أثار التسريب السابق لأوانه في جريدة "الحياة" لمسودة مبادرة الرئيس بوش للشرق الأوسط الكبير نقداً لاذعاً له في أرجاء منطقة الشرق الأوسط، بسبب عدم تشاوره مع الجهات التي تستهدفها المبادرة الأميركية، ولعدم تطرق المبادرة إلى النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. لكن غاب عن معظم هذه التعليقات نقد محتوى المقترح الأميركي، الذي تم استنباطه بشكل رئيسي من تقريري التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002 و2003، وهما نتاج جهد قام به باحثون وأكاديميون عرب، مشهود لهم في هذا المجال، تم اختيارهم من أنحاء المنطقة. الواقع أنه خلال السنوات الأخيرة ازداد إدراك الحكومات العربية لضرورة إحداث إصلاح سياسي متدرّج باعتباره أولوية. فالعالم العربي اليوم يشبه مختبر تجارب لأشكال جديدة من المشاركة السياسة. وأحد التحديات التي تشكلها المبادرة الأميركية أمام الحكومات العربية والمفكرين ذوي الميول الإصلاحية، هو كيفية بناء إشراف ذاتي وشكل من أشكال التحكم في سرعة التغير السياسي وعمقه داخل مجتمعات هذه الحكومات، بدلاً من التنازل عنهما لأيادٍ خارجية. فاحترام الذات والمنطق يقول إن مبادرات الإصلاح التي تنشأ من داخل المنطقة تكون لها شرعية أكبر وفرص أكبر للنجاح من تلك التي تدفع بها قوى خارجية. وقام مؤتمر مكتبة الإسكندرية للمثقفين العرب وممثلي المجتمع المدني العربي، انطلاقاً من تقريري التنمية الإنسانية العربية، بتبني إعلان لأولويات الإصلاح في آذار مارس 2004، كما اقترح اجتماع لوزراء الخارجية العرب، وبعد ذلك بفترة وجيزة قُدّمت، في القاهرة، هذه المقترحات إلى القمة العربية في تونس نهاية آذار. وكانت الفكرة من وراء ذلك أن صدور قرار قمة عربية مبني على إعلان الإسكندرية والمقترحات العربية التي صيغت مسبقاً، سيعيد زمام المبادرة إلى الطرف العربي، وينقذ الأميركيين عملياً من أنفسهم بتقديمه لهم وللحكومات الأوروبية الفرصة لاعتماد خطة عربية، بدلا من الاستمرار في محاولة ترويج خططهم، التي وصفت ب"غير المقبولة" من قبل قادة وصحافيين من المنطقة. ولسوء الحظ فإن العنف والخلافات العربية التقليدية تدخلت لمنع، أو على الأقل، تأجيل هذه النتيجة الإيجابية المتاحة. وتسبب اغتيال إسرائيل للشيخ أحمد ياسين قبل أيام قليلة من افتتاح جلسات القمة إلى عزوف عدد من رؤساء الدول العربية عن المشاركة. إضافة إلى ذلك، رغب المتشددون التقليديون في أن تركز مداولات القمة على إدانة الفعل الإسرائيلي بدلاً من مد يد السلام أو صياغة برنامج إصلاحي. وفي هذا الجو من التوتر المتصاعد لم تجد تونس مفراً من تأجيل الاجتماع لمنح وقت إضافي للحكومات العربية للبحث في سبل إيجاد موقف جديد مشترك. ومن المفارقات أن هذا التأجيل ساهم في دب الحياة من جديد، وبشكل غير متوقع، في المبادرة الأميركية للشرق الأوسط الكبير، والتي حتى أبطالها استعدوا لمشاهدتها تنطوي تحت خطة إصلاحية نابعة من المنطقة نفسها. إضافة إلى ذلك اقترح رئيس لجنة العلاقات الخارجية السناتور ريتشارد لوغر، في خطاب ألقاه في 31 آذار في معهد بروكنغز، إيجاد صندوق القرن العشرين للشرق الأوسط الكبير لتمويل مقترحات للإصلاح مقدمة من الدول المستفيدة. ومن المرجح أن نرى خلال الأيام والأسابيع المقبلة التي ستسبق قمة مجموعة الثمانية الكبار في حزيران يونيو، مسؤولين أميركيين يروّجون لهذه المقترحات الأميركية أو أجزاء منها في أوساط الحكومات العربية ولدى نظرائهم الأوروبيين. في الوقت الحالي، هناك برنامج جديد نسبياً يطلق عليه مبادرة الشراكة الشرق أوسطية MEPI، الذي يمكن للولايات المتحدة استخدامه كأحد الوسائل الأساسية التي لها أن تساعد على تنفيذ مقترحات الإصلاح، أكانت صادرة عن المنطقة أو بمبادرة من واشنطن. ويعبر هذا البرنامج، الذي طالبت ميزانية الرئيس بوش المقدمة إلى الكونغرس برصد مبلغ 150 مليون دولار أميركي لصالحه، عن أهدافه بلغة إصلاحية: إصلاح اقتصادي وإصلاح سياسي وإصلاح التعليم وتمكين المرأة. ويمكن لمقترحات المشاريع المقدمة للبرنامج للحصول على تمويل أن تكون مشاريع إقليمية، أو مشاريع وطنية في الجزائر أو البحرين أو مصر أو الأردن أو الكويت أو لبنان أو المغرب أو عُمان أو قطر أو السعودية أو تونس أو الإمارات أو الضفة الغربية أو غزة أو اليمن. ويمكن أن يكون العراق جزءاً من أنشطة لمشاريع إقليمية حيثما هو مناسب وقانوني، إلا أن قانون مكافحة الإرهاب الأميركي يمنع تمويل أنشطة في سورية. وهناك أيضاً برنامج للحصول على منح مالية ضمن برنامج الشراكة الشرق أوسطية لمقترحات ناشئة من الميدان، وهو متوفر عبر جميع سفارات الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط ما عدا دمشق والقنصلية العامة الأميركية في القدسالشرقية. وجميع المجالات الإصلاحية الأربعة للبرنامج موضع إهتمام الإصلاحيين في العالم العربي. ومجالات الإصلاح هذه منسجمة مع قيم الاقتصاد الحر والديموقراطية، وتؤكد على أهمية توسيع الفرص للمرأة والشباب. ومن العناصر الرئيسية للبرنامج إيجاد روابط وشراكات بين مؤسسات قطاع الأعمال العربية والعالمية والأميركية وعناصر المجتمع المدني والحكومات لتحقيق عملية إصلاح مستدامة في المنطقة العربية. وتركز أهداف الإصلاح الاقتصادي في التجارة والاستثمار على التنافسية العالمية وتحريك الاستثمار الخارجي والمحلي، وتيسير عملية نمو الدخل وإيجاد فرص عمل في المؤسسات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة الحجم. وتضم أهداف الإصلاح السياسي دعم المؤسسات الإعلامية الحرة والمستقلة، وتشجيع سيادة القانون ومحاسبة المسؤولين، ورفع كفاءة المؤسسات الحكومية، وتقوية الممارسات الديموقراطية والمجتمع المدني. وتركز أهداف إصلاح التعليم على توسيع فرص التسجيل في التعليم الأساسي وما بعد التعليم الثانوي لجميع أفراد الشعب، وخاصة الإناث، وتحسين نوعية التعليم وتطوير مهارات تؤدي إلى الحصول على فرص عمل. وهي تدعم أهداف تفعيل دور المرأة التخفيف من معيقات مشاركتها الكاملة في المجتمع. وتقع الأهداف المذكورة أعلاه ضمن مجالات تقليدية إلى حد كبير، لكن ما يجعل برنامج MEPI متميزاً هو بحثه الحثيث عن أفكار خلاقة مبتكرة ومشاريع تهدف إلى تحقيق نتائج فعلية، والتزامه بالعمل مع شركاء محليين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحقيق هذه الأهداف. ويمكن الحصول على معلومات إضافية مفصلة من موقع البرنامج على الإنترنت: www.mepi.state.gov ويوفر البرنامج، الذي ينطلق من توصيات دعاة الإصلاح في الشرق الأوسط، حوافز للمهتمين من المجموعات والأفراد في المنطقة للتواصل والتعامل مع شركاء أميركيين محتملين، وفي الوقت نفسه للشركاء الأميركيين لمباشرة أو تبادل الشراكة والمشاركة في إصلاحات مرغوب بها. وهو يشكل سبيلاً يمكّن الولاياتالمتحدة من التعاون في تنفيذ بعض الأولويات التي قام بعض دعاة الإصلاح في العالم بتحديدها دون محاولة فرض خطة أميركية شاملة على المنطقة. - روبرت بيلليترو سفير سابق للولايات المتحدة في المنطقة. باميلا داي بيلليترو أكاديمية حاصلة على إجازة الدكتوراة في العلوم السياسية. والمقال جزء من سلسلة مقالات عن المبادرة الأميركية للإصلاح، "الشرق الأوسط الكبير"، تُنشر بالتعاون مع خدمة Ground Common الإخبارية.