أنهى المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الأخضر الابراهيمي تقريره عن مهمته الاستطلاعية في العراق للمساعدة في التحضير لاجراء انتخابات وتشكيل حكومة عراقية موقتة تتسلّم السيادة من قوات التحالف بعد شهرين، بالاشارة الى"منزلقات وعقبات كبيرة"تنتظره. كما أشار الى عزمه على مواصلة اتصالاته في مهمته هذه"بتكثيف الحوار مع الدول الاعضاء المهتمة، لا سيما جيران العراق، للحصول على دعمها للعملية السياسية الانتقالية"التي يجهد لإتمامها. وكان الابراهيمي بدأ تلاوة تقريره أمام مجلس الأمن الدولي، بالسؤال عما"اذا كان ممكناً اجراء عملية سياسية موثوق بها"في ظل"العواقب المترتبة على اراقة الدماء"، مشيراً بذلك الى معارك الفلوجة والنجف وكربلاء... وبين مقدمة التقرير وما خلص اليه، يعرض الابراهيمي تفاصيل الاقتراحات التي توصل اليها نتيجة جولة المشاورات التي أجراها، حول قيام الحكومة الموقتة، وقيام مؤتمر وطني استشاري، تتولى لجنة تحضيرية حيادية تحديد أعضائه... لكن المقدمة والخلاصة تبقيان بيت القصيد. فالدور المنوط بالأممالمتحدة في المساعدة على نقل السيادة يبقى محفوفاً بالمخاطر، ما دام ناجماً عن طلب أميركي ومن مجلس الحكم الأميركي بالتعريف السياسي النهائي، ولم يتحول الى قرار دولي واضح. ومن الطبيعي ان يبطن الاخضر خوفه من تحويل دوره الى مجرد غطاء لمخارج تبدو"دولية"، لمأزق أميركي يزداد وضوحاً وسيترسخ أكثر، كلما بدا ان نقل السيادة سيكون صورياً، وبالتالي سيولّد ممانعة عراقية ودورات عنف جديدة. بل ان حذر الابراهيمي وأسئلته عن صدقية الحكومة العراقية التي ستساعد المنظمة الدولية على تشكيلها يبدو عادياً، مقارنة ب"الاحباط"الذي أصيب به أعضاء في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي حينما أبلغهم رجال الادارة الجمهورية الأسبوع الماضي ان القرار العسكري بعد نقل السيادة سيبقى أميركياً، وأنه سيتعذر على الحكومة الانتقالية سنّ قوانين جديدة تعيد النظر بقوانين سنّها الحاكم الأميركي بول بريمر... والادارة الأميركية، والابراهيمي وجميع المهتمين، يدركون ان الصدامات الدموية التي تجرى مع أطراف شيعية وسنّية على السواء منذ نحو الشهر هي، بين أشياء أخرى، تعبّر عن تطلّع فئات عراقية الى تمثيلها في المعادلة العراقية، ورفض أميركي لإعطائها أي دور قبل ضمان ولائها المستقبلي. وهذه الصدامات الدموية حوّلت نهائياً الأميركيين من قوة تحرير للعراقيين، الى قوة تستخدم جبروتها العسكري في رسم الخريطة السياسية العراقية، في وقت يتطلب رسم هذه الخريطة تسويات سياسية، هي التي يتوسلها الأخضر الابراهيمي وهنا مكمن الحذر: كيف التوفيق بين توسّل واشنطن قوتها العسكرية للتأثير في"العملية السياسية"وبين تسويات تأخذ الوقائع العراقية الفعلية في الاعتبار معطوفة على النفوذ الأميركي؟ فالمسؤولون الأميركيون يعتبرون ان"هزيمة أميركا في الفلوجة، تعني هزيمتها في قلب العراق وتقود بالتالي الى هزيمتها في العراق ككل، وهذا ما لن نسمح به". ان التوفيق بين الحاجات الأميركية وبين دور الأممالمتحدة في حال كهذه يقود الى حال من الفصام. وما لم يقله الابراهيمي بوضوح حين أشار الى اننا"سنحتاج من مجلس الأمن ان يكون متحداً وراءنا ومعنا"هو أن الدعم الدولي لمهمته يحتاج الى توافق دولي، يؤدي الى تدويل حقيقي للأزمة، لا صورياً. فلأنه كذلك انسحب الاسبان ويتحفّظ الفرنسيون والألمان عن التورّط في دعم الخطوات المقبلة. وما لم يقله الابراهيمي عن نيته التشاور مع جيران العراق، كخطوة يقول عارفوه انه ينوي القيام بها على أوسع نطاق قريباً، هو ان استلهام تجربته اللبنانية، من دون نسخها طبعاً في التوصّل الى تسوية بين العراقيين يحتاج ربما الى لجنة سداسية أو سباعية... كاللجنة الثلاثية التي كانت شكلتها القمة العربية في العام 9891 وتوصلت الى اتفاق الطائف بين اللبنانيين، هذا اضافة الى قرار دولي حقيقي. وفي الحالين، فإن واشنطن ليست في هذا الوارد...