حتى كوندوليزا رايس، شخصياً، ولا أحد سواها، باتت معنية مباشرة بملف الشرق الأوسط. ليس معروفاً إذا كان هذا خبراً طيباً أم سيئاً، لأن سيدة الأمن القومي برهنت طوال السنوات الثلاث الماضية ليكودية راسخة في النصح والتفكير. أما ربطها بالملف فمعروفة أسبابه، وأولها أن إسرائيل أكثر ميلاً إلى الثقة بها، خصوصاً أنهم تعاملوا معها واستغلوا إلى أقصى حد قربها إلى اذن الرئيس وعقله، فكانت عند حسن ظنهم. المعني الآخر بالملف هو وزير الخارجية كولن باول الذي يفترض أن العرب أكثر ميلاً إلى الثقة به، وقد تعاملوا معه في أوقات صعبة لم يكن هو نفسه فيها مؤثراً في قرارات الإدارة، وليس محسوماً بعد إذا كانت كلمته أصبحت مسموعة أكثر في البيت الأبيض حتى بعدما قلّص الفوارق بينه وبين صقور الإدارة. في أي حال، يظهر دفع باول ورايس إلى الشرق الأوسط أن واشنطن باتت تضع الملف في أولوياتها. كانت رايس من بين الذين نصحوا جورج بوش في بداية ولايته بعدم الاهتمام بالمنطقة، اعتماداً على اخفاق الرئيس السابق بيل كلينتون في التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. الآن، وفي السنة الأخيرة من الولاية الأولى، وعشية الانتخابات لولاية ثانية، يعود بوش عملياً إلى النقطة التي انتهى إليها كلينتون، وسط تغيير كبير في المعطيات وفي المشهد. وإذ كان كلينتون متحمساً من أجل تحسين صورته، فإن اهتمام بوش يتركز بكل وضوح على تأمين إعادة انتخابه. فهو يحتاج اليوم إلى ظهور أقل لرامسفيلد وولفوفيتز وحتى لتشيني، وإلى ظهور أكثر لباول ومن يشبهه. أما المستشارة رايس، التي تحسن دوزنة صقوريتها، فهي التي تمثل الالتزام الشخصي للرئيس. وبديهي أن لها مهمة أساسية في معركة إعادة انتخاب بوش. على الولاياتالمتحدة أن تعمل على جبهتين رئيسيتين في المنطقة: تطبيع الوضع في العراق، واحياء المفاوضات في اتجاه حل سلمي بين الفلسطينيين وإسرائيل. وفي أقل تقدير تريد واشنطن إدارة جيدة لهذين المسارين للحؤول دون حصول تطورات تنعكس سلباً على معركة الرئاسة، وفي أحسن تقدير، فإنها ترحب بنجاحات تدعم صورة بوش وخطابه وهيبته. صحيح أن إدارة بوش تعتبر أنها تخلصت ممن تعتبره "الولد السيئ" فلسطينياً حين أبعدت ياسر عرفات عن الصورة ونبذته، إلا أنها كانت ولا تزال تعاني - لكن بصمت - من "الولد السيئ" الإسرائيلي، خصوصاً أنه حليفها ولا تستطيع عزله إلا أنها تحاول اقناعه بانتهاج مسلك عاقل، كونها تحتاج إليه وإلى انخراطه في لعبتها. وصحيح أن إدارة بوش نجحت في اسقاط النظام العراقي السابق، إلا أن نجاحها الحقيقي يتوقف على المرحلة التالية، الراهنة، وكيفية نقل العراق وأهله إلى حال سلمية مفتوحة على المستقبل. في الحالين يجد ارييل شارون أنه قادر على اللعب والابتزاز، وطالما أن واشنطن تحتاج إلى دور ايجابي، فما عليها سوى أن تدفع الثمن، لأنه حليف صعب لا يخضع مصالحه المباشرة ولا يضحي بها لمجرد أن الرجل الموجود في البيت الأبيض بذل دعماً أقصى لإسرائيل. ويعرف شارون أن بوش يسعى إلى انجازات عبر العراق وعبر "خريطة الطريق" إلى دولة فلسطينية، لكن الرئيس الأميركي يراهن اكثر في معركته الانتخابية على ما سيتمكن من انجازه داخلياً على صعيد الاقتصاد. وبالتالي فإن أقصى ما سيقدمه شارون لحليفه هو ألا يظهره فاشلاً ومحرجاً، لكنه بالتأكيد لن يقدم نجاحات لأنه ببساطة يرفض "خريطة الطريق" واستحقاقاتها. وإذ وافقه الأميركيون على تحفظاته التي تكبل "الخريطة"، فما عليه الآن سوى أن يسهر على احترام تحفظاته تلك غير عابئ بما تعنيه عند الجانب الآخر، العربي، أو بانعكاساتها على مصداقية الحليف الأميركي. ثم ان لشارون أدواراً أخرى يلعبها داخل الولاياتالمتحدة، وفي المعركة الرئاسية، ليضمن سلوكاً مؤاتياً من جانب أي إدارة. إذا كانت إدارة بوش تبدي التزاماً متعاظماً لتنفيذ "خريطة الطريق"، على أمل أن تعالج بعض مشاكلها في العراق، فلا شك أن حليفها الإسرائيلي مطالب بأكثر من الاحتيال والتهرب من الاستحقاقات. سرعان ما سينكشف أي خداع، وسرعان ما سينعكس على الجهود الأميركية. وحتى الآن لم يتبين بوضوح أن واشنطن توصلت حقاً إلى اقناع شارون ب"رؤية" الرئيس بوش، لكنها نجحت فعلاً في طمأنته إلى أنه يستطيع الاستمرار في ابتزازها.