عام مضى على سقوط الطاغية الذي جمّد كل الطاقات الروحية والثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية المبدعة في العراق الذي كان مهد الحضارات التي اعطت الإنسان الكثير بتنوعاتها الفكرية والروحية والدينية، ولا سيما الحضارة الإسلامية التي عاشت في العراق بكل تنوعاتها وتعقيداتها وبكل عطائها في آفاق العلم فقهاً وأصولاً وأدباً وشعراً واكتشافاً وحركة، حتى بات العراق ملتقى لغير عالم من شتى انحاء العالم جاء إليه ليأخذ من علمه ومن تجربته ومن أدبه ومن كل تطلعاته. مرّ عام على الطاغية الذي قد لا نجد في التاريخ اكثر وحشية منه ولا اكثر غباء وحقداً على الإنسان كله سواء كان هذا الإنسان من أقرب الناس إليه ام من ابعد الناس عنه، بحيث شمل الناس كلهم بوحشيته، فكان شعاره اقتل تبقى وحدك الزعيم الأوحد، والقائد الذي يجتاح شعبه بدلاً من ان ينصره والديكتاتور الذي يفني شعبه بالأسلحة الكيماوية ويدمر كل جيرانه طاعة لأعداء الإسلام الذين وظفوه ليقوم بتنفيذ الخطة التي ارادوها، ان في حربه ضد الجمهورية الإسلامية في ايران لتدمير بنيتها التحتية او من اجل اضعاف الثورة الإسلامية، وإن من خلال احتلال الكويت الذي أُريد له ان يكون مقدمة لشرعنة الوجود الأميركي وغير الأميركي في الخليج على اساس حماية دول الخليج من هذا الخطر الداهم الذي يمثله هذا الرجل الذي باع نفسه للشيطان، حتى ان الشيطان بعدما اخرجه من الكويت حماه من شعبه فكانت المقابر الجماعية التي اقامها بفعل الدعم الأميركي من جهة وبفعل وحشيته الديكتاتورية من جهة اخرى. عام مضى على سقوط الطاغية، بحيث اصبح العراقيون قادرين على التنفس من خلال الكلمة الحرة والتنظيمات المتحركة والصحافة التي تتحدث في كل شيء. واصبح العراقي قادراً على ان يتنفس بعدما كان خاضعاً لأكثر من اختناق سياسي وديني وثقافي. لكن المسألة لا تكمن فقط في ان الطاغية سقط على أيدي القوى التي وظفته وأنهت وظيفته. وبات هذا من الماضي، ولكن ماذا عن الحاضر؟ كان الشعب العراقي يتصور ان اميركا جاءت لتحرره، لكن النتائج اظهرت انها جاءت لتحتله. ذلك ان اسقاط الطاغية لم يكن لسواد عيون الشعب العراقي بل كرمى للمصالح الأميركية التي ارادت للعراق ان يكون قاعدة لحركة استراتيجيتها في المنطقة وجسراً للعبور الى المنطقة كلها لا من اجل الحرية وحقوق الإنسان، ولكن من اجل حرية الاحتلال بكل شركاته واحتكاراته في السيطرة على مقدرات المنطقة. فعندما نتطلع الى الخطوات التي يتحرك فيها الاحتلال نلاحظ انه دمّر الدولة كلها ولم يستطع ان يديرها، ولم يرد ان يعطي العراقيين القوة التي يحتاجونها في حفظ الأمن، وهم اكثرة خبرة في حماية امنهم من قوات الاحتلال، ولم يرد ان يمنحهم القوة الاقتصادية التي يستطيعون من خلالها تأمين حاجاتهم وخدماتهم، بل احتفظ بكل القوة الاقتصادية العراقية لخطته باعتبار ان المطلوب هو ان تتسلم الشركات الأميركية والبريطانية وكل شركات الدول التي دخلت الحرب هذه الاحتكارات في ما يسمى إعمار العراق من دون ان يملك الحكم في العراق الذي عينه الاحتلال اي قوة اقتصادية او امنية، بحسب اعتراف القائمين على إدارة الشؤون العراقية الآن، ممن نثق بهم ونحترمهم على رغم تحفظاتنا عن الطريقة الأميركية في ادارة الواقع العراقي. والمشكلة هي ان اميركا لا تزال تمارس دور المحتل، ويصرح مسؤولوها بأنهم يملكون رفض اي قانون يصنعه العراقيون لا يتفق مع خطتهم ومع تطلعاتهم للعنوان الكبير الذي يراد للعراق ان ينفتح عليه. وهذا ما لاحظناه في المسألة الإسلامية، اذ نعرف من خلال متابعتنا للواقع العراقي ان قوات الاحتلال تريد للعراق ان يكون دولة علمانية لا علاقة للإسلام بها إلا بما قد يرتبط بالأحوال الشخصية مع اكثر من تحفظ حول مفردات هذه الأحوال الشخصية. وقد صرّح الأميركيون بأن العلمانية هي التي تحكم العراق في دستوره المستقبلي، ويؤكدون على النموذج الكردي في كردستان العراق كما لو كان الأكراد يعيشون في دولة مفصولة عن الشعب العراقي. لذلك فإننا نهيب بالإسلاميين سواء كانوا من المسلمين الشيعة ام من المسلمين السنّة ان يتوفروا على دراسة هذه المسألة بكل قوة وبكل وعي وبكل انفتاح وبكل اصرار وصلابة، على ان يكون العراق مسلماً بالطريقة التي يتحول فيها الى دولة اصلاحية معارضة حضارية تنفتح على الإنسان كله في العالم وترتكز على اساس العلم والثقافة والكفاية ورفع مستوى الإنسان، لأن الإسلام هو دين العدل الذي يرفض الظلم للإنسان كله. كما نهيب بكل اخواننا ان يعملوا بالوسائل الحضارية لا بالعنف والأساليب المتعسفة على استنفار روحية الشعب العراقي المسلم، على ألا يعيش الازدواجية بين ما هو الانتماء للإسلام وما هو الانتماء للوطن عندما يتحول الوطن الى وطن لا يحكم الإسلام مواقعه وقوانينه وحركاته. وهي مسؤولية الشباب المسلم من اجل صنع العراق الجديد على اساس الحضارة الإسلامية التي لم تنكمش في داخل ذاتها بل انفتحت على كل ما يلتقي مع مفاهيمها في العدالة والإنسانية والعقلانية من الحضارات الأخرى. فالإسلام لا يشجع اي ديكتاتورية وأي استبداد مهما كان لونه، سواء كان في دائرة ما يسمى رجال الدين او في دائرة المدنيين، وهو في قانونه يحكم اعلى شخصية في الدول ويفرض على الناس إسقاط كل شخصية تحاول ان تستغل موقعها من اجل ظلم الناس او اسقاط حريتهم او ما الى ذلك. اما في مسألة القيادة، فلا بد من ان تكون للأكثر خبرة وكفاية وإخلاصاً ومعرفة بالله وبالواقع وبالناس كلهم وبكل ما يحيط بالواقع من ظروف موضوعية وتعقيدات سياسية وأمنية. وليس من الضروري ان تكون القيادة لشخص واحد، بل يمكن ان تكون جماعية منظمة يقود الشخص الواحد مسارها على اساس تنظيمي، مع الرجوع الى كل اهل الخبرة في هذا الحقل او في ذاك. والمسؤول في الإسلام ليس فوق القانون بل هو تحته، لأن القانون هو قانون الله الذي يحكم العباد كلهم. لذلك نخاطب الشباب العراقي ليرتفع الى مستوى المرحلة وإلى مستوى المسؤولية في صنع العراق الجديد ليكون نموذجاً للمنطقة كلها، لا على اساس النموذج الأميركي للمنطقة، بل نريد ان يكون العراق نموذجاً للدولة الإسلامية العادلة الحضارية المنفتحة على الإنسان وعلى الواقع بكل وعي وبكل حركية تستهدي الطريق المستقيم. فالشباب هو الدعامة الكبرى للدولة الجديدة في عراق المستقبل، لذلك عليهم بذل كل الجهد والعمل على وحدة قوية لا مجال فيها للخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية، لأن العراق الجديد لا بد من ان يصنع على قاعدة الوحدة لا على قاعدة التمزق، ولا بد من ان يكون حراً لا يخضع لأي دولة كبرى بل يتعامل مع كل الدول على اساس الاحترام والمصلحة المتبادلين. وفي هذا السياق فالمطلوب حركة طالبية واعية منفتحة على كل حاجات الأمة تتمتع بالوعي السياسي والثقافي والتفوق العلمي، لأن العالم يتقدم بالعلم. وبالانفتاح على آفاق العلم الواسعة، سنكون حاجة للآخرين وكلما كان الإنسان حاجة للآخرين كلما استطاع ان يأخذ موقعه في الدرجات العليا في العالم وفي المجتمع، فيما اذا كان محتاجاً للآخرين فإن حاجته قد تستعبده من قبل الآخرين. والشرق الأوسط او العالم الثالث يعيش الاستعباد الاقتصادي والسياسي والثقافي من خلال حاجته الى الدول الكبرى. كما لا بد في العراق الجديد من العمل على رفع مستوى المرأة وإعطائها الدور الإنساني الذي اراد الله لها ان تتحرك فيه، فالمرأة ليست مجرد انسان ثانوي في الحياة بل هي انسان اصيل، تتكامل مع الرجل سواء في صنع الحياة او في إرادة الحياة. ونلاحظ في القرآن كله ان الله لم يقل ان المرأة هي الضعيفة بل قال إن الإنسان هو الضعيف وأراد للإنسان رجلاً او امرأة ان يرتفع فوق مستوى ضعفه وأن يحول نقاط الضعف الى نقاط قوة. والإسلام لا يمنع المرأة من العلم أو العمل أو خوض العمل السياسي وحتى العمل العسكري والعمل الثقافي والاجتماعي. وإذا كان البعض يتحدث عن الجانب الأخلاقي فإن الأخلاق ليست ضريبة على المرأة، بل هي واجب على المرأة والرجل معاً في كل ما يأخذ به الإنسان من امور الحياة. وهكذا، لا بد لنا من ان نتواصل مع كل الطاقات العراقية في الداخل وفي الخارج لتكون الحركة الشبابية حركة ترتكز على اساس الوحدة في المسؤوليات والوحدة في خط المواجهة لكل الذين يريدون ان يعيثوا في الأرض فساداً او يريدون ان يسقطوا عزة الأمة ويريدون ان يصادروا حرية الأمة لتكن القوة الشبابية قوة واحدة فاعلة منفتحة متقدمة متمردة على كل عناصر الضغط التي يفرضها الاحتلال.