تلفزيون الواقع. أنت في الواقع، هو في التلفزيون. كاميرا تفصل بينكما. تضعك متفرجاً، تحوّله فرجة. يرسم لشخصيته زوايا جديدة، زوايا تليق بالكاميرا. وأنت تتقبل الوضع من دون تردد. فأنت القادر عليه، رأيك يسري على رقبته، دمه خفيف، دمها ثقيل، صوتها جميل، رأيه ممل. أنت حر في رأيك. تنتخبه نجماً خلال أشهر يعيشها معك على الشاشة، تعود بعدها لتنساه، تجد حماستك تشتعل لمصلحة فريق آخر من هواة النجومية. فريق يليه آخر وأنت تتسلى. قد يضيع وقت لم تكن تعرف كيف تضيعه، وقد تحصل على تسلية لم تكن تتوقع أن تكون حياة الآخرين مصدراً لها. هم فئران في مختبر؟ أنت فأر في مختبر؟ المنطقة بأسرها فأر في مختبر؟ أم أنها وسيلة جديدة من وسائل التسلية؟ ولماذا التسلية مهمة إلى هذا الحد إن كان الفعل غائباً؟ فأنت تعيش القرف، إن عشته، لكونك لا تفعل. والتسلية مهمة كي تريحك من فعل أو أفعال أتعبتك. إن لم يكن المجال مفتوحاً أمامك كي تفعل، لماذا كل هذا التركيز على تسليتك؟ تلك أسئلة لا تسعى لسلبك الحق بتسلية. هي مجرد أسئلة، ومن المخجل عدم طرح الأسئلة عندما يغزو تلفزيون الواقع السعيد واقعك العادي. يغزوه فيحوّله، دورة تلو الأخرى، حماسياً. والحماسة هي نفسها، دورة تلو الأخرى. والدورة هي نفسها، تليها أخرى. وهلم جرّة تليها أخرى. وضعهم "ستار أكاديمي" أمامك طلاباً. وفي ذلك ما يخفف من وطأة فرضهم عليك. طلاب في مدرستك، ومدرستك هي الحياة. تشعر بالسلطة عليهم. سلطة سيسلبونك إياها، نجماً تلو الآخر، رسالة هاتف خلوي تلو الأخرى، ساعة متابعة تلو الأخرى. ترسل العبارات المشجعة والمستنكرة والمسرورة عبر الهاتف لتصلك بهم، على الشاشة. أدوات إلكترونية هي كل ما يربطك بهم. أما العواطف فحقيقية. حقيقية ومصدرها آلة. آلة إلكترونية ومؤسسة تلفزيونية ورأس مال. لكنهم يعيشون حياة، كالحياة، تحت أنظارك. وكل بشري يحتاج رؤية حياة، غير تلك التي يعيشها، تتطور، واقعياً، أمامه. صحيح أن نهاياتك ليست دوماً سعيدة على عكس نهاياتهم "الواقعية". وحتى ولو خرج طالب من الأكاديمية قبل الحصول على لقب البطولة، سيصرح قائلاً إن السعادة كلها تكمن في مجرد المشاركة. ثم، هل كان محمد عطية ليبدو أقل خفة دم أو كان أحمد الشريف ليبدو أقل وسامة لو ظهر للحظات، لمرة، في فيديو كليب؟ فالكاميرا، في كل الأحوال، حاضرة وهي تتحكم بكل شيء. ولا يمكن لأي كان أن يعتاد التصرف بطبيعية أمام الكاميرا. قد يعتاد شخصية اختارها لنفسه أمام الكاميرا. يعترض المعترض ويقول إن في ذلك إسفافاً وتضييعاً للوقت وتشتيتاً للانتباه العام. يوالي الموالي ويقول إن في ذلك تسلية وحميمية مستحبة مع نجم مستقبلي وتقويماً لمجمل شخصيته. لكن، من قال إن شخصية عبدالحليم حافظ كانت محببة؟ ومن كان ليهتم بنوعيتها؟ لا يهم. المهم أن محمد عطية هو نجم أكاديمية العرب وبات في وسعه أن يصدر ألبوماً. مثله مثل كل من يتمتع بفيديو كليب. وإن كان مثله سيكون كمثلهم، أين تكمن أهمية الانتظار إذاً؟