تردد في اليومين الأخيرين في أروقة مجلس الحكم في العراق كلام كثير عن دور إيراني حاسم في الأحداث التي شهدتها المدن الشيعية في العراق. فالحضور الإيراني المباشر على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية أصبح أمراً من غير الصعب رصده في معظم مناطق الشيعة في العراق. ويبدو أن ذلك مترافق مع سعي إيراني حثيث الى اقامة جسور مع مختلف القوى في العراق، أولاً من خلال الدعم المادي واللوجستي لعدد من الأحزاب والتيارات التي لا تقتصر على الشيعة، وثانياً من خلال النفوذ الإيراني التقليدي في الحوزة الدينية والمؤسسات المرجعية لدى الشيعة. وقال عضو في مجلس الحكم ل"الحياة" إن الإيرانيين تحركوا في الآونة الأخيرة من خلال النفوذ الذي يتمتع به لدى تيار الصدر المرجع الديني الشيعي المقيم في مدينة قم الإيرانية السيد كاظم الحائري الذي يعتبره تيار مقتدى الصدر خلفاً للسيد محمد صادق الصدر. لكن المعلومات المتسربة من مقربين من سلطات التحالف في العراق تجاوزت حد التحريض الإيراني هذه المرة إلى دور مباشر وميداني في الأعمال الميدانية، فتحدثت مصادر أمنية عراقية عن أن التصعيد ترافق مع قرار أميركي بإبعاد القائم بالأعمال الإيراني في العراق الذي عين أخيراً وهو ضابط في الحرس الثوري يدعى حسن كاظمي قمي، وأشارت المصادر إلى أن قمي سبق أن عمل في لبنان وربطت هذه المصادر بين هذا الأمر وبين تصريحات مقتدى الصدر عن أن تياره يعتبر امتداداً لحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين. وفي هذا السياق أيضاً يتداول مقربون من قوات التحالف في العراق معلومات عن علاقة بين التصعيد في المدن الشيعية وبين ما جرى في مدينة الفلوجة، إذ ثمة في قوات التحالف من يعتقد بأن للإيرانيين مصلحة في بقاء المدينة خارج دائرة الضبط والسيطرة الأميركية، مما يخفف من الرقابة على التغلغل الإيراني، ويقول هؤلاء إن التحرك الصدري حصل في وقت بدأت فيه قوات التحالف بالتحضير لحملة على الفلوجة. وأشارت مصادر أخرى إلى أنباء عن قيام مساعد لمقتدى الصدر بزيارة إلى الفلوجة سبقت تحرك تياره. وتضيف هذه المصادر إلى أن هذا الأمر يصبح ممكناً إذا ما ربط بدور إيراني يسعى إلى التقريب بين أطراف رافضة للوجود الأميركي في العراق والمنطقة، وربما كان استحضار مقتدى لحركة حماس رسالة موجهة إلى حلفاء جدد من السنة العراقيين. وللإيرانيين على ما يبدو نفوذ على أكثر من صعيد في العراق، فقد تدخل هؤلاء لفض الاشتباكات الشيعية - الشيعية التي تسبب بها تجاذب القوى للسيطرة على الروضات الدينية، فأسهموا في توزيع النفوذ على هذه الروضات، ولما كان طموح مقتدى الصدر السيطرة على الروضة الحسينية في كربلاء، في حين رفض أنصار السيد السيستاني ذلك تدخل الإيرانيون وأجروا تسوية قيل إنها تمثلت بدفع مبالغ كبيرة إلى مؤسسات تابعة للصدر أدت إلى اكتفائه بمسجد الكوفة من بين المقامات الدينية الأخرى في العراق. استياء في مجلس الحكم لكن في المقابل يبدي أعضاء كثر في مجلس الحكم استياء من التجاوب الأميركي مع محاولات استدراج قوات التحالف إلى المواجهة، خصوصاً أن مواجهات من هذا النوع سيختلط فيها المنخرطون في مشروع العراق الجديد مع المتضررين من سقوط النظام السابق، ومن الأمثلة التي يسوقها أصحاب هذه الوجهة ما جرى في مدينة النجف نهار أول من أمس، إذ قام عناصر الشرطة وكثير من بينهم متعاطفون مع تيار الصدر بتسليم المقرات إلى جيش المهدي. وفي حين يؤكد هؤلاء أن الأطراف الشيعية في المجلس تدرك خطورة الوضع في حال أمسك الصدر بالساحة الشيعية في العراق، يؤكدون على حقيقة أن للسيستاني نفوذاً كبيراً على قاعدة الصدر على رغم عدم الانسجام بين الرجلين، ولهذا فقد رجحت هذه المصادر أن يتوجه اليوم وفد من مجلس الحكم إلى النجف ليطلب من السيستاني موقفاً واضحاً يؤدي إلى ما يشبه سحب غطاء شرعي عن مقتدى. علماً أن لهذا الطلب حسابات كثيرة وأثماناً ربما طلبها الشيعة من قوات التحالف، فمن يزور العراق يتلمس من دون شك حدة الخلافات بين القوى الشيعية، لكن ذلك لم يؤد حتى الآن إلى فرز واضح للمواقف. وحدهم الإيرانيون تمكنوا، مستفيدين من التجربة السورية في لبنان، من إقامة جسور مع قوى على هذا القدر من التنافر.