إذا قدر للقمة العربية أن تنعقد في 22 أيار مايو المقبل، هل يستطيع القادة العرب أن يوجهوا أي لوم وانتقاد للرئيس الأميركي لأنه يرتكب ب"وعد بوش بلفور"فعل إبادة سياسية للقضية الفلسطينية، ولأن حليفه مجرم الحرب الإسرائيلي التقط الضوء الأخضر لترجمة هذه الابادة عسكرياً؟ الأرجح أنهم لا يستطيعون، وإذا استطاعوا فإن اللوم أو العتاب أو النقد ليست كافية في حد ذاتها لصنع موقف عربي"قوي". أما إذا عمدوا إلى الهروب من واقع التطورات الجهنمية التي تجتازها القضية ليقولوا انهم لا يزالون يعرضون مبادرتهم للسلام ويتمسكون ب"خريطة الطريق"، فإنهم يؤكدون بذلك لبوش وشارون أنهم أمة تتقن فن التعايش مع الأوهام والخدع والأكاذيب، وانهم لم يعودوا يتحدثون عن قضية لشعب فلسطيني إلا من قبيل الحفاظ على الشكليات، أما الفعل والوقائع فهما من شأن الأميركيين والإسرائيليين المعنيين بانهاء تلك القضية وخنقها. من شأن العرب، في القمة، التي ستنعقد على الأرجح، أن يعتمدوا موقفاً واضحاً يخاطب العالم ليقول إن الولاياتالمتحدة أقفلت عملياً كل آفاق السلام وأبوابه على رغم كل الاستعدادات التي أبداها العرب والتنازلات التي لوحوا بها. يفترض أن يتقبل"عرب أميركا"مثل هذا الخطاب إذا كانوا لا يزالون معنيين بقضية شعب عربي واقع تحت احتلال لا يتعامل معه إلا بالإرهاب والوحشية، ويشكل بؤرة تخريب وعداء في المنطقة. ومهما كانت حاجة هؤلاء إلى الرضا والدعم الأميركيين، فإنهم يحتاجون إلى حل للصراع مع إسرائيل، والحل في يد أميركا، لكن أميركا لا تبدو في صدد تحمل مسؤوليتها، سواء كانت في موسم انتخابي أم لا. وإذا انعقدت القمة العربية في تونس، هل ستكتفي بكلام عمومي انشائي عن العراق، كأنها لا تعرف ما يجري على الأرض، وكيف ستبرهن عندئذ أنها معنية بهذا البلد العربي ومستقبله. وفي المقابل كيف سيبرهن العراقيون أن هناك ما يبرر وجودهم في الجامعة العربية وجلوسهم في مؤتمر القمة، فإذا كان الهامش ضيقاً إلى حد أنه لا يستوعب أي مواقف رؤيوية من منظار عربي يهجس بمصلحة العراق والعراقيين، فإن تأييد القمة أو عدم تأييدها للمشروع الأميركي ولسائر الكليشيهات المتداولة حالياً تسليم السلطة، دور الأممالمتحدة... لا يقدم ولا يؤخر. بل ان من شأن الجانب العراقي أن يكون لديه ما يطالب به القمة خارج الإطار الأميركي وبعيداً عن الأجندة الأميركية. أصبح مفهوماً أن ما يقوله الأميركيون عن العراق ك"نموذج مستقبلي"لدول المنطقة، ليس أكثر من شعار ترويجي لسياسة بات العالم كله باستثناء الرأي العام الأميركي يعرف أنها متهورة. فهذا"النموذج"ينفي نفسه بنفسه في خيارات جورج دبليو بوش تجاه قضية شعب فلسطين، إذ لا يمكن أن يكون شن حرباً ليقيم ديموقراطية في العراق في الوقت الذي يضع كل رصيده السياسي والمعنوي لترسيخ احتلال إرهابي في أرض فلسطين. ازاء ذلك، إذا لم يكن مسموحاً النقاش في الملف العراقي، فلماذا يلتقي القادة العرب أصلاً ولماذا يعقدون مؤتمر قمة، وما قيمة الحبر على الورق الذي سيسمونه قرارات لهذه القمة؟ وفقاً لآخر أخبار مشروع"الشرق الأوسط الكبير"، فإن الأوروبيين يصفون النسخة الأميركية الجديدة للمشروع بأنها أسوأ من الأولى. فلا شيء ايجابياً طرأ على المنهجية التي يفكر بها الأميركيون، ولا الملاحظات التي أبداها الأوروبيون والعرب أخذت عملياً في الاعتبار. بل ان صهيونيي مجلس الأمن القومي في واشنطن يصوغون"الاصلاحات"مسترشدين بأوراق إسرائيلية ليكودية، ويعدون لها كما فعلوا بالنسبة إلى"وعد بوش". حتى التمنيات التي طرحها"عرب أميركا"لتجنيبهم الاحراج لم تراعَ... وهكذا فإن القمة مرشحة لأن تواجه الاشكالات ذاتها التي أدت إلى تأجيلها، إذ لا يزال الوضع على حاله: إما أن تخرج القمة بتعهدات تماشي صيغة"الاصلاحات الأميركية"، وإما أن تتعرض لتأجيل آخر. مع مثل هذه المعطيات، من"وعد بوش"إلى غض النظر عما يجري في العراق، إلى مسألة"الإصلاح"المطروحة من دون مفاتحة العرب صراحة وعلناً بتفاصيلها، سيكون على القمة أن تذهب إلى مواجهة كل ذلك بمنطق ايجابي، لكن بموقف عربي قوي، مسؤول ومستقل. ومثل هذا الموقف، وبهذه المواصفات، أصبح ضرباً من الأحلام.