انطلقت اسرائيل في تعاطيها مع مداولات محكمة العدل الدولية في لاهاي، من الافتراض أنها ستخسر المعركة القضائية بادعاء ان "العالم يناصبها العداء"، فصبت جهودها في الناحية الاعلامية معولة على نجاح المسؤولين الاعلاميين الذين أوفدتهم الى لاهاي في تشويه حقيقة الموقف الفلسطيني ودمغه بالارهاب واظهار اسرائيل "ضحية" هذا الارهاب، ما حتم عليها اقامة "الجدار الفاصل" لحماية مواطنيها. وفيما عمد أركان الدولة العبرية الى عدم التعقيب على ما يدور داخل أروقة المحكمة بحجة انها ليست مخولة النظر في قضية سياسية ما حدا بها الى المقاطعة واقناع الولاياتالمتحدة وعشرات الدول الأخرى بأن تحذو حذوها، حشدت وسائل الاعلام الرسمية والخاصة جل طاقاتها في خدمة الموقف الاسرائيلي الرسمي الذي يحظى بشبه اجماع في أوساط الاسرائيليين والقائل إن الجدار ضرورة فرضتها العمليات الاستشهادية. ولم تول الاذاعات العبرية أهمية خاصة لما دار داخل المحكمة أمس بقدر اهتمامها بالنشاطات الاحتجاجية التي قام بها مئات الاسرائيليين واليهود من أرجاء العالم في المنطقة المحاذية لمبنى المحكمة، واجرت المقابلات الحية مع عدد من ذوي "ضحايا الارهاب" الذين تم ارسالهم الى لاهاي لحمل صور 927 قتيلاً قضوا منذ اندلاع الانتفاضة. أما صحف أمس، فبدت في عناوينها الرئيسية كمن تلقت عبر عملية تفجير الباص في القدس "هدية قيمة" تفيدها في تكريس دعايتها وتبرير اقامة الجدار. ونشرت صحيفة "معاريف" على طول الصفحة الأولى وعرضها صورة لأحد المصابين بجروح في العملية وكتبت: "8 قتلوا في عملية تفجيرية واسرائيل تقدم للمحاكمة في لاهاي". وبالخط العريض العنوان: "احكموا أنتم". وخصصت "يديعوت احرونوت" صفحتها الأولى لصور القتلى ورسالة وجهتها زوجة أحد القتلى الى القضاء في لاهاي تحت عنوان: "أنتم تنطقون بالحكم وأنا أدفن زوجي". ونقلت الصحف عن أوساط سياسية رفيعة المستوى تقديراتها ان فرص تحقيق اسرائيل نجاحاً على الجبهة القضائية ضئيلة للغاية ما يحتم عليها العمل على تقليل الأضرار المتربصة بها في الرأي العام العالمي "ولذا سيكون مثيراً ما يدور خارج جدران المحكمة من سيرك اعلامي". وتابعت انها مرتاحة لحقيقة ان الحضور الدولي في لاهاي يقتصر على 11 دولة "معادية لاسرائيل منذ القدم"، ما يفقد، برأيها، المداولات من اهتمام اكبر من وسائل الاعلام الدولية الرائدة. ويقارن كبير المعلقين في "يديعوت احرونوت" ناحوم بارنياع بين ما يدور في لاهاي ومناسبات مماثلة في الماضي، ويكتب: "في مواجهات من هذا القبيل، في الماضي كانت اسرائيل الطرف العقلاني والفلسطينيون الطرف العاطفي، نحن قمنا بشرح موقفنا وهم بكوا... هذه المرة يخيل ان الآية انقلبت... الفلسطينيون يشرحون والاسرائيليون يبكون... ما بدا معركة خاسرة على مسار غبي للجدار وعلى احتلال أكل عليه الدهر وشرب، غدا حملة مشحونة موضوعها واحد: الارهاب". وتابع ان محاكمة اسرائيل وحدت الاسرائيليين "حول العلم"، حول موضوع كان حتى الأمس القريب مثار خلاف بينهم. وزاد ان مداولات المحكمة ستكون حملة على غرار اجتماعات الأممالمتحدة "فلائحة الدول المشاركة تبدو مهترئة... حتى تركيا وباكستان تهربتا في اللحظة الأخيرة، ربما لخشيتهما من سابقة قضائية أو تحت ضغط اميركي أو لأنهما لم تعجبا بالدول المشاركة، وفي كل هذا انجاز لا بأس به لاسرائيل".