يفضّل شادي، المستيقظ للتوّ، ألا يغسل عينيه قبل إشعال جهاز التلفزيون. من السرير مباشرة إلى الصالة. يلتقط جهاز "الريموت كونترول" فيما منشفة تتدلى من على كتفه. يجد صعوبة في تبيّن رقم القناة المنشودة، فسواتر النوم لا تزال تقيم في عينيه المنهكتين سهراً. الرقم أخيراً: 42، اسم القناة: "نغم". البث المفتوح لبرنامج "ستار أكاديمي".. يطمئن، يبتسم كأنه يلقي عليهم تحية الصباح: صوفيا، برونو، أحمد.. ومدرّسة التمثيل عايدة. يعرفهم جميعاً ويشتاق اليهم كمن يشتاق لأصدقاء مضى على افتراقهم عنه زمن طويل: ثماني ساعات بالتمام والكمال! علاج طويل الأجل شادي في السابعة والعشرين من عمره. عاطل حالياً من العمل. أتى إلى دبي منذ بضعة شهور. وقّع في سورية أوراقاً كثيرة ليجد ان شروط العقد اختلفت تماماً حين وصوله. اقتطعوا أكثر من نصف الراتب المتفق عليه. رفض. وأخذ يبحث.... وجد فرصة افضل، وكانت المفاجأة: الشركة التي رفضت أن يتركها ألغت إقامته وختمت على جوازه "بالحرمان". القانون يجيز لها ذلك. القانون سيقذفه خارج البلد، بعيداً من الفرصة الجديدة، مدة ستة شهور يمنع قبل مضيها من العودة دولة الإمارات. في وطنه تنتظره الخدمة العسكرية لسنتين ظنّ أنه سيكون بمأمن من هدرهما هباء. ظروف شادي تدعو الى الكآبة وبمقدورها أن تغرقه في دوائر تتسع للبطالة والضجر وأشياء أخرى. لكنّه وجد في "ستار أكاديمي" دواء مسكّناً، ووجد ألوان الحياة والحيوية التي يفتقدها في صحبة برونو وصوفيا وأحمد وعطيّة.. شركاء الوجبات الثلاث وقهوة المساء وشاي منتصف الليل. صار يرد على هاتفه بعيون عالقة في زجاجة الشاشة. ادمن صحبة الشباب الذين حظوا بفرصة لكي يكونوا نجوماً مشهورين حلم كل شاب. غناؤهم، رقصهم، تعبهم، نكاتهم.. فرص للتماهي، والتنفيس ربما، لن يحصّلها شادي، وكثر من المتفرغين امثاله للشاشة وقتاً طويلاً، في برامج أخرى قصيرة البث والمفعول. انه علاج طويل الأجل! "ليس تمثيلاً، انه واقع. أجلس على هذا الكرسي واحلم طوال النهار"، يقول. هو كذلك، تلفزيون الحقيقة المفتوح على بث متواصل، والوافد حديثاً الى مجتمعنا ويوميات شبابنا، يجعل الانصياع الى الحلم أسهل. ذخيرة لذيذة ومخدرة لمعالجة أكوام الهزائم والاحباطات. تجربة التعايش الثقافي تدرس سماح التسويق في الجامعة الأميركية في دبي. تحاول أن توفق بين جدول محاضراتها وشاشة "ستار أكاديمي". وحينما يتعذّر عليها الأمر، تتابع أخبار شباب الاكاديمية من زميلاتها عبر الهاتف. تجد سماح أن تجربة التعايش الثقافي الذي يتمثل في جمع شباب من جنسيات عربية مختلفة تحت سقف ملون واحد، "أمر جيّد وكوول": نحن في دبي متكيفون أصلاً مع التعددية الثقافية، اذ يعيش في إمارتنا 188 جنسية مختلفة. لكنها كانت تفضل لو كان بين الشباب مرشّح اماراتي:"طبعاً كنت لأصوّت له، فهو يحمل اسم بلدي". مسألة "مرشّح بلدي" كادت تتسبب سابقاً في أزمات بين البلدان العربية بسبب برنامج تلفزيوني شبيه، وجابت المتظاهرات الشعبية الشوارع هاتفة لبلدان دون أخرى ولمرشح دون آخر. أما هذه المرّة فأثار أحد طلاب الاكاديمية مجلة كويتية عنونت مقالة افتتاحية لها بالآتي: "على وزارة الإعلام الكويتية أن تحاسب بشّار حين عودته إلى الكويت". ونقرأ في المقالة أن عضو الأكاديمية الكويتي بشار قد "أساء إلى بلده عندما استخدم عبارات مثل حقير وكلب في مداعبة رفاقه وحينما صرح بوقاحة أنه يحب فتاة كل يوم...". وطالبت المجلة بمحاسبة بشّار الذي "أساء إلى صورة الشباب الكويتي". كما أن متابع البرنامج سيتبين بسهولة كيف يضبط الشبان أنفسهم، ويمتنعون عن التعرض الساخر أو التعليق على ملامح ثقافة كل منهم. فتعليمات القيمين على البرنامج واضحة: لا سخرية من اللهجة، لا تعليقات عنصرية تتعاطى مع الجغرافيا والتاريخ، السياسة والساسة، الدين والأعراف، العادات والتقاليد.. تعليمات صارمة قد يخرقها وجود "صحن مغربية" على مائدة الطعام يفجر نقاشاً ساخراً وطويلاً بين برونو اللبناني وعطية المصري، وينتهي بإضراب عطية عن الطعام. تقول سماح بخبث: "اعتقد أنها فرصة حقيقية لكي نتعرف عن كثب الى تمرين واقعي على لفكرة الوحدة العربية التي ينادون بها... البرنامج يصلح لأن يكون جامعة عربية مصغرة". 70 مليون اتصال! الأرقام المنشورة على مواقع شركات الاتصالات العربية على الإنترنت تفيد أن أكثر من مليون ومئتي وواحد وعشرين الفاً استخدموا هواتفهم الجوالة للتصويت لبرنامج "ستار أكاديمي" من دولة الامارات فقط. هناك اربعة ملايين متصل من المملكة العربية السعودية، 23 مليوناً من مصر، 18 مليوناً ونصف ونصف المليون من لبنان، 17 مليوناً من سورية، وتمضي الإحصاءات لتخلص بمجملها إلى سبعين مليون متصل من دول عربية. لا يتوقف الأمر عند "ستار أكاديمي"، فشبكة راديو وتلفزيون العرب اقتحمت موجة "رياليتي تي في" أيضاً بقناة مستقلة وغير مشفّرة باسم "على الهوا سوا". تقوم الفكرة على إظهار فتيات طالبات للزواج، يصوت المشاهدون، عبر الرسائل الهاتفية المكتوبة إس أم أس، الى التي يعتقدون أنها الأكثر أهلية بينهن للفوز بحفلة الزفاف الأسطورية التي تتكفل القناة بإعداده للعروس، كما تتكفل أيضاً بإيجاد العريس المناسب. "بيغ برازر" عربي هذا المساء تزوّج محمد منذ ثلاثة شهور. يقطن في إمارة الشارقة التي تخلو من صخب الحياة الترفيهية المعروفة في دبي. هو متفرغ مع زوجته كل ليلة لمتابعة "على الهوا سوا". يجلسان على الكنبة الوثيرة إلى جانب صحن الفوشار ويتداولان في شأن الفتاة التي "تستاهل الزفاف الأسطوري.. أعلق ببرودة على جمال الفتيات أو خفة ظلهن لأن زوجتي تغار كثيراً.. لا أخالفها الرأي غالباً وأصوّت للفتاة التي تختارها هي". وتطلق قناة MBC الثانية هذا المساء، السبت 21 شباط فبراير، برنامجاً ثالثاً يستند الى الفكرة نفسها... وبرنامج "الرئيس" هذا، هو النسخة العربيّة من "بيغ برازر". والتصويت أيضاً سيكون موجوداً فيه، لضمان حصة من كعكة رسائل المشاهدين الهاتفية. تلك الدجاجة التي اكتشفت قنوات التلفزة العربية أن في مقدورها أن تبيض الذهب بعيداً من سوق الإعلانات التقليدي الذي تستشرس فيه المنافسة وتسيطر عليه الاحتكارات، فضلاً عن تأثره بتقلبات الأوضاع السياسية والاقتصادية.