وقواعد توجيه انشطتها المصرفية واسلوب الرقابة والتدقيق الذي تمارسه، فضلاً عن الجوانب الاخرى المتعلقة بسيولة هذه المصارف وعمليتها الائتمانية وحدود التصرف بحاجاتها وطرق تعاملها في السوقين المالية والنقدية. وحدد القانون الجديد مهلة امدها 18 شهراً يتوجب خلالها على المصارف الاهلية العراقية البالغة 19 مصرفاً تأمين رأس مال لا يقل عن خمسة ملايين دولار، الامر الذي دعا المصارف العراقية الى عقد شراكات مع المصارف الخارجية وخصوصاً العربية منها وبنسبة تملك قدرها 49 في المئة لهذه المصارف. وشهدت تلك الفترة ايضاً طلب البنك المركزي العراقي وللمرة الأولى من المصارف الاجنبية تقديم طلبات للحصول على تراخيص للعمل في العراق، في خطوة تهدف الى تعجيل تحديث القطاع المصرفي وبناء اساس جديد يقوم على مبادىء اقتصاد السوق وتطبيق اجراءات تتفق مع افضل الممارسات الدولية. ومنح البنك ثلاث رخص لمصارف اجنبية وعربية هي"اتش اس بي سي"و"ستاندرد شارترد"و"بنك الكويت الوطني"مع عزمه اعطاء اجازات اخرى. وتم تأسيس"المصرف العراقي للتجارة"ككيان حكومي مستقل لتسهيل عملية الاستيراد والتصدير للبضائع والخدمات من والى العراق، وجاء تأسيسه متزامناً مع انتهاء برنامج"النفط مقابل الغذاء"الموقع سابقاً بين العراق والامم المتحدة. وحصل تطور ملحوظ خلال الشهور الاولى من السنة الجارية بالنسبة لمعدلات التضخم في الاقتصاد العراقي، اذ شهد شهر شباط فبراير الماضي انخفاضاً نسبياً في مستوى تضخم الاسعار الاستهلاكية. وعزت تقارير اعدتها وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية هذا الانخفاض الى عوامل تتعلق بالانتعاش التجاري وغياب الرسوم الجمركية واصدار العملة الجديدة بالاضافة الى تدخل الدولة في السيطرة على توزيع النفط والغاز والبنزين وتوفيرها للمستهلك. اما بالنسبة لسعر صرف الدينار العراقي، فقد اسهمت مزادات العملة التي اجراها البنك المركزي العراقي ومنذ بدء تداول العملة العراقية الجديدة في تحسين قيمته امام الدولار الاميركي والعملات الاجنبية الاخرى حيث انخفض سعر صرفه من الفي دينار للدولار الواحد عند بدء اول مزاد للعملة في 15 تشرين الاول الماضي، ليصل الى ما بين 1400 و1450 دينارأً للدولار خلال الشهور الثلاثة الماضية، بالاضافة الى تحقق حال من الاستقرار في سعر صرف الدينار العراقي يعد ظاهرة ايجابية تعكس الثقة بالاقتصاد العراقي وتفتح المجال امام استقرار وتحسن مجموع اداء الاقتصاد خلال تلك الفترة. قوانين الشركات والموازنة صدر قانون جديد لتنظيم عمل الشركات حدد اساليب واسساً جديدة للرقابة وادارة الشركات كما صدر قانون آخر لمكافحة الفساد الاداري يخضع بموجبه المسؤولون في العراق كافة الى المساءلة القانونية والمحاسبة. وتمت اعادة العمل بنظام المفتش العام لكل وزارة والذي يهدف الى مراقبة حسن اداء وكفاءة الدوائر والوزارات العراقية. ووضعت وزارة المال العراقية اول موازنة معلنة لها بعد تغيير النظام السابق صدرت في تشرين الاول الماضي، وبلغت 13 بليون دولار لسنة 2004، وكانت موازنة تشغيلية اكثر منها استثمارية. كما حددت الوزارة السقف الاعلى لضريبة الدخل بنسبة 15 في المئة متضمناً اعفاءات ضريبية تشمل الاطفال وعدد الزوجات، بهدف توفير سيولة في الاسواق تسهم في انعاش الاقتصاد العراقي فضلاً عن دفع المواطن للتحاسب التلقائي. ومن اجل تفعيل توجهات البلد نحو اقتصاد السوق، فرضت وزارة المال العراقية ضريبة جمركية بلغت خمسة في المئة على جميع البضائع الداخلة الى العراق باستثناء المواد الغذائية والادوية والقرطاسية والملابس وبدأ العمل بقانون الجمارك الجديد في الاول من نيسان الجاري. وطالبت منظمة التجارة الدولية بتحرير الاسواق والغاء الضرائب الجمركية قبل قبول العراق عضواً مراقباً فيها. كما يعتبر قانون سوق العراق للاوراق المالية، الذي يهدف الى تنظيم سوق المال وجعلها سوقاً متطورة تعتمد اسس وآليات شبيهة بما هو معمول به في الدول المجاورة، من الاصلاحات المالية المهمة التي شهدها العراق خلال العام الفائت.