وقف الصحن اللاقط ذو القُطر الأكبر 40،2 سم شامخاً على رؤوس المرحومين والمرحومات المدفونين في احدى مقابر "الغفير" الأكثر شهرة في مصر. وفي الداخل، تحديداً في الغرفة التي تفصل بين الصحن أعلى، والمتوفين أسفل، جلس أفراد اسرة "عبد الشكور" التُّربي "متعهد الدفن"، ملتفين حول شاشة التلفزيون الفضائية الغنائية، والجميع يتمتم "لزمة" شعبولا المعروفة بين كل مقطع وآخر "إييه"! إنها أغنية المطرب حالياً المكوجي سابقاً المستثير للمشاعر القومية دائماً شعبان عبد الرحيم المعروف لدى المصريين باسم شعبولا "يا عم عربي" والتي تبثها القناة الحاصلة على حق إذاعة الأغنية غير مرة في اليوم. إنه اسلوب جديد لأغاني "شعبولا"، فهي مصورة كأنها فيلم كارتون، فيما يبدو عبد الرحيم بكرشه المعهود وهو يغني "الصورة والكتابة أميركا وإسرائيل، غلوا الدنيا علينا، وولعوا الفتيل، أميركا ما عدش يهمها، تضرب زي ما هي عايزة"، ويظهر كل من الرئيس الاميركي بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي شارون كأنهما وجهان لعملة واحدة، ويجلس بوش أمام كعكة، هي الشرق الأوسط الكبير، يقسمها ويناول قطعة لشارون الى يمينه فيلتهمها وكذلك تفعل كوندوليزا رايس الجالسة الى يساره. قال "عبد الشكور" التُّربي الذي لا يقرأ ولا يكتب، لكنه يحمل خبرة عملية تزيد على خمسة عقود: "شعبان يغني للموتى الذين لا يزالون على قيد الحياة لعلهم يفيقون. "شعبولا" الذي يناشد "عم عربي" التحرك يتعامل معه المثقفون باعتباره أحد صمامات الأمان التي ينفس بها المصريون عن مشاعر الكبت والعجز أمام دعاوى "الإصلاح" المفروضة من الخارج والخارطة المقترحة لمنطقتهم من قبل العم سام، والمعايير المزودجة التي تطبق عليهم. لذا كان طبيعياً أن يقوم المصريون ولا يقعدون حين يصيح "شعبولا" بصوته المبحوح: "بيضايقوا سوريا، ويضربوا لبنان، يقصروا في الكلام لو حد قال كوريا، إسرائيل بالتأكيد اللي ولعوا الدنيا". وهنا تبدو في الفيديو كليب طائرة إسرائيلية على غرار أفلام الكارتون تحلق فوق رأس "شعبولا" وسرعان ما تتحول إلى مشهد حقيقي لإحدى الطائرتين اللتين اخترقتا مركز التجارة العالمي. وهذا ما دعا وسائل الإعلام الاميركية على مدى الأيام القليلة الماضية إلى وصف جديد شعبان عبد الرحيم بأنه "صورة جديدة من لجوء العرب إلى نظرية المؤامرة"، وهو ما دعا أيضاً المنظمات اليهودية إلى اتهام "شعبولا" ومساعديه ب "معاداة السامية". ويبدو أن سعة صدر واحتي الديموقراطية بدأ يضيق في الأشهر الأخيرة، فالتذمر من أغاني "شعبولا" وتعَمدِه تحقير أميركا وإسرائيل سبقته علامات مبكرة، إذ قيل إن الاستخبارات الاميركية كانت تدرس كيفية التعامل مع أغنية We are America للمطرب "إمينيم" وتقول كلماتها: "لا أغني لرؤساء أموات، أفضل أن أرى الرئيس ميتاً"، لولا تدخُّل العناية الإلهية التي أثبتت أن شجرة عائلة "إمينيم" تخلو من لقب "لادن"، أما المطرب جورج مايكل فقد ذهب إلى أبعد من ذلك حين ظهر في أغنية Shoot the Dog التي اعتمد فيها على فكرة "إسلاموفوبيا" وهي الفكرة نفسها التي غنى لها "شعبولا" في اغنيته السابقة ل"يا عم عربي" وقال فيها: "حاننزع السلاح ومالو شيء جميل، حانفتش العراق، روح فتش إسرائيل، كفاية بقى تلاكيك.. إيييه"، وفي انتظار جديد شعبان عبد الرحيم بعد ما حث بشكل واضح وصريح "عم عربي" على النهوض من على "كرسي العرش" لإنقاذ الأمة، وبعد ما أطلق الرئيس بوش "رصاصة الرحمة" على القضية برمتها.. إيييه"!