مع اقتراب نهاية العام الميلادي وانطلاق تباشير المخاض لولادة العام الجديد، تتبارى محطات التلفزيون في استضافة الفلكيين الذين يتنبؤون بأحداث العام المقبل ليستعرضوا على شاشاتها تنبؤاتهم بأحداث العام المقبل مدعين قدرتهم على كشف حجب الغيب وقراءة المجهول. وهذه المحطات ما كانت لتفعل ذلك لولا أنها لمست حجم لهفة مشاهديها وإقبالهم على الإصغاء لما يقوله أولئك المدعون. لماذا يحب كثير من الناس متابعة ما يقوله الفلكيون من تنبؤات، برغم إيمان أغلبيتهم أن الغيب لا يعلمه سوى الله، وأن الفلكيين يكذبون حتى وإن صدقوا، لأنهم يحكون عن الظن والتخرص وليس عن اليقين؟ في تنبؤات المتنبئين، صدقت أم لم تصدق، يجد كثيرون واحة من الراحة والرضا الذي يسري داخل عروقهم، فالمتنبئ حين يتحدث، هو غالبا يتعامل مع العواطف وإثارة الانفعالات، مرة يغازل أماني بعيدة وأحلاما منزوية داخل النفس لا تجرؤ على الظهور، ومرة يهدهد المخاوف، وأخرى يرضي رغبات الحقد والكراهية المتقدة. بحسب مهارة المتنبئ في إشعال الإثارة في صدور الناس وإرضاء رغباتهم الدفينة، يكتسب شهرته ويكثر متابعوه وقد ظهرت أسماء كثيرة لهم ينتظرها بعض الناس من عام لعام. أما أشهر متنبئ عرفه تاريخ التنبؤ، فهو نوستراداموس الفرنسي، الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي ووضع مؤلفا رصد فيه تنبؤاته لقرون بعيدة قادمة، لكنها كانت تنبؤات مكتوبة في شكل رباعيات شعرية وبصورة مبهمة ومصحفة أحيانا، وذلك لخشيته من عقوبة الحرق التي كانت تصدرها محاكم التفتيش الأوروبية في تلك القرون ضد كل من يدعي الكهانة والسحر. ومع ذلك فقد نال كتابه الخلود، حيث لا يزال يرجع إليه من حين لآخر للتذكير بما قاله عن أحداث القرن. من التنبؤات التي أوردها نوستراداموس، (أن سيأتي يوم يكون فيه الإنجاب مقيدا بالحصول على ترخيص من الدولة) أما النبوءة التي يشرق لها وجه السامعين فهي (أن الضرائب ستلغى في البلاد التي تفرض فيها ضرائب). أما إن أردتم نبوءة (فلتة) فاقرأوا ما قاله أحد المتنبئين عن أحداث عام 2016 الذي سيحمل (بوادر حرب أهلية وانتفاضة ربيع في أمريكا بسبب تدهور الوضع الاقتصادي)، ويبدو أن هذا المتنبئ نما وترعرع في مراعي الربيع العربي فلم يرد أن تحرم أمريكا منه.