لم تكن لدول المنطقة مصلحة في نجاح اميركي سريع في العراق. مثل هذا النجاح يشجع صقور الادارة الاميركية على تكرار التجربة والوقوع في اغراء مغامرات مشابهة. ولم يكن سراً ان دولاً كثيرة استقبلت بقلق وامتعاض كلام مسؤولين اميركيين عن تغيير المنطقة عبر العراق. وثمة من تخوف في البداية من قيام نظام عراقي ديموقراطي يشكل مجرد وجوده شكلاً من التحدي للأوضاع القائمة في المنطقة. لكن الشهور التي اعقبت اقتلاع نظام صدام حسين اظهرت ان البراعة الاميركية في اطاحة صدام لا تسندها قراءة دقيقة للواقع العراقي. وهكذا تأكد ان الانتصار العسكري السريع لن يعقبه انتصار في بناء نظام بديل يعتنق القيم التي تشترط ادارة الرئيس جورج بوش وجودها لدى الحلفاء الجدد. وبهذا المعنى لم يعد العراق مصدراً محتملاً لأخطار ديموقراطية الطابع. من حق بعض دول المنطقة ان يبتهج بالتعثر الاميركي لأنه يساعد في تنبيه مراكز القرار في واشنطن الى خطورة نهج الضربات الاستباقية وهذا النوع من الجراحات والحروب التي تشن من دون اي تفويض دولي. لكن الارتياح لغياب احتمال هبوب رياح ديموقراطية لا يكفي لاثارة الطمأنينة. فالفوضى العراقية تنذر بأخطار اشد وأدهى من تلك التي كان يمكن ان يطلقها عراق ديموقراطي اميركي الهوى. بعد عام على الحرب في العراق، يمكن القول ان "الحرب على الارهاب" منيت بانتكاسة فعلية ليس فقط بسبب تشتت الجهد بل ايضاً لأن الحرب نفسها وفرت ل"القاعدة" ومن يدور في فلكها ساحة جديدة ومبررات جديدة. وأكثر من ذلك يمكن القول ان التفجيرات التي حدثت في مدريد اظهرت ان من استهدفتهم "الحرب على الارهاب" لا يزالون يملكون القدرة على ترويع دول وزعزعة حكومات واغراق عواصم في الدم. يجدر بدول المنطقة ان تقرأ بتأنٍ تصريحات القاضي الفرنسي جان لوي بروغيير وهو خبير متخصص في شؤون الارهاب قبل 11 ايلول سبتمبر وبعده. قال بروغيير ان العراق قد يصبح "ارض الجهاد الجديدة، مثلما كانت حال افغانستان". ولاحظ ان "هناك علاقة بين الوضع في العراق والحرب هناك ومستوى التهديد في اوروبا لأن هذه الاوضاع تشجع جميع العناصر الارهابية التي تؤيد استراتيجية القاعدة". وخلص منبهاً الى اهمية ارساء السلام في المنطقة. وأوضح ان الساحة العراقية مثقلة بالأخطار وان اغلاقها بات مسألة ملحة لانقاذ العراقيين اولاً وانقاذ المنطقة سواء من جاذبية الساحة المفتوحة او احتمالات الانزلاق الى نزاعات مذهبية وقومية. ولا بد من الانتظار لمعرفة ما اذا كان الاخضر الابراهيمي يمتلك من الهامش مما يساعده على وضع مقومات لعملية اغلاق الساحة.