"لا تذهب ليلاً إللى العراق" و"احرص على أن تكون مسلحاً" و"حاول أن تكون ضمن قافلة من السيارات" إذا قررت أن تخوض مجازفة السفر عبر الطريق الصحراوية الطويلة بين عمانوبغداد وتبقى على قيد الحياة، و"لا تصدق أبداً أن الأميركيين يسيطرون على أمن الطريق ويحرسون حركة المسافرين عليها". هذه نصائح السائقين الأردنيين الذين نجوا من رصاص اللصوص وعصابات السلب التي تنتشر في عمق صحراء العراق الغربية، وتقطع الطريق على الآتين من عمان والذاهبين إليها. لكن هذه النصائح لم تحل دون مقتل أكثر من 30 سائقاً أردنياً في الأشهر الأخيرة على هذه الطريق، ولم تحل دون اعتبار المسألة "قضاء وقدراً" و"الاتكال على الله" قبل نقل الركاب والسلع الى بغداد، فإما مواجهة الموت والسرقة أو العودة الى عمان بأموال وفيرة لقاء المغامرة التي تستغرق أكثر من 24 ساعة من السفر المتواصل وسط الحذر والخوف. يقول السائق عدنان أبو حاكمة ل"الحياة" إن "أربعة من زملائه قضوا على الطريق في الشهرين الماضيين، بعدما توقفوا قليلاً للراحة ودهمتهم عصابة مسلحة نهبت كل محتويات شاحناتهم من المواد الغذائية" على رغم أن "استراحتهم لم تكن تبعد عن نقطة حدود طريبيل التي يسطر عليها الجيش الأميركي أكثر من 20 كيلومترا" واضاف أن "لصوصا اعترضوا سائقا أردنيا كان يقود سيارة صغيرة تقلّ مسافرين الى بغداد، وأجبروا الجميع على النزول منها، وتركوهم على بعد 600 كيلومتر من بغداد، بعدما استولوا على السيارة ومحتوياتها" ولفت الى أن أجرة الراكب الواحد ارتفعت بسبب المخاطر من 80 دولاراً الى 250 دولاراً، كما تضاعفت كثيرا أجرة نقل البضائع في الشاحنات. ويكتفي الجنود الأميركيون على الحدود العراقية - الأردنية بتحذير السائقين والركاب من مخاطر الطريق، وفي حالات قليلة يطلب قائد الوحدة العسكرية الأميركية منهم عدم السفر ليلا، أو ينصحهم بالانتظار لساعات ريثما يصل المزيد من السيارات والشاحنات لتشكل قافلة ترافقها لبضعة كيلومترات قوة حماية. ويشير سائقون الى أن "هذه الطريق لم تكن آمنة في يوم من الأيام، لكن معظم الحوادث التي شهدتها كانت محصورة في السرقة فقط، إذ كان النظام العراقي السابق يرسل دوريات بين فترة واخرى"، أما "الآن فقد اصبح لقاطعي الطريق مكامن على جوانبها ودوريات مسلحة وتنافس بين العصابات على غنائم" القادمين والمغادرين. ويقول ناجون إن "لمافيات الطريق أساليب متنوعة في استدراج ضحاياها، فبعضها جنّد فتيانا صغار السن يلوحون بأيديهم طلباً للنجدة أو المساعدة، وعند وقوف السيارات يخرج رجال مسلحون لا يترددون في قتل كل من يقاومهم أو يعترض على جريمتهم"، فيما تلجأ عصابات أخرى الى "وضع موانع من الحجارة وهياكل السيارات المحطمة في منتصف الطريق وتجبر السائقين على التوقف تحت تهديد السلاح". ولم تستطع الحكومة الأردنية فعل شيء إزاء شكاوى السائقين سوى تعهدها ببحث هذه القضية مع الأميركيين والسلطات العراقية. وحصل ذلك فعلا أثناء زيارة وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لعمان قبل أسبوعين، لكن الأخير ركّز على "ضرورة أن يبحث البلدان بشمولية قضية الأمن على الحدود لمنع تسلل متطرفين أصوليين الى العراق". ويؤكد مسؤولون ل"الحياة" أن عمان "بحثت مع الولاياتالمتحدة في شأن حماية هذه الطريق، وتلقت وعوداً بإيجاد حلول سريعة للقضية التي سيؤدي تفاقمها الى وقف حركة الافراد والسلع بين البلدين، كما سيعطل مشاريع الشركات العالمية المساهمة في إعادة اعمار العراق، والتي تتخذ من الأردن قاعدة لأعمالها".