ماذا يخبئ الغد؟ سؤال يستأثر بالعقل المنطقي ويدفعه الى التنكّر لذكائه أحياناً كثيرة بحثاً عن اكتشاف المستقبل بأي وسيلة. قراءة الورق، الفلك، كف اليد، بن القهوة، ورقات الشاي... وفي الحقيقة تبدو الوسائل كثيرة ومتعددة، أما النتيجة فواحدة في نهاية الأمر. يجد المرء نفسه أمام خيار من اثنين: إما تصديق ما يقال وتغميض العينين للسير إلى الأمام من دون قرار أو مبادرة شخصية "وفق ما هو مرسوم"، وإما الاستماع إلى التنجيم "من دون سماعه"، والتعامل معه بفضول علمي أو بصفته طرافة اجتماعية، واتباع الحديث الشريف "كذب المنجمون ولو صدقوا". منذ أيام نوستراداموس منذ أن انتشرت تنبؤات نوستراداموس في القرن السادس عشر مستأثرة باهتمام شعبي كبير، والسعي لاستشفاف المستقبل يزداد في شكل تصاعدي، مستعملاً كل الوسائل المتاحة والغريبة أيضاً، أكانت "علمية" مثل الفلك أم "استنسابية" مثل قراءة الكف. وبقيت قراءة الورق الوسيلة الأكثر شيوعاً عالمياً، خصوصاً أنها تستند إلى ثوابت معروفة في هذا الشأن. فورق قراءة الغيب، أو كما يسمى "تارو"، يتشكل اليوم من 78 ورقة مقسمة الى قسمين: "مايجور أركانا" وهو من 22 ورقة، و"ماينور أركانا" وهو من 56 ورقة. ويُعتقد أن القسم الأول كان مخصصاً للنساء والثاني للرجال، لكنهما جُمعا في ما بعد ليتحولا مجموعة واحدة. جذور فرعونية؟ وقد ظهر "التارو" في أوروبا في منتصف القرن الرابع عشر من دون أن تعرف جذوره بالتأكيد على رغم أن نظرية تقول ان أصله صينيّ فيما يقول طرح ثاني انه مصري. وقد أسهمت امرأة فرنسية تدعى هلفيتيوس وهي أرملة مثقف فرنسي في إثارة الجدل في أصل هذا الورق في القرن الثامن عشر بعدما عرّفت العالم الفرنسي كورت دو جيبولين اليه، فعشقه وبدأ دراسة عن جذوره أوصلته إلى قناعة خاصة بأنه يعود إلى كتب حكيمة مصرية من أيام الفراعنة. ونشر طرحه العام 1781، ما جعل كثيرين يقتنعون بادّعائه حتى اليوم. لكن من المصادفات اللافتة أن يكون هذا الورق بدأ بالانتشار في إيطاليا أولاً، مباشرة بعد عودة الرحّالة ماركو بولو من رحلة طويلة إلى الصين في القرن الثالث عشر. وقد فتنت العائلات الثرية الإيطالية به وأوصت بتصنيع مجموعاتها الخاصة منه التي ترسم يدوياً. ولا تزال 271 ورقة متبقية منه إلى اليوم، تعود الى عائلتي فيسكونتي وسفورزا الإيطاليتين. وهي موجودة في متاحف إيطالية عدة وفي بعض المجموعات الخاصة. وسريعاً ما انتشر هذا الورق في كل أرجاء أوروبا مع وصول الغجر إليها، إذ استعانوا به لتدعيم "فن قراءة المستقبل" الذي كانوا يتقنونه. ومنعت مدينة برن السويسرية استعماله رسمياً العام 1367، كما أن برشلونة أصدرت مرسوماً مماثلاً عام 1382. "مدام" لونورمان وهزيمة واترلو ولم يكد القرن السادس عشر يطل برأسه حتى كان هذا الورق عمّ كل أوروبا في أعقاب اكتشاف الطباعة قبل قرن، وأصبح ملازماً للتنجيم في منتصف القرن السابع عشر، خصوصاً في فرنسا حيث أصبح جزءاً لا يتجزأ من نشاطات البلاط الملكي في عهد الملك لويس الرابع عشر الذي كان "يستشير" يومياً المنجمة "مدام أمبروجيه" التي كانت معروفة بقراءتها الصائبة للورق في تلك الفترة. ولم يكن الإمبراطور الفرنسي نابوليون في القرن التاسع عشر أفضل حالاً من الملك، إذ إنه لجأ الى عرافة هي "مدام لونورمان"، وما كان منه الا ان اعتمدها مستشارة يومية لسياسته المستقبلية. ويقال ان مدام لونورمان تنبأت للامبراطور بالخسارة العسكرية في واترلو، كما تنبأت بأفول نجمه السياسي وبنفيه بعيداً من فرنسا... وهذا ما حدث فعلاً. ويقال أيضاً ان مدام لونورمان أوردت في توقعاتها الكثير من الأحداث السياسية التي شهدتها الساحة الأوروبية في أزمنة لاحقة... ولما تحقق البعض من توقعاتها باتت مشهورة جداً وأورد الكثير من الكتب اسمها الذي تحول إلى "بيجو"، أي جوهرة بالفرنسية، نظراً إلى "معلوماتها القيّمة التي لا تقدّر بثمن". وقد نُسب ورق خاص إليها في ما بعد، فطبع مع كتيّب إرشادات لاستعماله. ويقال انه الورق الأساس الذي كانت تستعمله والذي وجد في منزلها بعد موتها. وانتشرت أنواع كثيرة من هذا الورق في كل أنحاء أوروبا ولا سيما في بريطانيا حيث يقال انه تحول إلى صيغته الراهنة حاملاً الأرقام على ورقاته المتعددة بعدما كان يحمل الصور فقط من قبل. وبات ينقسم اليوم إلى 3 أقسام... قد تكون مختلفة بعض الشيء في تقسيمها ورسومها، إلا أنها ذات نتيجة واحدة: قراءة للغيب ولمستقبل يريده دائماً المنّجمون زاخراً بالمال والحب والسعادة... كي يتقاضوا أجرهم في ما بعد.