يعتبر جون نيغروبونتي الذي اختاره الرئيس جورج بوش ليكون أول سفير أميركي في "العراق الجديد"، ديبلوماسياً محنكاً، يخفي قبضة من حديد وراء الوداعة التي تظهر على وجهه. ويأتي هذا التعيين تتويجاً للمسيرة المهنية لهذا الرجل الذي بدأ عمله مستشاراً سياسياً عام 1964 في سايغون، ثم سفيراً لدى هندوراس خلال الحرب ضد الكونترا في نيكاراغوا، ثم سفيراً لدى المكسيك خلال الثورة الزاباتية. وثارت حول نغروبونتي تساؤلات في شأن انتهاكات لحقوق الإنسان من جانب كتيبة الإعدام في هندوراس التي مولتها الولاياتالمتحدة وساعدت في تدريبها. وإذا كان اسم نيغروبونتي غير الخبير في شؤون الشرق الأوسط طرح للتداول كسفير محتمل في بغداد، فإنه لم يكن الأكثر ترجيحاً لتسلم هذه السفارة التي ستضم حوالى 3000 موظف وستكون أكبر سفارة لأميركا في العالم. يبلغ نيغروبونتي الخامسة والستين من العمر، وله خمسة أبناء بالتبني، وأجريت له العام الماضي عملية جراحية أجبرته على استخدام كرسي خاص للجلوس خلال مشاركته في اجتماعات مجلس الأمن. ويعتبر مقرباً من وزير الخارجية كولن باول، أكثر مما هو مقرب من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد والبنتاغون. كما انه لا يتمتع بالحظوة الخاصة التي يتمتع بها الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر لدى البيت الابيض. وهو بالتالي مقرب من أصحاب نظرية "الديبلوماسية الواقعية" العزيزة على قلب هنري كيسنجر، وكان نائباً لرئيس مجموعة "ماك غرو - هيل" قبل ان يستدعيه بوش للعمل معه عام 2001. وكان مجلس الشيوخ يستعد في الثامن عشر من ايلول سبتمبر لمناقشة ساخنة حول تعيين نيغروبونتي سفيراً لدى الأممالمتحدة، لكن وقوع اعتداءات الحادي عشر من ايلول قبل أسبوع، أراح هذا الديبلوماسي من مساءلة كانت قد تستهدفه، نظراً إلى دور محتمل قد يكون لعبه في "الحرب القذرة" على النظام السانديني، وتمويله بأرباح صفقات بيع سلاح سرية. آنذاك اعتبر عدد من المبشرين الأميركيين الناشطين في اميركا الوسطى ان تعيين نيغروبونتي في الأممالمتحدة "اهانة". وفي المنظمة الدولية دافع نيغروبونتي بتفان عن السياسة الخارجية "الاحادية الجانب" للرئيس بوش، من دون أي يرف له جفن، على رغم المواقف غير الشعبية التي اتخذها. ومن العراق إلى النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني، مروراً بتشكيل محكمة الجزاء الدولية، لم يوفر نيغروبونتي فرصة لدعم سياسة سيد البيت الابيض. واستخدم ست مرات "الفيتو": أربع مرات لمنع تمرير مشاريع قرارات تدين اسرائيل، ومرتين لمشاريع قرارات تتعلق بمحاكمة مجرمي الحرب. لكن نيغروبونتي فشل في اقناع مجلس الأمن باعتماد "القرار الثاني" الذي كانت تريده واشنطن ولندن للحصول على الضوء الأخضر لشن الحرب على العراق. وفي بغداد سيعمل مع زميله السابق في مجلس الأمن، البريطاني جيريمي غرينستوك الذي انتقل من نيويورك الى العراق ليصبح الرجل الثاني في سلطة "التحالف" بعد بريمر. ولد نيغروبونتي عام 1939 من أب يوناني الأصل، ونال شهادة من جامعة ييل قبل أن يدخل السلك الديبلوماسي عام 1960 حيث شغل ثمانية مناصب في آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية قبل ان يتقاعد عام 1997. وإضافة الى الانكليزية، يتكلم نيغروبونتي بطلاقة اليونانية والاسبانية والفرنسية والفيتنامية.