كان من المتوقع من الادارة الأميركية في واشنطن ان تأتي بشخص أفضل من بول بريمر، يُصلح ما أفسده بريمر طوال مدة ادارته للحكم في العراق. ولكننا نعيش زمن "البلطجة الأميركية". فكان الشخص المكلف لخلافة بريمر هو جون نغروبونتي. من هو نيغروبونتي؟ وماذا فعل منذ ان تولى منصب سفير أميركا في العراق؟ نغروبونتي من مواليد لندن 1938، انتسب في الثانية والعشرين من عمره الى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، من ثم التحق بوزارة الخارجية الأميركية، فخدم في الفيتنام كمسؤول عن ال"سي آي إيه" في بداية الحرب الفيتنامية. وكان يعرف عنه انه من مؤيدي الحسم العسكري والقمع والقتل الجماعي. وأثير الجدل حوله في شكل كبير عندما كان سفيراً لدى الهندوراس حيث أشرف مباشرة على دعم ثوار "الكونترا" في نيكاراغوا. وكان له دور باخفاء 180 مسؤولاً سياسياً. وشكل فرق اعدام في حق معارضين آخرين، واليوم لا يزال يتصرّف بالطريقة نفسها في ادارته كسفير للاحتلال الأميركي في العراق. وكانت حصيلة قمعه للعراقيين، على مدى أربعة أشهر، مقتل 8800 عراقي وجرح 20 ألفاً آخرين على يد الاحتلال الأميركي معظمهم في المواجهات مع المقاومة في محافظة الأنبار والجنوب العراقي، اضافة الى هدمه أكثر من ثلاثة آلاف منزل، عمداً، تحت حجة وجود عناصر ارهابية في داخلها. وأغلب ضحايا هذا الهدم من الأطفال والنساء. وكان وضع خطة مسبقة لعمله في العراق بطريقة مختلفة عن بول بريمر، وهي عدم ظهوره إعلامياً، خصوصاً من المسؤولين العراقيين، وعلى رأسهم اياد علاوي، رئيس الحكومة، ووزير دفاعه حازم شعلان، ليبين ان السلطة أصبحت في يد العراقيين. لكن الأمر ليس بهذه الصورة ابداً. بل على العكس، كنا نشاهد في السابق ان بريمر يجتمع بالمسؤولين العراقيين المعينين من قبله مرة كل عشرة أيام. أما اليوم، تشير المعلومات الى ان نغروبونتي يستقبل اياد علاوي مرتين في اليوم الواحد، في مقر السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، ويحثه على إطلاق التهديدات ضد المقاومة بمنطق مفهوم الحسم العسكري، كما يطالبه بتكثيف رحلاته الى الخارج كدليل آخر عن تسليم السلطة للعراقيين. أما مضمون عمل نغروبونتي في العراق فيرتكز على الامساك بثلاث وعشرين وزارة رئيسية، ومنها وزارة النفط التي يشرف عليها شخصياً، وحول 90 في المئة من ايراداتها لادارة الاحتلال، اضافة الى استقدامه نحو ثمانية آلاف موظف أميركي يعملون بصفة مستشارين، وجلهم من الاستخبارات المركزية الأميركية المدرّبين في اسرائيل، ويتقاضون رواتب باهظة من الأموال العراقية. وما بات واضحاً ان نغروبونتي من الذين يمارسون القمع الاعلامي بكل اشكاله، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الوسائل الاعلامية قد أقفل في بغداد بايعاز منه، وبتنفيذ من الحكومة العراقية. لكن يبقى الأمل كبيراً بأن يستعيد العراقيون حقوقهم وثرواتهم التي يسرقها الاحتلال الأميركي ومرتزقته، بفضل مقاومتهم التي تحمي مستقبل العراق ووحدته من أي تقسيم يحاول الاحتلال ان يصنعه. عباس المعلم [email protected]