وصف عضو اللجنة الاقتصادية النيابية العراقي عبدالسلام المالكي، مزاد البنك المركزي لبيع الدولار ب «بؤرة ينطلق منها ثلثا عمليات الفساد»، كاشفاً عن مساعٍ لإيقاف المزاد الذي تقف خلفه عصابات نافذة ستعمل بكل قوتها لاستمراره. وقال المالكي ل «الحياة»: «البنك المركزي باع للمصارف الأهلية منذ العام 2006 وحتى العام 2014، أكثر من 314 بليون دولار». وباعتراف الأمين العام لمجلس الوزراء الذي يشغل منصب محافظ البنك المركزي الحالي، فإن 5 في المئة فقط من تحويلات المزاد إلى الخارج حقيقية، والباقي عبارة عما يعرف بظاهرة «الصكوك الطيارة». وأول من استخدم مصطلح «الصكوك الطيارة» رئيس اللجنة المالية النيابية السابق أحمد الجلبي، الذي توفي قبل أسابيع، إذ كشف عن وجود حوالات أجراها البنك المركزي لمصلحة مصارف أهلية ببلايين الدولارات، لكن لم تدخل أي بضائع الى العراق في المقابل». وأضاف المالكي أن لجنته تسعى إلى إدخال بند جديد على الموازنة الفيديرالية لعام 2016، تقضي بتوزيع 50 في المئة من رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين بالدولار، على أن تُستقطع من مبيعات مزاد البنك. وأشار أن «هذه الخطوة مرحلة أولى تتبعها عملية السيطرة على سوق الدولار عبر الرواتب، ثم تضطلع المصارف الحكومية بتأمين احتياجات السوق في شكل كامل، ما يعدّ من صلب عملها بعكس البنك المركزي الذي لا يعتبر مسؤولاً عن فتح سوق عملة داخله، ولا توجد دولة في العالم أوكلت مثل هذه المهمة الى مصرفها المركزي، الذي يُعتبر مسؤولاً عن السياسة النقدية حصراً، وطبع العملة واستبدالها، وغيرها من المهام الخارجية». وأوضح أن لجنته تجمع معلومات عن أسباب انخفاض احتياط النقد الأجنبي الذي يحتكم إليه البنك المركزي في مصارف دولية من 72 بليون دولار إلى 50 بليوناً، ما يعني أن هناك سحباً من هذه الودائع، والقانون الخاص بالبنك يمنع الحكومة أو أي جهة أخرى من التلاعب بهذه الاحتياطات على اعتبار أنها غطاء للعملة». وكان الجلبي كشف سابقاً «شراء أحد المصارف من المصرف المركزي بين عامي 2012 و2015، ما لا يقل عن 8.688 بليون دولار، وحوّل هذا المبلغ إلى شركات عديدة». وعزا هذا الفساد أساساً، إلى «وجود أطراف سياسية تضغط على البنك المركزي لزيادة مخصصات المصارف في المزاد مقابل أموال، وهناك مذكرات في البنك المركزي تسمّي هؤلاء السياسيين من مجلس النواب والحكومة». وأعلن الجلبي أن «هناك مبالغ قليلة جداً تتحوّل من خارج العراق إلى سياسيين في داخل العراق، واستضفنا محافظ البنك المركزي ومديريه 4 مرات، وهم يتفقون معنا ونطلب منهم إجراءات، لكنهم لا ينفذون شيئاً». ويحقّق مجلس النواب في تهريب نحو 200 بليون دولار من العراق إلى دول أخرى بين عامي 2005 و2014. وفيما تشير اللجنة المالية النيابية إلى أن استرجاع تلك الأموال يتطلّب رفع دعاوى قضائية على الدول المستفيدة، كشفت عن اجتماعات مكثّفة لمعرفة ملابسات هذه السرقة. وأكد عضو اللجنة المالية النيابية مسعود حيدر، أن «اللجنة ستقف على أسباب تهريب العملة الصعبة خارج العراق، وعمليات المضاربة داخل السوق العراقية من جانب ضعاف النفوس الذين يسعون إلى تدمير الاقتصاد العراقي»، مشيراً إلى أن لجنته «ستتخذ إجراءات صارمة بحق هؤلاء، وستعمل على إحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم». ولفت حيدر إلى أن «إجمالي العملة الصعبة الذي هُرّب بين العامين المذكورين بلغ 200 بليون دولار من أصل 312 بليوناً». وكانت لجنة تقصّي الحقائق لصندوق تنمية العراق أعربت عن شكّها في أن أموال الفساد المالي تُهرّب إلى الخارج عبر حوالات بيع مزاد البنك المركزي. ودافع محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، عن سياسة مصرفه واتهم بعض غير المختصين بإطلاق تصريحات حول السياسة النقدية وعمل المركزي، والتي اتّسم معظمها بالمغالطات والتشاؤم، إما بسبب غياب الفهم الدقيق أو القصد غير الموضوعي الذي ينطلق من دوافع مختلفة ترتبط بالواقع السياسي والمناكفات والمصالح. واعتبر العلاق، في بيان حصلت «الحياة» على نسخة منه، أن حجم المغالطات والتشويش بلغ حداً يُضرّ بالاستقرار العام واستقرار السوق وبسمعة العراق خارجياً، مع ما يعني ذلك من آثار خطيرة على معاملات العراق المالية والنقدية والمصرفية. وقال: «يعمل المركزي على تطبيق سياسة متوازية للحفاظ على الاستقرار العام للأسعار وكبح التضخم باعتباره هدفاً أساسياً بموجب القانون، وفي الوقت ذاته يعمل على الحفاظ على احتياطاته السائدة للدينار وبتغطية عالية على رغم الظروف الاقتصادية السائدة، وهو بذلك حافظ ويحافظ على القوة الشرائية للدينار». وأضاف: «مع انخفاض الموارد الدولارية بسبب تراجع أسعار النفط، ما زالت الاحتياطات عند مستوى الكفاية بل أعلى من ذلك بكثير ووفق المعيارين الدوليين، وهما معيار تغطية العملة المحلية بما يعادلها من العملة الأجنبية، وقدرة الاحتياط على تغطية الاستيراد لستة أشهر». وكان صندوق النقد الدولي توقّع مطلع العام الحالي، وصول الاحتياط النقدي إلى 40 بليون دولار نهاية العام، لكن المركزي أكد الاحتفاظ ب50 بليون دولار كاحتياط». وعن انخفاض احتياطات البنك، قال العلاق: «ما يحدث من انخفاض وارتفاع في الاحتياطات أمر يتكرر في الدول التي تعتمد على صادراتها من النفط، وحدث ذلك عام 2009 عندما انخفضت أسعار النفط، وحينها بلغت نسبة مبيعات البنك من الدولار إلى مشترياته 148 في المئة، ثم عاد ليراكم احتياطات جديدة بعدما عادت الأسعار إلى مستويات مرتفعة». وعن اتهام مصارف محلية بتهريب الدولار، قال: «دور البنك المركزي وفقاً لقانونه وقانون مكافحة تبييض الأموال، يتمثل في إلزام المصارف والمؤسسات المالية تطبيق مبدأ «إعرف زبونك» للتحقق من مصادر الأموال التي تدخل عملية شراء الدولار، وفي هذا الصدد اتخذ البنك إجراءات وقائية وردعية ستُنشر قريباً».