تدأب احدى المجلات الفكرية الشهرية على نبش التصرفات والنشاطات الخاطئة لبعض الأصوليين والمتطرفين لتتخذها حجة على اجراء محاكمة للدين الإسلامي كله، تدعو فيها للانقلاب عليه من دون رحمة. وفي حال لم يوفق محررو هذه المجلة في ايجاد ضالتهم، من زلات اللسان والهفوات المقصودة وغير المقصودة، لا يتورعون عن تسليط نيران مقالاتهم على الفروض والواجبات الدينية الرئيسية، كما حدث في موضوع الحجاب. والغريب ان المجلة التي تدعي الانفتاح، ومواكبة التطور والحضارة، وتنتقد سياسة الرأي الواحد، لم تنشر حتى الآن، بعد صدور 36 عدداً، مقالاً واحداً يتضمن وجهة نظر مغايرة، أو رداً على مقالاتها الاستفزازية التي لا أشك في أنها استدعت عشرات الردود التي لم تنشر! سياسة الكيل بمكيالين تظهر جلياً في مقال ينتقد كاتبه ازدراء أو اهانة المرأة غير المحجبة، ومحاولة وضع قيود عليها، إذ ان لها الحق في العيش كما تريد، اما دينها فيبقى شأناً بينها وبين خالقها، مستنكراً مبدأ الحجاب التام أو الموت الزؤام. كلام جميل! ولكن الكاتب ينسى نفسه. فيعود لينعت الحجاب والمرأة المحجبة بأبشع النعوت، ويجردها من انسانيتها، فعليها في حال أرادت التقيد بهذه الايديولوجيا "العفنة" أن تقبل، بلا اعتراض، قرار طردها من عملها. كل هذا، ويقول الكاتب انه لن يقسو في هجومه على الحجاب كثيراً، لأن الفتيات والنساء في عائلته هن من المحجبات. ثم يبدع هذا الكاتب حين يعلمنا، مشكوراً، ان الله فرض الحجاب لفترة معينة من الزمن كانت الغريزة تقبض فيها على الإنسان، فينظر الى المرأة بشهوة. أما الآن، في زمن التطور، فقد أصبح الإنسان يتعالى عن هذه الأمور. وهل يستطيع رجل، مهما بلغت قوته الجسدية، أن يستغني عن الطعام والشراب؟ فما بال صاحبنا يستغني بعلمه عن الغريزة؟ وهل اكتشف في نفسه نوعاً جديداً من البشر؟ أليس قوامه ماء وطيناً كما خلق الإله لنا قواما؟ إذا كان المشرع الفرنسي، حين أخذ قراره الخاطئ، فكر بالحفاظ على علمانية فرنسا، ولم يفكر في تحدي الإسلام والمسلمين - وهو رأيي الشخصي على أي حال - فلماذا نكون، نحن، ملكيين أكثر من ملك؟ فنهاجم الحجاب بشراسة، ونكذب بحنق وتشنج؟ إذ يبدو لي، من اللهجة المعتمدة في مثل هذه المقالات، أن أصحابها وجوههم حمراء، وعيونهم جاحظة، وأيديهم مرتجفة أثناء الكتابة! لذلك أرجو منهم، ختاماً، الكتابة بهدوء واحترام عقول من يكتبون لهم. فذلك أساس العمل الصحافي. دير قانون النهر لبنان - مهدي محمد علي زلزلي