أن يلتفت الفلسطينيون أخيراً الى اتساع ظاهرة سرطان العملاء أو ازدهارها، فذاك انجاز، بعد كل الضحايا التي سقطت، وآخرها عبدالعزيز الرنتيسي بعد الشيخ أحمد ياسين. و"حماس"ليست وحدها تحتكر عيون العملاء، حين يكون الرئيس ياسر عرفات نفسه على لائحة الاغتيالات الطويلة."العيب"أن يدرك الفلسطينيون متأخرين خطورة ذاك السرطان الذي يغذيه أبو الارهاب ارييل شارون، لاستئصال المقاومة وقادتها، بل السلطة كذلك بذرائع باتت تثير الاشمئزاز. وليس العيب الاعتراف بوجود العملاء، فهي ظاهرة"وطنية"بامتياز، تنمو في كل الأوطان، وأبوها فقر الجيوب أو الضمائر. العراق كفلسطين،"تخرج"فيه كثيرون من اولئك، وترعرعوا خصوصاً في ظل الاحتلال، بل طلائعهم كانت مع"المحررين"، على الخندق الخلفي للدبابات الأميركية. لا أسرار، وقبل العراق وفلسطين،"تخرج"مئات من العملاء في سنوات الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، والجميع يعرف كيف طعن بهم"أساتذتهم"وراء الناقورة. أما كيف علاج الظاهرة، فالجميع يعرف، ويدرك خصوصاً ان الطوابير الخامسة دائماً هدف"مشروع"للأعداء، بصرف النظر عن جنسياتهم وهوياتهم، يرعونها في ظل اختلالات الوعي المجتمعي، واهتزاز الضمائر، والعيون الزائغة الى المناصب والمال، وكسب رضا"الزعيم"، ولو كان اسرائيلياً! لا مجال لدروس في التربية الوطنية، مذ ضاعت تواريخ العرب، كل يدبجها على هواه، وبعضهم مرتعب دائماً من نكء الجروح، فلا بأس والحال هذه من تزوير الماضي. والتزوير اذا كان أكبر اختراق لوحدة المجتمعات، بما فيها العربية، وحده كفيل بفتح الثغرة الكبيرة لتسلل الجواسيس. وهل أفضل من تعريف للعميل سوى وصفه بالجاسوس؟ ليس عيباً الاعتراف بوجود هذا السرطان الذي تتضخم رئتاه الى حد يجعله مزدهراً في"سوق"الارهاب. وليس مخجلاً الإقرار بالعجز حتى عن سد النوافذ، فمنها يتسرب ما يكفي من الخلايا النائمة واليقظة، الكسولة والنشطة، العربية الصرف، أو المطعمة بمافيا لا أحد مهما اجتهد يقوى على تحديد ملامحها. اما من أين يأتي هؤلاء العملاء، فمن أرض خصبة لم تبخل عليها سلطات كثيرة، جعلت من كل مواطن رقيباً على أخيه، كأن الأوطان لا تُحمى إلا بتعبئة نصف المجتمع ضد النصف الآخر، يحصي أنفاسه وحركاته، ويراقب عيونه، طمعاً برضا"الزعيم"، وبالثمن الذي تدره خدمات من ذلك النوع الأسود. هؤلاء أخطر من المرتزقة، يحصون حركاتنا وأنفاسنا، ويعدّون كلماتنا، بل تمتمة الشفاه، لعل الصيد يكون ثميناً. يتنصتون على نوافذنا، وامعاناً في"الجودة"يجندون الشقيق ضد أخيه، بذريعة الحركات المشبوهة والأفكار التي تهدد الاستقرار. يبتزون ضمائرنا بالرغيف، بل بدماء ابنائنا... ويمعنون في إذلال كراماتنا، بذريعة ذاك العدو المتربص، وهو أستاذ العملاء والجواسيس. يمثلون بجثة حرياتنا، مذ قتلوها من زمان، تارة يتسترون بالدين وفيه ومنه أوصاف كثيرة لهم، وأخرى يتلطون برياح الديموقراطية والعولمة، بعد الأسواق المفتوحة، للعملات الحرة، وفوضى التغريب، والعملاء من كل الجنسيات. يترصدون خطواتنا خوفاً من شذوذ على قواعد اللعبة... يشرّحون نياتنا لئلا تغضبهم وتثير الجلاد الكبير، وهو لا يرتاح إلا بسرقة وسادات الكاتب والمثقف والمزارع، لئلا ينام."يقظة"أبدية لحماية الأوطان؟ تلك كانت بداية سرمدية للعيون والآذان"الساهرة"التي يوبخها"الضمير"ان تلكأت في بيع النصائح للزعيم... وهو دائماً جاهز لشرائها ودفع الثمن. أليست تلك التربة الخصبة لانجاب العملاء؟ وما الفرق بين عميل"وطني"وآخر أجنبي؟ هؤلاء كلهم جواسيس، وفي طليعتهم جنرالات الارهاب الذين يقتحمون بيوتنا بذريعة مطاردة أميركا!