اتجه المجتمع الدولي الى قبول الامر الواقع الذي فرضه المتمردون مع وصولهم الى مشارف العاصمة الهايتية بور او برانس، فيما دعت باريس وواشنطن وعواصم أخرى الرئيس جان برتران اريتسيد الى استخلاص العبر من التطورات العسكرية في الجزيرة، و"الكف عن التعنت". وبدأت تتشكل ملامح قوة دولية، للتعامل مع الازمة فور سقوط بور او برنس في ايدي المتمردين، لا للتدخل للحيلولة دون ذلك. دعت فرنسا الهايتيين أمس، الى العمل على إنشاء حكومة اتحاد وطني، في وقت تزايدت الانتقادات الدولية لموقف الرئيس الهايتي جان برتران أريستيد المتعنّت، تجاه مواصلة المتمردين الزحف نحو العاصمة بور أو برانس. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية هيرفي لادسوس ان وزير الخارجية دومينيك دوفيلبان، استقبل وفداً من الحكومة الهايتية برئاسة وزير الخارجية جوزيف فيليب انطونيو وعضوية وزيرة الثقافة ليلا ديسكوبرون ومدير مكتب رئيس هايتي جان كلود ديفرانج. وأضاف لادسوس ان المحادثات تناولت تطورات الوضع في هايتي، وأن دوفيلبان شرح وأعاد تأكيد رؤية فرنسا لهذا الوضع والخطة التي اقترحتها على الأسرة الدولية، لاعادة إحلال الهدوء في البلاد. وتابع ان الوزير الفرنسي أكد الضرورة الملحّة للبحث عن حل سياسي، معيداً التذكير بأن اريستيد يتحمّل مسؤولية كبيرة عن الوضع القائم ويتوجب عليه استخلاص النتائج المترتبة على المأزق القائم. وعما اذا كان دوفيلبان دعا مباشرة الى تنحي اريستيد، قال لادسوس انه دعاه الى استخلاص النتائج، مؤكداً التطابق التام القائم في هذا الشأن بين كنداوالولاياتالمتحدةوفرنسا. وتابع انه من الضروري أكثر من أي وقت مضى ان يعمل الهايتيون على انشاء حكومة وحدة وطنية انتقالية تتولى تحقيق المصالحة الوطنية وفقاً للخطة التي حددتها دول مجموعة البحر الكاريبي "كاريكوم". وأشار الى ان دوفيلبان أعاد طرح الاقتراحات الهادفة لتعبئة الأسرة الدولية، مؤكداً ان كل ساعة لها أهميتها اذا كان الهدف تجنّب دوامة عنف خارجة عن أي سيطرة. وكان من المفترض ان يصل الى باريس، وفد من المعارضة الهايتية لعقد اجتماع منفصل مع دوفيلبان، لكن الصعوبات الناجمة عن الغاء عدد من الرحلات الجوية حال دون مغادرته هايتي، وتترقب السلطات الفرنسية وصوله الأسبوع المقبل. ومن أبرز ما تنص عليه خطة فرنسا لاعادة إحلال النظام في هايتي والتي نوقشت في الأممالمتحدة اول من امس، إنشاء قوة مدنية دولية لحفظ السلام في البلاد وتعبئة المجتمع الدولي من أجل إعادة الاعمار. وانتقدت الولاياتالمتحدة بدورها إدارة أريستيد الذي ردّ قائلاً: "سأغادر القصر في السابع من شباط فبراير 2006"، مضيفاً أنه عزز "بوسائل سلمية التجربة الديموقراطية" وحسن ظروف حياة الهايتيين في مجالي الصحة والتعليم. وكان وزير الخارجية الأميركي كولن باول قال: "آمل أن يدرس الرئيس أريستيد وضعه بدقة"، مضيفاً: "أعتقد أنها مرحلة صعبة جداً للشعب الهايتي وأعرف أن الرئيس أريستيد متمسك بمصالح الشعب الهايتي". كذلك قالت كندا إنه على الرئيس الهايتي التفكير في نتائج المأزق الذي وصلت إليه البلاد. من جهتها دعت مجموعة دول الكاريبي ومنظمة الدول الأميركية الأممالمتحدة إلى السماح "بعملية انتشار عاجلة" في هايتي لقوة دولية تضم 250 شرطياً لإعادة النظام. ووعد مجلس الأمن الدولي في إعلان "بدراسة إمكانات التزام دولي في هايتي بسرعة"، خصوصاً خيار قوة للشرطة. وكانت المنظمة الإنسانية كير طالبت باريس بفتح ممر إنساني لتزويد مدن الشمال بالمؤن، فيما طلبت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من الدول المجاورة فتح حدودها للاجئين. وحذّر برنامج الغذاء العالمي من أن المخزونات الغذائية في هايتي قد تصبح غير كافية في وقت قريب إذا استمرت الأزمة. الزحف نحو العاصمة ميدانياً، سجلت عمليات نهب وقتل في العاصمة الهايتية حيث اقام مناصرو اريستيد حواجز في الشوارع، معربين عن عزمهم على صد هجوم متوقع للمتمردين. وشوهد المئات ينهبون المخازن في الميناء كما شوهدت جثث ثلاثة رجال دلت الطلقات التي اصيبوا بها الى انه تم اعدامهم. وتحدثت التقارير عن وجود عدد آخر من الجثث، فيما كانت شاحنات تحمل مسلحين تقوم بدوريات في العاصمة حيث مدرت ابواب المصارف والمحال التجارية. واستولى متمردو جبهة المقاومة الوطنية التي يتزعمها غي فيليب في الساعات الأولى من صباح أمس، على مدينة ميرباليه، بعدما قامت الشرطة بإخلاء مقرها قبل 48 ساعة، موزعةً مفروشاته على السكان. وقام المتمردون بالإفراج عن جميع السجناء الذين غادروا حاملين فراشهم. وتشكل ميرباليه مع مدينة سان - مارك أهم موقعين استراتيجيين يؤديان إلى العاصمة بور أو برانس. أما سان - مارك، آخر مدينة في شمال البلاد، فلا تزال في أيدي الشرطة الموالية لأريستيد. وكانت كاي ثالث مدن البلاد الواقعة في الجنوب سقطت قبل ذلك في يد مجموعة تطلق على نفسها اسم "قاعدة المقاومة". ويقود فيليب مجموعة من قدامى الجيش الهايتي السابق الذي حله أريستيد عام 1995، إضافةً إلى رجال عصابات. وتخلت الشرطة عن مفوضيتها ومراكزها في البلدتين القريبتين في كوت دو فير وكافايون، فيما جرى إجلاء عدد كبير من الأجانب عن العاصمة بمروحيات أرسلتها جمهورية الدومينيكان، أو نقلوا إلى المطار يرافقهم عسكريون أميركيون مسلحون.